تونس: أقر محافظ البنك المركزي التونسي، الشاذلي العياري، بإختناق إقتصاد بلاده بسبب إستمرار الصعوبات والتحديات المتنوعة والمُعقدة التي يواجهها، واعتبر أن صيحات الفزع والتحذيرات التي أطلقتها الأوساط السياسية والإقتصادية مقبولة ومفهومة في جزء منها، بالنظر إلى تراجع أبرز المؤشرات الإقتصادية.rsquo;ولكنه شدد في حديث ليونايتدبرس أنترناشونال على أن قسما من تلك التحذيرات تضمن مبالغات غير مبررة، وخاصة منها تلك التي تروج لـrsquo;إنهيار مالي وإقتصادي وشيك لتونسprime;، ووصفها بأنها lsquo;تهريج ناتج عن هواجس متشائمة لأشخاص تنقصهم المعلومة المالية الدقيقةrsquo;.وقال lsquo;لن أكذب وأقول إن الوضع الإقتصادي والمالي لتونس جيد وعال العال، هذا أمرغير صحيح، وغير دقيق، ونحن في البنك المركزي نعترف بأن الوضع الإقتصادي في البلاد حرج ومتعثر، بل صعب على أكثر من صعيدrsquo;.
- آخر تحديث :
محافظ المركزي التونسي: الاقتصاد يواجه إختناقات ولكن ....
وأضاف أن الصعوبات التي يواجهها الإقتصاد التونسي كثيرة ومتنوعة، تبدأ بتراجع حركة الإنتاج، وإستقطاب الإستثمارات الداخلية والأجنبية، وتراجع تمويل المشاريع التنموية وإرتفاع نسبة التضخم، وتزايد العجز التجاري، وغيرها من المؤشرات الأخرى، ولكنها تبقى صعوبات lsquo;ظرفية ولا يمكن القول إننا وصلنا إلى حافة الكارثةrsquo;.
غير أن أحزاب المعارضة التونسية لا تتردد في وصف الوضع الإقتصادي الراهن بـrsquo;الكارثيrsquo;، فيما ذهب بعض الخبراء الإقتصاديين إلى حد توقع إنهيار مالي وإقتصادي وشيك للدولة التونسية، ضمن إطار عملية lsquo;إفلاس على الطريقة اليونانيةrsquo;.وترافقت هذه التوقعات مع تزايد الأصوات التي تعالت خلال الأيام القليلة الماضية لتُحذر من أن إستفحال الأزمة الإقتصادية والمالية في البلاد، lsquo;ستجعل الحكومة الحالية برئاسة علي لعريض القيادي بحركة النهضة الإسلامية غير قادرة على صرف رواتب الموظفين خلال الفترة المقبلةrsquo;.
ولم تُفلح تصريحات وزير المالية التونسية إلياس الفخفاخ التي وصف فيها تلك التقديرات بأنها lsquo;غير موضوعية وتدخل في باب التجاذبات السياسية ومحاولة إرباك عمل الحكومةrsquo;، في تبديد مخاوف رجل الشارع الذي مازال ينتظر نهاية الشهر بفارغ صبر ليتسلم راتبه.rsquo;وبحسب محافظ البنك المركزي التونسي، فإن مثل هذه التصريحات والمواقف التي تشير إلى lsquo;إفلاس الدولة، أو عدم قدرتها على صرف رواتب الموظفين، هي غير مسؤولة وصادرة عن أشخاص لا خلفية إقتصادية ومالية لهم،وعبارة عن تهريج لا أكثر ولا غيرrsquo;.وقال إن الحديث عن الإفلاس lsquo;تحول إلى ما يشبه الهاجس لدى بعض الأشخاص الذين ليس لهم إطلاع على حقيقة المالية التونسيةrsquo;. ولكنه اعترف في المقابل بوجود مشاكل وصعوبات مالية، وقال lsquo;صحيح ان المالية التونسية تعاني الآن من بعض الصعوبات المتعلقة بالسيولة، ولكنها تبقى مع ذلك بعيدة كل البعد عن الإفلاسprime;.
