بعد الأزمة المالية العالمية، تبدو منطقة اليورو تستعيد قوتها الاقتصادية. فالميزانيات تتوازن والنمو يعود، كما انحسرت موجة الأسئلة حول احتمال ترك بعض الدول للاتحاد النقدي.

بالرغم من نظرة إيجابية للعملة الأوروبية الموحدة على المدى القصير، إلا أن منطقة اليورو لم تحل القضايا التي تلقي بظلالها القاتمة على مستقبلها، باعتبارها كتلة اقتصادية قوية وموحدة. ويمكن القول إن منطقة اليورو تفادت رصاصة قاتلة في تموز (يوليو) 2012، عندما تعهد رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، بالقيام بكل ما يلزم للحفاظ على اليورو.
الثقة موجودة
وهذا التعهد لا يعني فقط أن البنك سيبقي أسعار الفائدة قصيرة الأجل منخفضة، بل سيعمل أيضاً على تعزيز الموارد المالية للبلدان الأعضاء، عن طريق شراء سنداتها، وبالتالي تقليل الفائدة التي تدفع على ديونها.
والأسواق انتعشت بعد تعهد دراغي، فعادت الثقة باليورو. وفي الوقت نفسه، بدأت إسبانيا تنظيف بنوكها، وشنت عملية إصلاح في القطاع العام، في حين نجت البرتغال من أسوأ برامج تقشف، وأصبحت ايرلندا الطفل المدلل للتحول الضريبي والمالي. كما أظهرت إيطاليا علامات الخروج من الركود لمدة عامين، شريطة أن تتمكن من تحقيق قدر من الاستقرار السياسي.
سياسة غير ملائمة
لكن القصة مختلفة على المدى المتوسط، إذ أن ارتفاع معدل البطالة في منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي أدى إلى أضرار كبيرة قد تستغرق سنوات عديدة لإصلاحها. ويشار إلى أن قوة العمل في دولة ما لا تستعيد عافيتها عندما يعود النمو الاقتصادي.
والناس الذين كانوا عاطلين عن العمل لسنوات قد يضطرون للبحث عن عمل مرة أخرى. فعودة النمو قد تكون مصحوبة بمطالب بزيادة الأجور بين العاملين، وتضييق نطاق التوظيف الجديدة. وحتى لو تمكنت منطقة اليورو من اجتياز المرحلة السابقة، فليس هناك ما يضمن أن المشاكل التي حدثت في السنوات القليلة الماضية لن تتكرر، وذلك لأن المشكلة الأساسية مع اليورو لم يتم حلها: سياسة نقدية واحدة لا تزال غير ملائمة لجميع البلدان التي تستخدم العملة... ولن تكون كذلك أبداً.
يعود ذلك إلى أن الدورات الاقتصادية للأعضاء فشلت في التزامن والتناغم. على الرغم من انخفاض التباين في معدلات النمو بين أعضاء منطقة اليورو في العقد الماضي، إلا أنه عاد إلى مستويات ما قبل اليورو منذ الأزمة المالية العالمية.
تناغم مستحيل
البلدان التي تستخدم اليورو عاجزة عن خفض قيمة عملاتها من جانب واحد، في محاولة لجذب الاستثمارات وزيادة الصادرات. ونتيجة لذلك، فإن العودة إلى النمو وخلق فرص العمل سيستغرق وقتًا أطول. ما يجعل الأمور أكثر سوءًا، هو أن قواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة - المصممة في جزء لحماية اليورو - سوف تجعل من الصعب على الدول تحفيز اقتصاداتها مع الإنفاق الحكومي. للأسف، هذا يعني أن توقعات التزامن والتناغم طويلة الأجل لمنطقة اليورو ليست مشرقة على الإطلاق.
تتباهى بعض دول منطقة اليورو بالمبادرة للأعمال التجارية والابتكار، في حين تستمر دول أخرى بالصراع مع البيروقراطية والفساد. بعض سكان الدول صغار السن نسبيًا، فيما تشهد الأخرى شيخوخة سريعة وتئن تحت وطأة الاقتراض والمعاشات التقاعدية.
نظرًا لهذه الأسس، فإن اقتصادات دول منطقة اليورو لا يمكن أن تتناغم بشكل سحري، فقط لمجرد أنها تشترك في عملة موحدة.
الأزمات الأخيرة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي لها أسباب متنوعة، من إخفاقات البنوك إلى العجز عن جمع الضرائب. كل هذه الأزمات كانت بمثابة جرس انذار متأخر ينبه إلى أن هذا النظام فاشل منذ البداية وإصلاحه يحتاج الكثير والكثير من الوقت والجهد.