ترى الحكومة التونسية الموقتة في الصيرفة الاسلامية مورد سيولة تحتاجه بشدة في الظرف الراهن، وتسعى الحكومة إلى المزيد من إدماج المنتجات المالية الإسلامية في المنظومة التقليدية رغم التباين الشديد في وجهات النظر بخصوص هذا القطاع الجديد والوافد.


محمد بن رجب من تونس: تباينت الآراء داخل الأحزاب السياسية حول اعتماد الحكومة على السندات الإسلامية لتغطية ميزانية 2013 بقيمة ألف مليار، بين مرحّب ورافض لذلك، اعتبارًا إلى أنّها تمثل خطرًا على البنوك التقليدية وتحدّ من صلاحياتها.

وأعلن كاتب الدولة للمالية سليم بسباس أن الصكوك الإسلامية ستساهم في تمويل مشروع ميزانية الدولة لعام 2013 بما قيمته مليار دينار تونسي حوالي 666 مليون دولار أميركي.

وكان محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري أكد أنّ تونس ستصدر صكوكًا إسلامية في بداية العام 2013، مبرزًا أنّ ذلك سيتيح إصدار الصكوك الإسلامية من أجل الاستفادة من مليارات الدولارات التي تديرها صناديق الاستثمار الإسلامية في منطقة الخليج.

تحديات اقتصادية واجتماعية

أشار كاتب الدولة للمالية سليم بسباس إلى أنّ تونس في هذه المرحلة الانتقالية من تاريخها تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية دقيقة تجعل من الضروري بناء نموذج جديد ومنوال مبتكر للتنمية قادر على استخدام كل الموارد الإنتاجية المتاحة بكفاءة عالية تساهم في بلورته جميع الأطراف المعنية من أجل تحقيق التنمية الشاملة والمستديمة والعادلة.

أضاف: quot; من هذا المنطلق، برزت الحاجة إلى المزيد منإدماج المنتجات المالية الإسلامية في المنظومة المالية التونسية لتميزها بدرجة عالية من الأخلاقيات تجعل من أهم أولوياتها تحقيق العدالة الاجتماعية والنمو والاستقرار الاقتصاديquot;.

غياب الحوافز والإجراءات القانونية

يرجع ضعف استقطاب التمويلات الإسلامية من قبل الدول العربية والأفريقية باستثناء الدول الخليجية حسب دراسة لوكالة الترقيم quot;موديزquot; إلى غياب حوافز وإجراءات قانونية وتنظيمية لاحتضان هذا الصنف من التمويلات.

كما أنّ اندلاع الأزمة العالمية في أواخر العقد الماضي أفرز واقعًا عالميًا جديدًا قوامه السعي الى استقطاب كل الموارد المتاحة دوليًا، سواء أكان ذلك من قبل حكومات أو مؤسسات عمومية وحتى مؤسسات القطاع الخاص.

ومن هذا المنطلق، فإن العمل على تطوير المالية الإسلامية في تونس وتهيئة كل متطلبات النجاح لذلك يمثل فرصة للنمو والازدهار وتحديًا من استقطاب الموارد على الصعيد العالمي.

تأطير نشاط الصيرفة الإسلامية

لتأطير نشاط الصيرفة الإسلامية، طرحت اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجنة الوطنية لدراسة الأطر التشريعية والترتيبية لممارسة نشاط الصيرفة الإسلامية خيارين رئيسيين، أولهما فصل الصيرفة الإسلامية عن نظيرتها التقليدية وإفرادها بمنظومة تشريعية منفصلة وموازية للإطار القانوني للصيرفة التقليدية، غير أنّ هذا الخيار يتعارض مع مبدأ الترخيص الموحد ويجعل القطاع المصرفي المقيم منقسمًا إلى منظومتين منفصلتين ولا يتيح إمكانية التحول من صنف إلى آخر.

ويتمثل الخيار الثاني في دمج الصيرفة الإسلامية مع نظيرتها التقليدية باعتماد مبدأ حرية مزاولة هذا النشاط عبر التخصص أو عبر فتح نوافذ، وهو ما يضمن للعاملين في القطاع تكافؤ الفرص لإسداء جميع الخدمات و يوفر للصيرفة الإسلامية شبكة واسعة من الفروع للتسويق والتطوير.

