لم يستطع مجلس الوزراء العراقي التصديق على موازنة البلاد العامة لعام 2015، وفشل بوعده في إرسالها إلى البرلمان مساء أمس لمناقشتها وإقرارها، وأعلن أنها بحاجة إلى إعادة نظر، حيث شكل لذلك لجنة وزارية لإجراء مراجعة لها في مواجهة تأخير سيستمر لأكثر من شهر، حيث إن البرلمان سيبدأ غدًا عطلته التشريعية، وبذلك يكون العراق بلا موازنتين للعامين الحالي والمقبل.


أسامة مهدي: في ختام اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء العراقي برئاسة رئيسه حيدر العبادي، لم يستطع المجلس التصديق على مشروع الموازنة العامة للبلاد لعام 2015 وإرسالها إلى البرلمان لمناقشة بنودها وإقرارها، كما وعد الخميس الماضي.

وقال المجلس في بيان صحافي إطلعت "إيلاف" على نصه، أصدره في ختام اجتماعه، إنه "في ضوء الانخفاض الحاد الذي حصل في أسعار النفط خلال الأيام القليلة الماضية وما يسببه من ارتفاع خطير في معدلات العجز، فقد تقرر تشكيل لجنة وزارية، تتولى إجراء مراجعة شاملة للنفقات العامة للدولة، للخروج بتوصيات تقدم خلال أسبوع لمعالجة وخفض العجز المتوقع في الموازنة"، والبالغ 50 مليار دولار، الأمر الذي سيعني تأجيل إرسالها أسبوعًا إلى البرلمان، الذي يبدأ غدًا عطلته التشريعية، التي تستمر شهرًا.

وقائية لا تدخلية
وقبيل انعقاد اجتماع الحكومة، دعا رئيسها العبادي البنك المركزي العراقي إلى "ممارسة الرقابة على تحويل الأموال إلى الخارج لمنع غسيلها".. وأكد أن الرقابة "مهمة جدًا لإيقاف الفساد والإرهاب والجريمة المنظمة التي تعتمد على غسيل الأموال".

وأضاف في كلمة له خلال المؤتمر المصرفي العراقي الثاني في بغداد أن "على البنك المركزي العراقي أن يمارس الرقابة على تحويل الأموال إلى الخارج لمنع غسيلها".. مؤكدًا أن "الرقابة مهمة جدًا، ليس فقط لأن العالم يطلب ذلك، بل مهم جدًا لإيقاف الفساد والإرهاب والجريمة المنظمة التي تعتمد على غسيل الأموال". وشدد على أن "الرقابة يجب أن تكون رقابة وقائية، وليست تدخلية".&

من جهته، فقد أكد مقرر مجلس النواب نيازي معمار أوغلو أنه لا يوجد أي أمل بإرسال مجلس الوزراء الموازنة المالية الآن إلى البرلمان، الذي سيأخذ عطلته التشريعية لمدة شهر، في حال عدم تسلمه الموازنة حتى منتصف الليلة، وهو أمر لن يتم بعد تشكيل لجنة وزارية، حُدد لها أسبوع لإنجاز الموازنة، حيث كان المجلس سيمدد فصله التشريعي لإنجازها.

وتبلغ قيمة الموازنة العامة للعراق للعام المقبل، والمقترحة من وزارة المالية، حوالى 100 مليار دولار، منها 23 مليار دولار خصصت إلى الأمن والدفاع، مع عجز مقداره 50 مليار دولار، ينتظر أن يسد من خلال زيادة الإنتاج النفطي.

وخلال اجتماع استثنائي له، ناقش مجلس الوزراء مساء الخميس الموازنة العامة، حيث عرض إجمالي الفرضيات التي اعتمدتها وزارة المالية في صياغة بنود الموازنة في جانبي الإيرادات والنفقات بشقيها الاستثماري والتشغيلي، قدّمه هوشيار زيباري وزير المالية. كما بحث المبادئ العامة التي يقوم عليها بناء الموازنة، لاسيما في إطار تأمين علاقة شفافة مع حكومة إقليم كردستان والحكومات المحلية "تقوم على أساس إدراك واقعي لمعطيات الوضع المالي والأمني، وتسعى إلى معالجة المشاكل المطروحة طيلة السنوات الماضية"، بحسب قول المجلس.