وأكد الشاذلي العياري أن الدولة التونسية lsquo;قادرة الآن وفي المستقبل المنظور، على الوفاء بكل عهودها وإلتزامتها سواء أكانت دفع رواتب الموظفين، أو تسديد بعض الديون الخارجية إذا ما حان آجلها، لأنه لدينا اليوم ما يكفي لمواجهة أية متطلبات مرتبطة بالمديونية الخارجيةrsquo;.وتابع بلغة الواثق إنrsquo;عدم وفاء تونس بإلتزامتها المالية الداخلية والخارجية غير وارد إطلاقاrsquo;، لافتا في نفس الوقت إلى أن تونس lsquo;لا تُعاني في الوقت الحاضر من شح في النقد الأجنبي، حيث تشير الأرقام إلى أن إحتياطي البلاد من النقد الأجنبي بات يغطي حاليا 109 أيام من الواردات التونسية، مسجلا بذلك إرتفاعا ملحوظاrsquo;.وأضاف أن lsquo;ذلك كله لا يعني أننا لا نعاني من ضيق مالي، ونقص في السيولة.. نحن نعترف بذلك، وهذا مظهر من مظاهر الأزمة التي تعيشها البلادrsquo;.
وتؤكد بعض الأوساط الإقتصادية والسياسية التونسية على أن الوضع الإقتصادي في البلاد وصل إلى مرحلة حرجة للغاية وباتت تنذر بمخاطر متعددة، خاصة وأن غالبية المؤشرات الإقتصادية سجلت تراجعا ملحوظا خلال الأشهر الستة الماضية من العام الجاري.وتشير آخر الأرقام الرسمية إلى أن حجم الإستثمارات الأجنبية في تونس بلغ خلال النصف الأول من العام الجاري 939 مليون دينار (567.8 مليون دولار)، مقابل 951 مليون دينار خلال الفترة نفسها من السنة الماضية.وسجلت تلك الإستثمارات أيضا تراجعا بنسبة 13.9prime; مقارنة بسنة 2010 أي قبل اندلاع الثورة، بينما وصلت نسبة التضخم إلى حدود 6prime;، في حين تتراوح نسبة المديونية الخارجية بين 47 و48prime; من إجمالي الناتج الداخلي الخام.rsquo;وبالتوازي مع ذلك تدهورت قيمة الدينار التونسي أمام اليورو والدولار إلى أدنى مستوى له خلال شهر يوليو/تموز الماضي، بينما واصل العجز التجاري للبلاد تفاقمه ليصل حجمه خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري إلى 5.553 مليار دينار (3.514 مليار دولار)، مقابل 5.468 مليار دينار (3.460 مليار دولار) خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
وعزا الشاذلي العياري أسباب هذه الأزمة الإقتصادية، إلى تردي الوضع السياسي والأمني في البلاد. وقال إنه lsquo;طالما بقي هذا الوضع على حاله من التردي والتعفن، فإن كل النشاط الإقتصادي لن يأتي بثماره، وبالتالي يتعين على الجميع إدراك حجم المخاطر، والتوجه بإرادة قوية لتسوية الملفات السياسية العالقة، وتبديد الضبابية التي تُخيم على المشهد السياسي، والقضاء على الإنفلات الأمني بما يعيد الثقة للمستثمر المحلي والأجنبي للإستثمار في البلادrsquo;.وشدد في هذا السياق على ضرورة وجود lsquo;حكومة قوية قادرة على إتخاذ القرارات وإنفاذها، ذلك أن أي حكومة هشة لن تُفلح في توجيه رسائل طمأنة إلى الداخل والخارجrsquo;، رافضا في هذا الإطار ضمنيا فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية التي تنادي بها حركة النهضة الإسلامية.وقال lsquo;هذا أمر غير مقبول، يوجد الآن في البلاد أكثر من 150 حزباً فهل يعني ذلك تشكيل حكومة بـ150 وزيرا؟، وإذا واجهت الحكومة مسألة تستدعي إتخاذ قرارات جريئة وفورية.. هل يعني ذلك الإنتظار حتى يتم التوافق عليها؟،.. لا بد إذن من فهم طبيعة الرهانات، وإدراك أن الربط بين السياسي والإقتصادي أصبح عضويا أكثر من أي وقت مضىrsquo;.وختم محافظ البنك المركزي التونسي حديثه بالقول، إن lsquo;الوقت لا يرحم، ويتعين على السياسيين أن يدركوا أن مفتاح الخروج من الأزمة الراهنة هو الوئام السياسي، وأن قدرة تونس على التعافي الإقتصادي كبيرة إذا ما توفر الأمن والإستقرارrsquo;.
التعليقات