القاهرة: يثير فشل الأطراف السياسية في تونس في التوافق حول تسمية رئيس الحكومة الجديدة المخاوف من حدوث مزيد من التعقيدات في المشهد الاقتصادي الذي يعاني بالفعل من مصاعب عديدة، ومن تعميق مشاعر الإحباط لدى المواطنين من عدم قدرة حكومات ما بعد ثورة الياسمين على تحقيق تطلعاتهم في حياة أفضل.ويشعر المواطنون في تونس بقلق عميق إزاء الركود الإقتصادي وتدهور الوضع الأمني والمأزق السياسي الذي لا تبدو له نهاية. ويطالب أبناء تونس بتوفير فرص العمل وتحسين الأوضاع الإقتصادية، كما تقول دراسة نشرتها مجلة (فورين أفيرز) الأمريكية.وأشارت الدراسة إلى تراجع الأداء الإقتصادي في تونس، الذي انعكس على ضعف الإيرادات العامة للدولة، خاصة مع عدم تعافي قطاع السياحة الذي كان يعد احد المصادر الأساسية للدخل القومي، الأمر الذي دفع البلاد إلى اللجوء إلى الإقتراض الخارجي مما يمثل عبئا على الخزانة العامة في ظل تضاؤل إمكانات السداد مع ارتفاع تكلفة القروض.

وأوضحت الدراسة في هذا الصدد أن مؤسستي موديز وستاندارد آند بورز لتقييم الجدارة الإئتمانية خفضتا من تقييمهما للإقتصاد التونسي مؤخرا خاصة قطاع السندات مما يزيد التكلفة التي تتحملها تونس للحصول على تمويل من الأسواق الدولية.كما أشارت الدراسة إلى تزايد lsquo;الفجوة الإقتصادية بين الأقاليم الساحلية والداخل.وفيما يتعلق بالحل الذي تلجأ إليه العديد من الدول لتنشيط الإقتصاد والمتمثل في جذب الإستثمارات الدولية قالت الدراسة إن مناخ الأعمال والإستثمار ليس مشجعا، حيث أدت السياسات التي تبنتها الحكومة التونسية فيما يتعلق بالفرانشايز (افتتاح فروع لشركات اجنبية بادارة محلية) في إثناء الشركات الأجنبية عن القدوم للعمل بالسوق التونسية، إلى جانب عدم صدور تشريع اقتصادي بارز مثل تطوير قوانين الاستثمار والعمل التي تقادمت.وحذرت الدراسة من أن أحد التحديات التي ستواجهها الحكومة التونسية هو أن عدد خريجي الجامعات يتجاوز فرص التشغيل المتاحة، حيث يتخرج سنويا 70 ألف جامعي ليتنافسوا على 30 ألف وظيفة، الأمر الذي يؤدي إلى تراكم مشاعر الإحباط بين الخريجين الذين بلغت نسبة البطالة بينهم إلى 33prime; وفقا لتقديرات المعهد الوطني للإحصاء.
البنك الدولي أيضا حذر من تباطؤ معدلات الإنتعاش الإقتصادي في تونس عام 2013 بسبب المخاوف الأمنية وضعف الأداء الإقتصادي في دول الإتحاد الأوروبي وليبيا، التي تعد شريكا تجاريا واستثماريا مهما لتونس.وقال تقرير للبنك إنه من المتوقع أن يصل معدل نمو إجمالي الناتج المحلي خلال عام 2013 إلى ما نسبتهrsquo; 3.2rdquo; lsquo;مقابل 3.6prime; في العام الماضي. كما زادت معدلات التضخم نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية ليصل إلى ما نسبته 6prime;، وظلت هذه النسبة ثابتة بسبب التزام البنك المركزي التونسي بسياسة نقدية أكثر صرامة.وأوضح التقرير أن الحكومة اضطرت إلى رفع أسعار الوقود المحلي في سبتمبر/أيلول 2012 ثم في مارس/آذار 2013 للحد من التأثير السلبي المتزايد لأسعار البترول العالمية على الدعم، وعلى الرغم من عدم توقع زيادة أخرى في أسعار الوقود على المدى القصير لاعتبارات سياسية.وتحتاج الحكومة إلى إجراءات قصيرة المدى لاحتواء عجز الموازنة، ومن المتوقع أن يصل هذا العجز إلى ما نسبته 7.2 lsquo; من إجمالي الناتج المحلي مقابل 5.1prime; العام الماضي.
وبسبب الزيادة في الإنفاق العام، بالإضافة إلى زيادة أسعار السلع وتراجع الصادرات الصناعية، تواصلت الضغوط على المعاملات الخارجية، مما سيبقي العجز في الحساب الجاري عاليا بما يقدر بنحو 8.1prime; من إجمالي الناتج المحلي.وبحسب الدراسة فان الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتدفقات المالية الخارجية الأخرى لن تكون كافية لمنع استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي التي يجب أن توازي ثلاثة أشهر من الواردات بنهاية العام، ما يجعل من الملح جدا القيام بالتعديلات الهيكلية الضرورية عام 2014 لمواجهة تزايد الضغوط على ميزان المعاملات الخارجية.rsquo;وتظل مشكلة الديون قيدا حديديا يكبل تحركات الإقتصاد التونسي، فالدين العام ومعظمه خارجي أصبح لافتا للأنظار مؤخرا بسبب حجمه الكبير، مع التشكك في القدرة الواقعية لتونس على سداده بسبب سياسة الإقتراض غير الرشيدة خاصة خلال العامين الأخيرين، مع الفشل في اجتذاب الإستثمارات الأجنبية مما عرقل عودة الاقتصاد المحلي إلى مساره.وأشارت البيانات التي أصدرها البنك المركزي التونسي إلى أن ديون تونس الخارجية بلغتrsquo;19.5 مليار دولار في نهاية عام 2012. ويشمل هذا الدين القروض التي منحها صندوق النقد الدولي وبنك التنمية الإسلامي. وبالتالي تجاوزت الديون الخارجية القواعد المتعارفعليها لديون الدول التي قي مرتبة تونس من التطور الاقتصادي والتي تفترض ان لا تتجاوز 37prime; من إجمالي الدخل المحلي.
ولأن هذه الديون مقومة أساسا بالدولار واليورو فهي تشكل مخاطر بسبب تراجع قيمة الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية. والمشكلة الأخرى في هذا الخصوص أن الاتجاه أصبح يتمثل في الإقتراض من أجل الإستهلاك وليس لتدوير القروض في مشروعات استثمارية يكون لها عائد يمكن من خلاله زيادة القدرة على السداد، الأمر الذي يشكل عبئا على الأجيال القادمة التي سيتعين عليها سداد هذه الديون التي يمكن أن تدخلها في حلقة مفرغة.ومن ناحية أخرى لم يعد للقروض منافع مستقبلية مثل استخدامها في تطوير البنية التحتية، وإنما صارت تنفق في سد العجز التجاري ورفع احتياطيات النقد الأجنبي بشكل مصطنع وزيادة المرتبات ودعم السلع الأساسية وهي بنود ليس لها عائد اقتصادي.وسيكون أمام الحكومة الجديدة أيا كانت توجهاتها السياسية وسواء كانت حكومة وحدة وطنية أو تكنوقراط تحديات بالغة على الصعيد الإقتصادي يجب تجاوزها اعتمادا على برامج داخلية، بعيدا عن مؤسسات التمويل الدولية من أجل تجاوز المصاعب الراهنة وتحقيق استحقاقات المستقبل للمواطن البسيط.