أصابت رصاصات المعتدي على السياح في منتجع سوسة الساحلي قلب الاقتصاد التونسي، تمامًا كما أصابت الضحايا، فهل ترديه كما أردتهم؟
مروان شلالا من بيروت: لا تقتصر تداعيات هجوم سوسة التونسي على النواحي الأمنية والعسكرية، ورغم أن سلمى اللومي الرقيق، وزيرة السياحة التونسية، شددت على أن الخسائر في الأرواح هو الأهم، لكن مجلة "إيكونومويست" تقول إن مقتل 38 سائحًا بيد مسلح بايع تنظيم الدولة الإسلامية في أحد منتجعات سوسة في 26 حزيران (يونيو)، هو مصدر قلق من نوع آخر. وقالت الرقيق إن هذه كارثة على الاقتصاد التونسي، وهي على حق. ففي العام الماضي، جذبت شواطئ ومتاحف تونس 6 ملايين سائح، ما شكل 7 في المئة من ناتج تونس المحلي الإجمالي، وما دعم استحداث أكبر عدد من الوظائف بعد قطاع الزراعة. أما الآن، فالزوار يغادرون، والسياح يلغون حجوزاتهم.
تباطؤ النمو
منذ أطاحت ثورة الياسمين بالديكتاتور زين العابدين بن علي في العام 2011، حققت تونس تقدمًا سياسيًا مشهودًا. ففي العام الماضي، اعتمد دستور جديد وأجريت انتخابات برلمانية ورئاسية، من دون أن يواكب ذلك أي إنجاز أقتصادي موازٍ. فالنمو تباطأ إلى 2,2 في المئة في العام 2014 وفقًا لتقديرات البنك الدولي. ومعدل البطالة ارتفع أكثر مما كان قبل الثورة، وهو عند عتبة 15,3 في المئة.
تقول "إيكونوميست": "جاء هجوم سوسة بعد ثلاثة أشهر فقط من اقتحام الجهاديين متحف باردو في العاصمة التونسية وقتلهم 22 شخصًا، معظمهم سياحٌ أجانب. ولن يؤدي تراجع عوائد السياحة إلى تباطؤ الاقتصاد أكثر فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى تقليل احتياطيات النقد الأجنبي، وإلى رفع العجز في الحساب الجاري الذي كان 4,4 مليارات دولار في العام 2014. كما سيتضاعف خوف المستثمرين الأجانب، علمًا أن الاستثمار في تونس متراجعٌ أصلًا".
رغم ذلك، يتوقع الكثيرون أن تكون الضربة الاقتصادية أخف بفعل الصادرات الأخرى، والنفط الرخيص، والاحتياطيات الأجنبية، والدعم الغربي.
تذكروا البوعزيزي!
تهدد آثار الحرب في ليبيا، والانكماش في أوروبا، الاقتصاد التونسي أيضًا، لكن المشكلة الأكبر في البلاد مشكلة محلية بالدرجة ألأولى، إذ فشلت الحكومة حتى الآن في الحد من الفساد المستشري، الذي طالما خنق الأعمال التجارية. وتذكيرًا، بحسب المجلة، بدأت الثورة في تونس، والربيع العربي من بعدها، بإشعال بائع الفاكهة الجوال محمد البوعزيزي النار في نفسه احتجاجًا على مسؤولين منعوه من ممارسة عمله من دون تقديم رشوة لهم.
كان النظام القديم ملتويًا، فقد جنت الشركات المرتبطة 21 في المئة من أرباح القطاع الخاص، بينما لم توظف هذه الشركات إلا 0,8 في المئة فقط من القوى العاملة، وام تنتج إلا 3,2 في المئة فقط من الناتج الإجمالي، وفقًا للبنك الدولي.
يعتقد معظم التونسيين بأن الكسب غير المشروع أصبح أكثر سوءًا، ويقول بوب ريجكرس، المؤلف الرئيس لتقرير البنك الدولي: "يشكل ذلك عقبة كبيرة تمنع حدوث انتعاش سريع". ويواجه المستثمرون المحليون والأجانب عوائق كثيرة عند دخولهم في قطاعات تمثل نحو 60 في المئة من الاقتصاد التونسي.
الفقر ينتج الإرهاب
أما الأسعار فتبقى أعلى مما ينبغي. وبحسب "إيكونوميست"، واستنادًا إلى بيانات تعود إلى كانون الأول (ديسمبر) 2013، وجد ريجكرس وزملاؤه أن المكالمات الدولية الواردة في تونس تكلف زهاء 20 ضعف سعر السوق في المنطقة.
كما شوه الروتين والفساد سوق العمل أيضًا. وتعمل الشركات التي لا تستطيع التعامل مع كل الأوراق والمعاملات المطلوبة في الظل، ما يصعّب الحصول على رأس المال وتوظيف عمال جدد. ويعد 40 في المئة من الوظائف خارج القطاع الزراعي غير رسمية، بحسب "إيكونوميست"، والحل الرسمي كان حتى الآن توظيف المزيد من العاملين في القطاع العام.
قد يسن الائتلاف الحاكم الجديد، والذي يتمتع بأغلبية برلمانية كبيرة، القوانين الاصلاحية، لكن هناك تردد دائم في فتح بعض القطاعات أمام الخبرات، وهناك جدل حول دور الدولة في ذلك.
وتختم المجلة: "بالفعل، تستطيع النقابات العمالية القوية إبطاء سير الأمور، ويشمل نداء تونس، وهو الحزب الذي يحظى بأكبر عدد من المقاعد، العديد من الأعضاء السابقين في النظام القديم". وقد عبر الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عن أسفه لما وصل إليه الاقتصاد القومي. وكتب السبسي في العام الماضي: "علينا مواجهة حقيقة مفادها أن الفقر ينتج الإرهاب". وحتى الساعة، لم يتم إحراز أي تقدم يذكر على أي من الجبهتين حتى الآن.
التعليقات