لا يخاف سلطان المنصوري، وزير الاقتصاد الإماراتي، على دبي، التي بدأت تخطو آخر خطوات التعافي من الأزمة الاقتصادية العالمية، ويرفض الكلام عن مساعدة أبوظبي لها كي تتخطى أزماتها لأن الاقتصاد الإماراتي وحدة واحدة، وهو عالج الأزمة بحكمة ودراية.


خاص إيلاف من دبي: أكد سلطان بن سعيد المنصوري، وزير الاقتصاد الإماراتي، أن النفط يساهم فقط بما نسبته 29 في المئة في الاقتصاد الإماراتي، وأن قطاعات اقتصادية أخرى، على رأسها قطاعا الخدمات والصناعة، يلعبان دورًا رئيسًا في تنويع المدخلات الاقتصادية لبلاده، متوقعًا أن تحقق الإمارات نموًا بنسبة 3.7 في المئة حتى نهاية العام الحالي.

ويرى المنصوري أن الإمارات تمكنت خلال السنوات الثلاث الماضية من خفض التضخم بشكل قياسي، ليصل إلى أقل من واحد في المئة في العام 2011، بعدما وصل إلى 14 في المئة في العام 2008، لافتًا إلى أن الإمارات أصدرت كثيرًا من القوانين والتشريعات التي تعطي الأولوية للخليجيين، للعمل في القطاع التجاري بشكل متكامل، متوقعًا أنه خلال سنتين على الأقل سنرى الاتحاد الجمركي بين دول الخليج.

للحديث عن آخر التطورات الاقتصادية العالمية التي تؤثر بدورها في الاقتصاد الإماراتي، كان لـquot;إيلافquot; حوار خاص مع الوزير المنصوري، هو الآتي:

هل من تطورات في مسألة الاتحاد النقدي الخليجي والعملة الخليجية الموحدة؟
إننا في الإمارات لا نرى الوقت مناسبًا للسير في هذا المشروع، وقد لاحظنا الأثر الذي تعرّضت له بعض الدول جراء دخولها منطقة اليورو، وكان ذلك على جزئيتين. الأولى تتعلق بقدرة الحكومات على التحكم باقتصاداتها المحلية أثناء دخولها عضوًا في الاتحاد الأوروبي، والثانية تتعلق بالقدرة على اتخاذ بعض القرارات المصيرية أحيانًا، كما حدث في اليونان على سبيل المثال، في قضايا تتعلق بالمصارف المركزية للدول، فالمصرف المركزي الأوروبي هو الذي يتحكم بالسياسات المالية والنقدية للدول الأعضاء.
فتجربة الاتحاد الأوروبي عريقة، مضى عليها نحو نصف قرن، حتى وصلت إلى ما هي عليه من اندماج قوي في الاقتصاد الأوروبي. إلا أنها تواجه رفضًا من كثير من دول الاتحاد الأوروبي، وبعضها يبدي شماتة بما آلت إليه أوضاع الدول الأعضاء في منطقة اليورو. فلا بد من دراسة شاملة للوحدة النقدية لدول الخليج بطريقة أعمق، مع الاستفادة من تجربة الدول الأوروبية. فالمشروع ما زال قائمًا، إلا أن الإمارات اتخذت قرارها بعدم الانضمام إليه في الوقت الحاضر.

معالجة حكيمة

أين أنتم من الأزمة المالية اليوم؟
الإمارات استفادت كثيرًا من مواجهتها التحديات التي أفرزتها الأزمة المالية العالمية وتأثيرها على اقتصاد دولة الإمارات. وربما كانت الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع الأزمة منذ بدايتها في العام 2008 جديدة وحكيمة في الوقت نفسه، خاصة أننا لم ننكر أن هناك تأثيرات على اقتصادنا منذ البداية، ولا سيما أننا كنا نسوّق اقتصاد الإمارات منذ زمن بعيد على أنه أكثر الاقتصادات العربية انفتاحًا واندماجًا مع الاقتصاد العالمي.

