باريس: أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن قرب التوصل خلال الأسابيع المقبلة إلى ميثاق مع فعاليات السوق العقارية السكنية، يتضمن مجموعة من الإجراءات الضريبية والقانونية بهدف التمكن من بناء 500 ألف وحدة سكنية سنويًا، في إطار تشجيع شراء العقارات السكنية كاستثمارات للتأجير.

يأتي ذلك تماشيًا مع الالتزامات هولاند التي أطلقها خلال حملته الانتخابية في معركة رئاسة الجمهورية، حيث وعد بتشييد 2.5 مليون مسكن خلال سنوات ولايته الخمس.

كما وعد هولاند بتبسيط وتسهيل الإجراءات المتعلقة بتشييد العقارات السكنية، وخاصة تلك المعلنة بالحدّ من الإجراءات القانونية المبالغ فيها، ويشكون منها المقاولون العقاريون، كما وعد بدراسة إمكانية عدم رفع الضريبة المضافة إلى 10 في المائة على المساكن الشعبية.

وقال هولاند: ''نحن في حاجة إلى الاستثمارات الخاصة. إلى الصناديق الخاصة. إلى توجيه أفضل لحسابات التوفير التي يملكها الفرنسيون لتوجيهها نحو السوق العقارية، وخاصة صناديق التأمين على الحياة''، مضيفًا أن ''هدفنا بناء 500 ألف شقة سنويًا لكي تصل إلى 2.5 مليون شقة في العام 2017quot;.

واتخذت الحكومة الفرنسية في وقت سابق إجراءات عدة لتشجيع وتسريع بناء العقارات السكنية قبل رفع سقف قيمة حسابات التوفير أو تقديم الدولة عقارات الأراضي للبلديات لتسهل بناء المساكن الشعبية أو العقارات السكنية بتكلفة أقل للسماح للفرنسيين من أصحاب الدخول المتواضعة بامتلاك مساكنهم، ولتشجيع المستثمرين في العقار على شراء العقارات بهدف تأجيرها بما يعرف بالإيجار الاجتماعي، وفقاً لصحيفة quot;الاقتصاديةquot;.

لكن هذه الإجراءات لا تلاقي استحسانًا كبيرًا لدى المستثمرين، لأن مردودها أقل بكثير من مردود القوانين والتسهيلات، التي كان معمولاً بها قبل وصول فرانسوا هولاند إلى رئاسة الجمهورية.

ففي إطار الإعفاءات الضريبية، التي يتمتع بها المستثمرون العقاريون في الإيجارات الاجتماعية، كان القانون السابق يسمح لمالك العقار من تحقيق إعفاءات ضريبية تصل إلى 30 في المائة من قيمة العقار، إذا ما أجّره بأقل من 10 في المائة من قيمة الإيجارات المتداولة في السوق، بينما القانون الجديد ينص على أن تبلغ الإعفاءات الضريبية كحد أقصى 18 في المائة من قيمة العقار، إذا ما أجّره صاحبه بأقل من 20 في المائة من قيمة الإيجار المطروحة في السوق.

جاء تأكيد هولاند على الالتزام ببناء 2.5 مليون مسكن شعبي وطلابي في الوقت الذي صدر فيه تقرير جمعية الأب بيار الخيرية حول الأحوال السكنية للفرنسيين، وأشار إلى أن عشرة ملايين شخص يتأثرون بأزمة السكن في البلاد، وإلى وجود 3.6 ملايين شخص يسكنون في منازل غير لائقة.

كما إن هناك 685 ألف شخص ليس لديهم سكن شخصي، بينهم 133 ألف شخص ليس لديهم عنوان ثابت، وهذه العبارة تقصد المتشردين الذين يعيشون في شوارع المدن الفرنسية.

في هذا المجال يؤكد الدكتور ميشال موييار أستاذ الاقتصاد في جامعة باريس والمختص في القطاع العقاري أن تراجع المبيعات العقارية في فرنسا يعود بشكل أساسي إلى الأزمة الاقتصادية.

