ياوندي: يعرب شبان من الكاميرون عن استعدادهم للمجازفة بالهجرة غير الشرعية، رغم شهاداتهم الجامعية، نظرا لانسداد افاق "المستقبل" امامهم. فهم يريدون العمل لإعالة ذويهم، لكنهم يضطرون للعمل باعة متجولين خلسة في شوارع ياوندي.
&
وتزدحم جادة كينيدي في وسط ياوندي بالانشطة المخالفة، ويعترض الباعة الشبان طريق المارة، فهم يعرضون على الارض قطع غيار للحواسيب وهواتف نقالة وملبوسات رخيصة الثمن وصورا للرئيس بول بيا.
&
وعلى غرار كثر من زملائه، يبيع الطالب باسكال (26 عاما) الذي يدرس علم النفس، ملبوسات عندما لا يذهب الى الجامعة.
&
فمنذ اربع سنوات يعمل من السابعة صباحا وحتى السادسة بعد الظهر وسط سيل السيارات، آملا في كسب بعض النقود لتأمين ما يقيته. وقال "تنقضي ايام احيانا لا ابيع خلالها قطعة ثياب واحدة. لكننا مضطرون للعمل".
&
وشعور الاحباط الذي يعتري الشبان عميق في بلد تنخره المحسوبية والفساد، وتناهز فيه نسبة الفقر 40% من عدد السكان، كما يفيد المعهد الوطني للاحصاء في الكاميرون.
&
ولا يخفي باسكال الذي توالت اخفاقاته في ايجاد وظيفة، ان الذهاب الى اوروبا "يغريه"، ولا يحشو رأسه بأوهام حول جدوى اجازته الجامعية.
&
وقال ان "حلم الخروج من الكاميرون قد انطفأ. وفي عمري هذا كنت اظن أني سأكون في ميدان العمل، لكن الامور تتراجع من سيء الى اسوأ".
&
واضاف ان "معظم الشبان الذين تراهم امامك مستعدون للسفر والهجرة. وثمة من يغادر البلاد اسبوعيا الى اوروبا بطريقة سرية. نحن جيل تمت التضحية به".
&
ويعدد باسكال العقبات الكثيرة التي يواجهها الشبان في الكاميرون لتحسين اوضاعهم والانتقال الى طبقة اعلى او النجاح في اختبار تجريه الحكومة لوظائف رسمية.
&
وقال "من قبل كنت تحتاج الى التفاوض (تقديم رشوة) للحصول على وظيفة رسمية، لكنك بالاضافة الى الرشوة تحتاج الآن الى توصية. وقد انشأت الحكومة منحة مخصصة للمتفوقين في الجامعات، لكن تقديم هذه المنح يعتمد في الواقع على معايير غير الجدارة والتفوق". وتطرق الى "الخداع للحصول على سكن في الجامعة".
&
اما على الصعيد الاكاديمي "فالاعتراض لا يسفر عن نتيجة". وقال "تحصل احيانا اخطاء في احتساب العلامات، وعندما ترفع طلبا لاعادة النظر فيها، تذهب مساعيك ادراج الرياح".
&
ويقول الطالب الآخر كارلوس ان الذهاب الى الجامعة "مضيعة للوقت". واضاف "نحن متروكون لمصيرنا. فبعد سنوات في الدرس والتحصيل، لا تتاح لك امكانية الحصول على وظيفة ... كثيرون من الرفاق يريدون السفر".
&
وعلى مقربة منه، يدأب جان على طرح الاسئلة نفسها: "هل تحتاج الى هاتف محمول؟ هل تريد ايصال خدمة الانترنت الى هاتفك؟" لكن الزبائن قلة. وقد اضطر الى التوقف عن الذهاب الى المدرسة بعد حصوله على الشهادة الثانوية، من اجل مساعدة عائلته، وفي الرابعة والثلاثين من عمره، لا تدور في رأسه سوى فكرة واحدة: مغادرة البلاد.
&
وقال "تغضبني الكاميرون وتوتر اعصابي. بلادنا هي للذين يشغلون مناصب رفيعة في ادارة الدولة. واذا لم يتوافر لديك دعم، لا تنجح".
&
واكد جان "مارست اعمالا عدة (البيع خفية والزراعة وتصليح الادوات الكهربائية ...) لكني لم اوفق. نعيش في الكاميرون حياة غير مستقرة ... الموت افضل من هذه الحياة التعيسة".
&
واضاف هذا البائع المتجول "نعيش مثقلين بالديون. عندما تتمكن من جمع 100 الف فرنك افريقي (150 يورو) في الشهر، تواجه مشاكل تحتاج الى 300 الف، كأن يمرض اطفالك، واضطرارك الى تلبية طلبات عائلتك ...".
&
وقد حاول جان مرتين حتى الان السفر الى بلجيكا. ففي المرة الاولى في 2005، "ذهبت الى الجزائر"، كما قال. "وقبل ثلاث سنوات، ذهب الى النيجر، لكني اضطررت الى العودة لان المجازفة باتت لا تطاق" ومحفوفة بالمخاطر.
&
لكن هذا الشاب لم يشعر بالاحباط رغم ذلك، ويستعد للسفر، لكن الى اين؟ الى نيجيريا ومنها الى النيجر فمالي للوصول بعد ذلك الى المغرب حيث يتعين عليه ايجاد سفينة متوجهة الى اوروبا.
&
وبنبرة مشحونة بالتسليم بالقضاء والقدر، قال "حتى لو قضيت نحبي خلال هذه المجازفة، فسأقول هذا قدري"، ملمحا بذلك الى حوادث الغرق التي اسفرت عن مصرع مئات المهاجرين غير الشرعيين منذ بداية السنة في البحر المتوسط.