وسيلة لتوفير السيولة

يؤكد الخبير في المالية الاسلامية عز الدين مصباح في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ الصكوك الإسلامية تمثل سندًا ومصدرًا للتمويل الذي تلتجئ إليه الحكومة، مشيرًا إلى أنّ البنك المركزي التونسي يعتمد هذه الآلية التي تتمثل في استخدام سندات إسلامية للمساعدة على تمويل الإنفاق العام إلى جانب التخفيض من العجز الذي تشكو منه الموازنة العامة للسنة الجارية 2013.

وأشار إلى أن الاقتصاد التونسي يعيش مرحلة صعبة بعد الثورة التي لها طلبات عديدة من تنمية الجهات الداخلية وتشغيل العاطلين عن العمل وبالتالي هناك تحديات كبيرة تواجهها الحكومة وهو ما يدعوها الى توفير موارد اضافية لتغطية الطلبات وما تتطلبه الخطط التنموية من تمويل الى جانب تسديد الديون وتغطية العجز في موازنة 2013، وهذا ما جعل الحكومة تجد في الصكوك الاسلامية ملاذًا وطريقًا لتوفير السيولة وتشجيع المواطنين على الادخار والاستثمار حيث سيكونون مستعدين لتحمل المخاطر.

تقليص نسبة التضخم

يرى عز الدين مصباح أنه سيتم تسويق الصكوك الإسلامية عبر البنوك وشركات الوساطة المالية في تونس وخارجها وأنها ستعمل على المساهمة في إنعاش الاقتصاد الوطني من خلال الاستفادة من رؤوس الأموال التي تحافظ على أموالها ولا ترغب في استثمارها في المشاريع الربوية في بنوك المنظومة التقليدية، كما تعمل على منح الثقة للادخار والاستثمار وهو ما يعود بالفائدة على السوق المالية والاستثمارية.

ويمكن أن تعمل على التقليص من نسبة التضخم من خلال استقطاب الأموال البعيدة عن منال المنظومة البنكية التقليدية.

وقد نشرت كل من quot;ستاندرد أند بورزquot; وquot;موديزquot; تقريرين أشارا إلى أنه من الممكن أن تتحول الصكوك إلى مصدر رئيسي للتمويل حيث بلغ حجم إصدارات الصكوك 100 مليار دولار خلال شهر سبتمبر الماضي موظفة بصورة أساسية في تمويل مشاريع البنية التحتية وتتوقع مؤسسة quot;ستاندرد أند بورزquot; نسبة نمو سنوية لإصدار الصكوك الإسلامية بنحو 25% خلال الفترة الممتدة ما بين 2012 و 2015 ليتضاعف حجم الإصدارات بحلول العام 2015.

تباين الآراء

تباينت آراء أعضاء اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجنة الوطنية لدراسة الأطر التشريعية والترتيبية لممارسة نشاط الصيرفة الإسلامية بين مؤيد ومعارض، إذ رأى الشقّ الأول أنّ خيار التخصص هو الأنسب لتأمين نجاح الصيرفة الإسلامية على أسس سليمة تحافظ على طبيعتها الخصوصية بما يجعلها في منأى عن مخاطر اهتزاز الثقة في امتثالها لمبادئها الشرعية الأساسية وييسر عملية مراقبتها سواء الشرعية أو التقنية ويجعل نجاحها وتطورها مرتبطًا بهذه الخصوصية لا بالاعتماد على شبكة فروع وحرفاء الصيرفة التقليدية، ناهيك وأن التجارب المقارنة قد أثبتت فشل خيار النوافذ.

بينما يرى الشق الثاني أنّ خيار فسح المجال لجميع مؤسسات القرض بإسداء خدمات الصيرفة الإسلامية بما في ذلك فتح نوافذ من قبل مؤسسات قائمة يستجيب للأهداف الإستراتيجية على مستوى مبدأ التعامل الموحد إزاء طالبي الترخيص وحرية النشاط في سوق الصيرفة دون تجزئة، مع محافظته على إمكانية التخصص دون تمييز وترك آليات السوق تلعب دورها على أنه يمكن التحكم في مخاطر الخلط بإلزام المؤسسات التي تفتح نوافذ بالتقيد بشروط مالية وتنظيمية تؤمن الفصل بين المنظومتين.