ويشكل كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي علامة فارقة سوداء في سوق العقارات السكنية الجديدة، فقد تراجعت عملية بناء المنازل والشقق الجديدة خلاله 30 في المائة مقارنة بالشهر عينه من عام 2011، وأدى هذا التراجع إلى انخفاض نسبة بناء العقارات الجديدة خلال عام 2012 إلى 20 في المائة.

وستتواصل عملية التراجع في العام الجاري، لأن رخص بناء العقارات السكنية الجديدة تراجعت 8 في المائة الماضي، علمًا أن التراجع في رخص البناء قد بلغ 24 في المائة في الفصل الأخير منه بالمقارنة بعام 2011 وللفترة نفسها. والمفارقة الكبيرة أن رخص البناء في باريس وضواحيها قد زادت بنسبة 24 في المائة.

ويؤكد موييار أن تراجع مبيعات الشقق العقارية الجديدة جزء منه نابع من تراجع إقدام المستثمرين على شراء الشقق لتأجيرها، ومن إلغاء الحكومة لقروض العقارية بفائدة صفر في المائة لأصحاب المداخيل المتواضعة، ويشير إلى أن تراجع بناء العقارات السكنية الجديدة سيتواصل هذا العام، لأنه لم يتم احترام تعهدات رئيس الجمهورية المتعلقة بحل أزمة السكن.

كما يتوقع موييار أن تبلغ نسبة تراجع بناء العقارات الجديدة 6.6 في المائة في العام الجاري. من ناحيته يشير فرانسوا باييه رئيس اتحاد المقاولين العقاريين إلى أن عام 2012 يشكل منعطفًا في السوق العقارية الفرنسية.

ويعرب عن اعتقاده أن العقارات الجديدة المباعة خلال العام الحالي لن تتخطى 70 ألف، لأن الأرقام الرسمية ستعلن في منتصف الشهر الجاري، أي إن المبيعات هذا العام قد سجلت تراجعًا بنسبة 33 في المائة، وأنها ستواصل هذا العام، فالمؤشرات الأولى منذ بدايته تؤكد أن هذا التراجع بالمقارنة مع شهر كانون الثاني (ديسمبر) 2012 تتراوح بين 25 و30 في المائة.

ويقول بابيه إنه من السابق لأوانه الحكم على ما ستكون عليه السوق العقارية في العام الجاري، وما إذا كانت التدابير التي أعلنت عنها سيسيل دونلو لتشجيع السوق العقارية ستؤتي ثمارها من ناحية، وما إذا كانت الأهداف التي أعلن عنها رئيس الجمهورية ستتحقق.

أكثر ما يقلق رئيس اتحاد المقاولين الفرنسيين هو غياب الفئة الأكثر تواضعًا عن السوق العقارية، والتي استبعدها إلغاء الحكومة القروض العقارية بفائدة صفر في المائة، فهذه الفئة أ تلعب دورًا أساسيًا في تحريك السوق العقارية.

وإذا كانت الفوائد على القروض العقارية قد انخفضت إلى أدنى مستوى تاريخي لها في فرنسا، إلا أن شروط الحصول على القروض قد أصبحت أكثر صعوبة، خاصة بالنسبة إلى الفقراء من الفرنسيين، لأن المصارف باتت تطالب الراغبين في الحصول على القروض لشراء مساكنهم أن تكون لديهم دفعة أولى مهمة.

ويعتبر باييه أن تحريك السوق العقارية اليوم يمر بإعادة العمل بالقروض بفائدة صفر في المائة. ويشير تقرير أعدته مؤسسة إستيريس حول تطور السوق العقارية في الأسبوع الماضي إلى صعوبة توقع ما ستكون عليه أسعار العقارات في المستقبل على المدى القريب والمتوسط والبعيد. ولكن ''استيرس'' تستبعد أن تواصل الأسعار اعترافها على الأقل كما شهدته السنوات الماضية، ففي عقد من الزمن تضامنت أسعار العقارات مرتين وحتى ثلاث مرات، وإذا ما ارتفعت الأسعار فإنها ستكون بالتوازي مع معدل ارتفاع الرواتب في البلاد.