كما قمنا بموجب قرار من الحكومة بتشكيل فريق مختص، ضمّ ممثلين من وزارات المالية والاقتصاد والمصرف المركزي، أصبح جزءًا من لجنة شكلت للنظر في حجم الأزمة المالية وتداعياتها على البنوك الإماراتية، وكيفية وضع خطة لمعالجتها من خلال توفير الموارد المالية لهذه البنوك من الحكومة الاتحادية. وقد تم تخصيص جزء من هذه الموارد لهذه البنوك، وتم ضخها في تلك الفترة.

ما هي مراحل معالجتكم للأزمة؟
قمنا بمعالجة الأزمة على مراحل، أولها الاعتراف بحجم المشكلة التي وجد اقتصادنا نفسه في مواجهتها نتيجة للأزمة المالية، ثم وضع خطة لمعالجة التحديات، ومن ثم التركيز على قطاعات معينة، والنظر في كيفية تنمية هذه القطاعات، والاستفادة قدر الإمكان من قوة اقتصاد الإمارات في هذه القطاعات.
وبحسب ما ذكرنا، هناك قطاع السياحة على سبيل المثال، الذي تمكن من النمو والاستفادة من الأزمات التي شهدتها المنطقة، كذلك قطاع النقل والتوزيع، خصوصًا في مجال الطيران. وهناك قطاعات نمت بصورة كبيرة مقارنة بالقطاعات الأخرى، وغطت أوجه النقص التي عانتها تلك القطاعات.

وحدة واحدة!

هل بلغت دبي مرحلة التعافي؟
لا يمكن النظر إلى اقتصاد الإمارات من منظور اقتصادات مستقلة لكل إمارة على حدة، في معزل عن الإمارات الأخرى. فالاقتصاد الإماراتي متكامل تساند فيه الحكومات المحلية بعضها بعضًا، وهذا أمر مفهوم بالنسبة إلى الإمارات، التي تعتبر من أغنى الدول في العالم، سواء من حيث المخزونات أو الصادرات النفطية، أو من ناحية الغاز الطبيعي، حيث تعتبر الإمارات سابع أكبر دولة في العالم من حيث احتياطياتها، كما تحتل المرتبة الخامسة من حيث احتياطيات النفط، والسادسة من حيث الصادرات على مستوى العالم.
بالتالي، نحن دولة غنية بكل هذه الموارد، ولا يمكن أن تمر أزمة كتلك التي تواجهها بعض الدول التي تفتقر إلى الموارد الطبيعية كالنفط والغاز، والتي تعجز عن التعامل معها بسبب افتقارها إلى السيولة من مصادرها الداخلية، من دون الحاجة إلى الاستعانة بالخارج.
هذا فعلًا ما استطاعت دولة الإمارات أن تفعله، إذ نجحت في تنشيط الكثير من القطاعات وتحقيق الانجازات، كما في قطاعي الطيران والسياحة، لكن لا يمكن تحقيق ذلك فجأة، فما إن تفجّرت الأزمة حتى ركزنا على هذه القطاعات وتنميتها وتشجيعها، كما كان لقطاع الصناعة نصيب كبير في هذا الشأن، حيث استمر في النمو بنسبة تراوحت ما بين 3 و5 في المئة سنويًا تقريبًا.

هل كان بإمكان دبي الخروج من أزمتها لولا الدعم الذي قدمته أبوظبي؟
لا يمكن القول إن إمارة في الاتحاد دعمت أخرى بالأموال، فالاقتصاد الإماراتي وحدة واحدة، ويمثل أسرة واحدة بما تجمعه من روابط قوية ويتمتع بالتكامل، بغضّ النظر عن التركيبة الموجودة في البلاد.

