لا تغادر إيران فرصة إلا وتستغلها لمطالبة السعودية بتغيير سياستها النفطية، لكن المحللين يقولون إن لا تغيير في الاستراتيجية النفطية التي تنتهجها الرياض إلا إذ سقطت الأسعار أكثر بكثير.


الرياض: لا يتوقف أعضاء منظمة أوبك عن مطالبة السعودية، الفريق الأقوى في المنظمة، بتغيير مقفها بشأن خفض سقف الانتاج، لتدارك الانخفاض الحاصل في أسعار النفط. تقول مجلة "إيكونوميست" في هذا الاطار إنه قد حان الوقت ليحترم كل مصدّر نفطي نفسه، وليركز على حماية حصته في السوق، فالسعودية جاهدت في خلال الأشهر التسعة الماضية للحفاظ على حصتها في سوق النفط العالمية، وزادت إنتاجها من النفط الخام إلى مستويات قياسية، وكأن المجلة تدعو الآخرين ليحذوا حذو المملكة.
&
الاحباط نفسه
بحسب التقرير المنشور في المجلة، يقض هذا الأمر مضجع شركاء السعودية الأضعف في أوبك، ويعود عليها بنتائج عكسية، خصوصًا بعد انخفاض أسعار النفط العالمية تحت 45 دولارًا للبرميل في 24 آب (أغسطس) الجاري، في أدنى مستوى سعري خلال أكثر من ستة أعوام. ويقول بعضهم إن السعودية تخوض حربًا خاسرة ضد أميركا، منتجة النفط الصخري، لكن تركيزها قد يكون متجهًا أكثر نحو منافسيها الشيعة في العراق وإيران.
وفي 23 آب (أغسطس)، كررت إيران إحباطات قديمة سبق للجزائر أن عبرت عنها، وقالت إنها سترحب، أو إنها لن تختلف مع، اجتماع طارئ للمنتجين لدعم الأسعار. ولكن بيجان زنكنه، وزير النفط الإيراني، أوضح في 25 من الشهر نفسه الخطط التي تقتضي رفع إنتاج إيران من النفط بمقدار مليون برميل يوميًا، واسترجاع حصتها السوقية المفقودة لحظة رفع العقوبات الاقتصادية عنها بحسب اتفاق فيينا النووي مع دول خمسة زائد واحد. أضاف زنكنه: "الاستثمار تقلص إلى العدم تقريبًا"، لذلك لم يكن واضحًا كيف ستحقق إيران أهدافها.
وفي العراق أيضًا، يجب تعويض الإنتاج المفقود خلال سنوات الصراع الطائفي. وتقول وكالة الطاقة الدولية إن إنتاج النفط الخام العراقي قفز إلى 740 ألف برميل يوميًا خلال هذا العام، أي بزيادة نسبية أكبر بكثير من انتاج السعودية.
&
خيارات السعودية&
وبحسب تقرير "إيكونوميست"، قد تستجيب السعودية، كما يمكنها أن تصم آذانها بوجه من ينادي بتنسيق التقشف الانتاجي، كما كان الحال منذ سمح اتفاق أوبك في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 لقوى السوق بتحديد أسعاره. كما يمكن السعودية أن تلوم الاقتصاد الصيني الضعيف لتبرر فشل هذه السياسة، وتقول إنها مستعدة لإعادة النظر في سياستها، أو يمكنها كذلك أن تعقد اتفاقًا جريئًا مع العراق وإيران يحدد حصص الإنتاج.
يقول المحللون: "الاحتمال الأخير هو الأصعب، نظرًا إلى أن ثمة اعتقاد يسود في العراق وإيران بأن السعودية سرقت حصتهما السوقية، لأنهما منتجَين من ذوي التكلفة المنخفضة، وقادرَين على تحمل حرب أسعار". إلى ذلك، يلقي التوتر بين سنة السعودية وشيعة إيران الشيعية بشأن التفوق الإقليمي بظلاله على المسألة أيضًا، رغم قول المحللين إنه عندما يتعلق الأمر بسياسة أوبك، الأمور المالية أهم من الجغرافيا السياسية.
&
درسٌ لا يُنسى
قدمت الفوضى الصينية الأخيرة للسعودية ورقة توت تتلطى وراءها إذا ارادت تغيير سياستها. يقول بول ستيفنز من تشاتام هاوس: "تستطيع المملكة العربية السعودية الادعاء بأن انخفاض أسعار النفط أتى استجابة لتراجع الطلب العالمي على النفط، لا من الإفراط في العرض".
مع ذلك، مرجح أن تصر السعودية على ألا تتحمل العبء وحدها. فبين 1980 و1985، تراجع الإنتاج السعودي من 10 ملايين برميل يوميًا إلى أقل من 2,5 مليون برميل، بينما واصلت الأسعار تعثرها رغم ذلك. وهذا درس، بحسب "إيكونوميست"، لا يُنسى.
يقول بسام فتوح، من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة: "تنسيق خفض الإنتاج داخل أوبك ليس سهلًا، فعندما تكون الأسعار في مرحلة هبوط، يتكون لدى الدول التي تعاني ضائقة مالية حافزٌ كبيرٌ للغش، حتى تنخفض الأسعار يصبح معها ألم وقف الإنتاج أمرًا يستحق المجازفة".

السوق متروكة
ورغم أن إنفاق السعودية تضاعف ثلاث أضعاف خلال العقد الماضي، ورغم أن السعودية تحتاج 100 دولار للبرميل لتعيد التوازن إلى موازنتها، يمكنها أن تبيع أصولًا أجنبية تملكها، إذ تشكل نسبة الدين 1,6 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي السعودي، وهذا يعطيها هامشًا مقبولًا كي تتجنب اتخاذ أي قرار متسرع.
انخفاض الأسعار هذا العام جعل المنتجين أصحاب التكلفة العالية، مثل منتجي حقول المياه العميقة في البرازيل ورمال القطران الكندية، أقل قدرة على تحقيق الأرباح، ودفع نمو الناتج الإجمالي خارج أوبك إلى التباطؤ باستمرار. وبحسب "إيكونوميست"، قد تعتقد السعودية أن انخفاض أسعار النفط القادم سيلحق الضرر بصناعة النفط الصخري الأميركية، رغم أنها استخفت بالقدرة على خفض التكاليف في عملية التكسير الهيدروليكي. وللمرة الأولى منذ عشرينيات القرن الماضي، سوق النفط متروكة اليوم لتجد أرضية الأسعار بنفسها، رغم أن لا أحد يعرف أين تقع هذه الأرضية.