وقد أكد العبادي على أهمية إجراء التدقيق المطلوب على تفاصيل الموازنة على مستوى الوزارات والمحافظات للتأكد من سلامة التخصيصات. وأشار إلى أن المعطيات العامة الواردة في العرض الذي قدّمته وزارة المالية تكشف أهمية حث الوزارات على تعظيم إيراداتها، كي لا تنعكس آثار أسعار النفط المنخفضة على الوضع المعيشي للمواطن العراقي، مع الحرص على إدامة زخم رعاية الفقراء والفئات الضعيفة ضمن زيادة كفاءة شبكة الحماية الاجتماعية.

الموازنة العامة: 100 مليار دولار بعجز 50 ملياراً
وعلمت "إيلاف" أن الموازنة العامة للعراق، التي ستعيد دراستها لجنة وزارية، تبلغ قيمتها 100 مليار دولار، قائمة على أساس سعر 70 دولارًا لبرميل النفط الواحد، لكن هذا السعر سيخفض إلى 64 دولارًا أو أقل.

وتقلّ قيمة موازنة العام المقبل 2015 بحوالى 50 مليار دولار عن موازنة العام الحالي 2014، التي لم تقرّ لحد الآن، رغم أن العام يوشك على الانتهاء، وذلك بسبب الخلافات على بنودها بين الحكومة والبرلمان السابقين. وتخصص الموازنة العامة المقترحة للعام المقبل، والبالغة 100 مليار دولار، نسبة 23 بالمائة من قيمتها، بمبلغ يصل إلى 23 مليار دولار إلى شؤون الأمن والدفاع.

يذكر أن العراق أنفق 7.9 مليارات دولار على الدفاع في عام 2013. كما قدمت الولايات المتحدة أموالًا ومعدات للعراق منذ انسحاب آخر قواتها منه بنهاية عام 2011. وتعاني موازنة 2015 عجزًا تبلغ قيمته حوالى 38 مليار دولار، الأمر الذي ينتظر أن تتمكن الحكومة من سده من خلال زيادة إنتاج وتصدير النفط في حال عدم ارتفاع أسعاره من أجل تقليل الفرق بين السعرين وزيادة الإيرادات، كما يقول مسؤولون عراقيون. ويتوجه العراق إلى زيادة إنتاجه النفطي من أجل سد العجز هذا في الموازنة من 2.750 مليون برميل يوميًا إلى 3.8 ملايين برميل من النفط يوميًا، كما أشار وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي.

وكانت اللجنة المالية البرلمانية توقعت أخيرًا تقليص الموازنة العامة بواقع 59 تريليون دينار (50 مليار دولار)، ودعت الحكومة إلى التقشف وتقليل نفقاتها غير الضرورية، في حين اقترح خبراء اقتصاديون تقليل رواتب الطبقات العليا في الدولة وتنشيط القطاع الخاص، ليتمكن من إيجاد فرص عمل جديدة لاستيعاب العاطلين بدلًا من الاعتماد الكامل على الدولة في هذا المجال، وتوقعوا أن يتم تخفيض عدد الدرجات الوظيفية، مطالبين بضرورة إيجاد بديل لاستيعاب العاطلين من خلال تأمين فرص عمل جديدة من خلال القطاع الخاص.

وكان العبادي، كشف في العشرين من الشهر الحالي خلال مؤتمر صحافي عن أن حكومته ستعد موازنة، يتقدم فيها الإنفاق العسكري كأمر واقع، مبينًا أن موازنة 2015 ستستند إلى موازنة عام 2014 الحالي، بسبب وجود المشاكل نفسها، المتمثلة في نفط كركوك، وتوقفه بالكامل، فضلًا عن انخفاض الأسعار العالمية للنفط والتوقعات بشأن انخفاضها أكثر، لهذا فإن مجلس الوزراء قد قرر اتباع سياسات تقشفية.
&