تراجع قيمة الأصول

ما حجم انكشاف الاستثمارات الخارجية لدولة الإمارات على أزمة اليورو؟
لا شك في أنه كانت لهذه الأزمة تأثيرات على مختلف دول العالم، وعلى الاستثمارات الخاصة، سواء الإماراتية أو غيرها. لكن لا يغيب عن البال أن هذه الاستثمارات تدار من قبل الصناديق السيادية التي تعمل وفقًا لبرامج استثمارية طويلة الأجل، وقد مضى على استثماراتها ما يزيد على 30 أو 40 عامًا. لا شك في أنها حققت أرباحًا طائلة تكفي لتغطية الخسائر الناجمة من التراجع في قيم أصولها الاستثمارية في الخارج خلال العامين أو الأعوام الثلاثة الماضية.
لكن الأمر المهم في هذه القضية هو أن الخسائر عبارة عن تراجع في قيمة الأصول، فهل قامت هذه الصناديق ببيع هذه الأصول أم استبقتها معها؟، لأننا نرى أنها ستعود إلى مستوياتها السابقة، وربما إلى أفضل منها، ومن الطبيعي أنه إذا كانت لديك السيولة الكافية للتحكم بهذه القضية ولتحتفظ بالأسهم، فان استراتيجية المدى البعيد تقول بالتروي وعدم التسرع بالبيع، وقد حققت هذه الإستراتيجية مكاسب للكثير من الصناديق السيادية.

لا خوف عليها

ما قدرة موانئ دبي العالمية على التوصل إلى اتفاق مع الدائنين حول جدولة ديونها؟
معلوماتنا تؤكد قدرة حكومة دبي وموانئ دبي العالمية على التفاهم مع الدائنين وفقًا لبرنامج زمني، لا سيما أن أداء الشركة بشكل عام جيد، وأنها في صدد استكمال استثماراتها في بعض مناطق العالم، وبيع أصول واستثمارات في مناطق أخرى. لذا لا خوف عليها.

ما الحل المقترح لموضوع قروض المواطنين المتعثرة؟
تمت دراسة هذا الموضوع في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بالتعاون مع وزارة شؤون الرئاسة والبنوك المحلية. وهناك برنامج تتم متابعته، وبعض الملاحظات حول النسبة التي ستتم معالجتها. فثمة حديث عن 50 في المئة سيتكفل بها البرنامج لتسوية القروض، على أن يدفع المقترض نسبة 50 في المئة الباقية على مراحل، على ألا يتجاوز القسط 25 في المئة من راتبه الشهري.
هذا التوجه نابع من نظرتنا إلى بعد آخر، هو عدم تعويد المواطنين على الاقتراض، والاندفاع نحو الحكومة، ما إن تظهر بوادر أي أزمة في السوق، وحتى لا يصار إلى جدولة الدين والمبادرة على الفور إلى الاقتراض من جديد. نرى أن هذا المبدأ غير صحيح، وفي اعتقادي تنطوي هذه الظروف على أزمة خاصة، لكن على المدى المستقبلي يجب ألا يستمر هذا النهج
.

نريد الرفاه للجميع

ما هي تداعيات الربيع العربي على الاقتصاد الإماراتي؟
لا ينجح أي اقتصاد خليجي بمعزل عن نجاح اقتصادات الدول العربية الأخرى. ومن هنا، فقد توجهنا خلال السنوات العشر الماضية إلى الاستثمار بقوة في دول عربية عديدة، منها المغرب وسوريا ومصر وليبيا وتونس، بهدف رفع مستوى أداء الاقتصاد في تلك الدول، وتحسين مستوى المعيشة فيها، وليس من أجل استفادتنا نحن. وقد قمت بنفسي بمرافقة مجموعات استثمارية إلى تلك الدول، لكن لسوء الحظ كنا نواجه عدم اكتراث من القائمين على الاستثمار في تلك الدول، وعدم اهتمام الأطراف الحكومية. ولا نريد لأنفسنا أن نعيش بمفردنا في مستوى جيد، بل نريد للجميع أن ينعم بالرفاه الاقتصادي.
أما الرسالة القوية المطلوبة من دول الربيع العربي إلى دول الخليج فتتمثل في الخطط والمشاريع التي تعتزم تلك الدول تنفيذها خلال السنوات المقبلة، وما تعتزم أن تقوم به من إصلاحات على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأن دول الخليج بمفردها لا تستطيع أن تقلب الموازين أو أن تصنع المعجزات بدون التعاون اللازم من قبل تلك الدول.