أعلنت حكومة قبرص في أكتوبر/تشرين الأول أنها تتفاوض على صفقات ترخيص محتملة مع 15 شركة للتنقيب عن الغاز الطبيعي في منطقة المياه العميقة قبالة ساحل جنوب غرب الجزيرة. وتقول الحكومة إنها تتوقع توقيع أربعة عقود في مطلع العام المقبل ما سيرفع قلقها البالغ إزاء رد الفعل المحتمل لتركيا، التي لم تعترف أبداً بجمهورية قبرص أو حدودها البحرية منذ التقسيم الفعلي للجزيرة في عام 1974.


لميس فرحات: تركيا تقول إنها لن تتسامح مع الاستكشاف، لكن قبرص تقول إنها ستمضي قدماً، ولا يبدو أن أياً من الدولتين سيتراجع عن موقفه. تم اكتشاف حقل quot;أفروديتquot; للغاز، قبل عام تقريباً على بعد 35 كيلومتر، أو 20 ميلاً إلى الغرب من حقل ليفياثان، الذي اكتشفته إسرائيل في العام الماضي أيضاً.

ووفقاً لدراسة استقصائية أولية، أجرتها مؤسسة نوبل إنرجي، ومقرها في هيوستن، تكساس، فإن الحقل الجديد يمكن أن يحتوي على 5 إلى 8 تريليون قدم مكعب من الغاز، أي أكثر مما يمكن أن تستهلك قبرص خلال قرن.

في نشوة الاكتشاف الأولية، كانت هناك اقتراحات بأن تطوير حقول شرق المتوسط يمكن أن يساعد على تحقيق الاستقرار في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطراباً.

ورأى محللون أن التعاون على نقل الغاز بين قبرص وتركيا، وتقاسم العائدات بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك، يمكن أن يساعد على إحياء محادثات إعادة توحيد القبارصة. ويمكن أن تساعد صادرات الغاز أيضاً على إحياء اقتصاد قبرص، الذي تعصف به أزمة اليورو، كما يساعد أوروبا على الحدّ من اعتمادها على الغاز الروسي.

من جهة أخرى، يعتبر العديد من السياسيين أن التعاون الإقليمي في مجال نقل الغاز سيؤدي إلى تخفيف حدة التوترات بين إسرائيل وجيرانها. لكن هذا المزاج تغيّر بعد مرور العام تقريباً، إذ إن نيقوسيا، ومن خلال الشروع في برنامج الاستكشاف من جانب واحد، تعادي كل من القبارصة الأتراك والحكومة التركية برئاسة رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان.

وقال مدحت ريندي، أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية التركية، إن أنقرة حذرت من أنها سترد بقوة على استمرار الحفر، إلا إذا احترمت quot;الحقوق المتأصلة والمساواةquot; للقبارصة الأتراك في اكتشافات النفط والغاز. وتدعي تركيا أيضاً أن أجزاء من المنطقة الاقتصادية الخالصة، التي وضعتها نيقوسيا في عام 2010 كجزء من برنامج للتنقيب عن الغاز، تقع ضمن الجرف القاري لتركيا.

في الشهر الماضي، وفي مؤتمر الطاقة الدولي في إسطنبول، كررت تركيا تحذيرات من أن شركات الطاقة الكبرى في العالم ستفقد الوصول إلى السوق الشاسعة في حال تعاونت مع نيقوسيا على العمل في حقل أفروديت. وتتفاوض الشركات حالياً مع قبرص على الصفقات الممكنة، وتشمل quot;توتالquot; الفرنسية، وquot;إينيquot; الإيطالية وquot;نوفاتيكquot; الروسية.

وفي تحذير بالمثل، طاردت الطائرات المقاتلة التركية الطيران الحربي الإسرائيلي أو ما وصفته أنقرة بـ quot;الأجواء التركيةquot; إلى الشمال مباشرة من قبرص في شهر أيار/مايو الماضي. يشار إلى أن العلاقات الودية سابقاً بين تركيا وإسرائيل تشهد توترات حادة في الوقت الراهن، ليس فقط بشبب الاختلاف بشأن حصار اسرائيل لغزة، ولكن أيضاً على خلفية التعاون الوثيق لإسرائيل مع نيقوسيا على استكشاف احتياطيات الغاز القبرصي.

ووفقاً لتقرير صادر من مجموعة الأزمات الدولية، نقلاً عن تقارير إخبارية محلية، فإن التوترات مستمرة في الارتفاع، في ظل اتهام القبارصة اليونانيين لتركيا بتنفيذ مناورات عسكرية استفزازية بشكل متزايد وباعتماد نهج quot;ديبلوماسية البوارجquot;.

quot;لا يمكننا الاعتماد على أي من جانبي قبرص لإظهار القيادة في هذه المسألةquot;، يقول أوزديل نامي، عضو في البرلمان القبرصي التركي والرئيس السابق للمفاوضات من أجل إعادة التوحيد. ويضيف: quot;نحن في حاجة إلى الولايات المتحدة وروسيا وغيرها لاتخاذ موقف حازم. وإلا فإن هذا الخلاف سيؤدي إلى صراع آخر، لا تحتاجه المنطقة التي تعاني أزمات عدةquot;.

وبما أن الأمر قد يستغرق ما لا يقلّ عن سبع سنوات، ليبدأ حقل أفروديت بتأمين الغاز إلى السوق، يقول بعض المراقبين إن الأطراف المعنية لديها الكثير من الوقت للكشف عن نزاعاتها الكثيرة. لكن العديد من المراقبين يوافقون على أن المصالحة غير محتملة من دون تحقيق تقدم في إعادة توحيد قبرص التي تبدو آفاقها قاتمة.