أنهكت المعارك الدائرة أخيرًا بين الحكومة التركية ومقاتلي حزب العمال الكردستاني، الاقتصاد التركي المتعب أصلًا والمتأثر بتداعيات الإقليم المشتعل، سواء في سوريا أو في العراق، حتى إن مدينة دياربكر التي صارت منذ 3 سنوات محجًا سياحيًا مهمًا بعد مصالحة بين الطرفين عادت لتتحول ساحة حرب هجرها سيّاحها على وقع الصواريخ.


إيلاف - متابعة: قبل أشهر فقط، كان خان حسن باشا في دياربكر يغصّ بالزوار، لكنه اليوم مقفر، ليعكس التأثير الكارثي لاستئناف النزاع الكردي على الاقتصاد في كل جنوب شرق تركيا.

قال احمد اونين، الذي يملك محلاً تجاريًا لبيع القطع التذكارية والملابس التقليدية الكردية في هذا المبنى العثماني، الذي بني في القرن السادس عشر، إن "استئناف (المعارك) وجّه إلينا ضربة قاسية". واضاف أن "رقم اعمالنا تراجع بنسبة حوالى ثمانين بالمئة عمّا كان عليه في العام الماضي"، مؤكدًا "هنا قلب السياحة، ولم يعد يخفق".

تبخر السياح
وفي الواقع، اختفى السياح من وسط دياربكر، الذي خلا ايضا من سكان المدينة، البالغ عددهم 500 الف نسمة، ويتجولون هناك خصوصا في الليل. وتعيش المدينة من جديد منذ ثلاثة اشهر على وقع المعارك الطاحنة التي تدور بين قوات الامن وحزب العمال الكردستاني.

وبعد حرب دامت ثلاثين سنة، استعادت دياربكر بعض الامل منذ بدء محادثات السلام بين الحكومة والمتمردين الاكراد في 2012. وبدأت اوساط الاعمال فيها تحلم حتى باللحاق بركب اقتصاد باقي البلاد. لكن هذا الطموح تبخر في تموز/يوليو مع استئناف المعارك، واعاد المدينة وكل المنطقة الى كابوس "سنوات الرصاص" في تسعينات القرن الماضي.

وقال الصائغ اوموت باشي (24 عاماً) ان "الناس خائفون". واضاف ان "الزبائن يتصلون بنا، قبل ان يأتوا للتسوق، ليعرفوا ما اذا كانت هناك حوادث". ويقع محله التجاري بالقرب من مركز الشرطة، الذي تعرض لهجوم بالصواريخ من قبل مقاتلي حزب العمال الكردستاني. وتابع هذا التاجر "منذ سنتين كنا نعمل بشكل جيد، والناس يتجولون في الشوارع". واضاف "اليوم لم يعد احد يخرج من بيته".

وعلى بعد مئة متر في حي سوريتشي، في اسفل تحصينات المدينة، التي بنيت منذ مئات الاعوام، اقام ناشطون آخرون حواجز، وحفروا خنادق لمنع قوات الامن من دخولها. وتشهد المنطقة مواجهات باستمرار.

ميزان الأمن
وقال شاه اسماعيل بدرخان اوغلو، رئيس جمعية رجال اعمال جنوب شرق تركيا، التي تتمتع بنفوذ كبير، ان اكثر القطاعات تضرراً هو السياحة، موضحًا أن إشغال الفندق الذي يملكه شخصيًا انخفض الى اقل من النصف. واضاف "عند وقوع اول انفجار يلغي الناس رحلاتهم".

ومثل كثيرين غيره، يشعر بدرخان اوغلو بالاسف لتوقف عملية السلام التي بدأتها في خريف 2012 حكومة انقرة الاسلامية المحافظة مع متمردي حزب العمال الكردستاني. وقال "منذ تلك اللحظة وصل المستثمرون المحليون والاجانب". واضاف "عشنا فورة حقيقية". واليوم اصبح ذلك ذكرى. وقال رئيس الجمعية نفسها بأسف "عندما لا نعرف ما سيكون عليه المستقبل لا نقوم بشراء مصنع او مبنى أو منزل".

وتفيد ارقام غير رسمية ان نسبة البطالة، التي تبلغ رسميًا حوالى عشرة بالمئة على المستوى الوطني، ارتفعت الى 20 بالمئة على الاقل من قوة العمل في جنوب شرق تركيا.
واكد شاه اسماعيل بدرخان اوغلو أن "الشركات هنا ابلغت موظفيها بانه لن يكون هناك توظيف جديد".

تأثير الإقليم
الى هذه الاجواء العامة السيئة، يضاف الوضع الاقليمي. فالاقتصاد التركي يتباطأ بسبب الاوضاع السياسية المتوترة والحروب في سوريا والعراق المجاورين. ويشهد النمو الاقتصادي تباطؤًا (2.4 بالمئة في 2014)، بينما يزداد التضخم (اكثر من 7 بالمئة) ويتفاقم العجز ويتراجع سعر الليرة.

ويرى كثيرون من سكان دياربكر أن المسؤول عن هذا الوضع هو الرئيس الاسلامي المحافظ رجب طيب اردوغان. وقال سنان سوشي المتقاعد، البالغ من العمر 58 عاماً، "من المسؤول؟، ليس هؤلاء الشباب الفقراء"، في اشارة الى الشبان المؤيدين للمتمردين، الذين ينشطون في بعض الاحياء. واضاف "انه ليس حزب العمال الكردستاني (...) انه (اردوغان) المسؤول الوحيد للتغطية على الفساد".

لهذا السبب، يتوعد سوشي الرئيس بتصحيح قاسٍ في الانتخابات التشريعية المبكرة، التي ستجري في الاول من تشرين الثاني/نوفمبر، وعلى كل حال في المعقل الكردي دياربكر.