ستتوقف دول أوروبية عدة عن شراء النفط الروسي بعد اكتشاف تلوث كميات كبيرة من الخام الروسي بالكلوريدات العضوية، ما يجعلها غير صالحة للاستعمال.

نهاد إسماعيل من لندن: أزمة جديدة تعصف بأسواق النفط، وربما يكون في ذلك فائدة تجنيها بعض الدول الخليجية المنتجة للنفط. فيبدو أن دولًا أوروبية عدة ستتوقف عن شراء النفط الروسي بعد اكتشاف تلوث كميات كبيرة من الخام الروسي، ما جعلها غير صالحة للاستعمال.

يتزامن ذلك مع أزمات أخرى، منها جهود واشنطن لتصفير صادرات إيران النفطية، وممارسة الضغوط على موسكو التي تدعم إيران، ما يشير إلى إمكانية أن تستخدم واشنطن أزمة النفط الروسي الملوث في الضغط على روسيا وإيران في أن واحد.

وبحسب مصادر نفطية مطلعة، أوقفت دول أوروبية استيراد النفط الروسي الملوث، وتعاني أسواق النفط العالمية نقصًا في إمدادات النفط الثقيل، في ظل التزام منظمة أوبك وشركائها&تنفيذ اتفاق خفض الإنتاج.

الدفع أولًا

ذكرت مصادر إعلامية أن الخام الروسي ملوث بالكلوريدات العضوية التي عند تكريرها تتحول إلى حامض الهيدروكلوريك الذي يلحق الضرر بالنباتات، ويؤدي إلى عطب مصافي تكرير النفط النقي.

تناولت وسائل الإعلام قصة تلوث النفط الروسي خلال الأسابيع الماضية، حيث امتنعت شركات النفط الأوروبية والمصافي التي استوردت النفط في مارس وأبريل الماضيين عن قبول استلام الشحنات بعد اكتشافها أنها ملوثة وغير صالحة للمصافي التكريرية.

باتت الصادرات الروسية النفطية مهدّدة بعد أن رفضت شركات أوروبية كبرى، مثل توتال الفرنسية وايني الإيطالية التي تشتري نفطًا روسيًا دفع قيمتها، وهي تطالب الآن بالتعويض، الأمر الذي سيؤثر سلبًا في صورة روسيا بصفتها مصدرًا موثوقًا ونزيهًا، وهذا سيؤذي الاقتصاد الروسي.

توتال وايني من كبار الشركات التي تستورد النفط الروسي من خلال خط أنابيب دروجبا الذي تصل عبره الإمدادات إلى الدول الأوروبية.

وسابقًا، قبل ظهور قصة التلوث في أبريل الماضي، كان الدفع منتظمًا مقابل النفط النظيف. وردّت روسيا أن على الشركات العالمية الدفع أولًا، ثم تقديم الشكوى، والمطالبة بالتعويض إذا كان النفط لا يوافق المعايير الدولية.

وبحسب بعض التقديرات، تبلغ كمية النفط الملوث 9 ملايين برميل، بقيمة تقارب مليار دولار.

مشكلة تقنية

من جهة أخرى، يطالب المشترون الأوروبيون من المنتجين الروس تقديم ضمانات على شكل ودائع بنكية تفيد بأنهم سوف يقبلون مسؤولية التنظيف، أو تأخير المدفوعات المستحقة حتى حل الأزمة.

يذكر أن شركة ترانسنفط الروسية اعترفت بتجاوز نسبة مركبات الكلور العضوي الموجودة في النفط المورد إلى بيلاروسيا في أبريل الماضي الحد الأقصى المسموح به، وأعلنت التزامها اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتدارك الوضع.

وأعلن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف في 24 مايو الحالي أن موسكو تبذل جهودًا للتخفيف من تداعيات حادث ضخ نفط ملوث من روسيا إلى بيلاروسيا عبر خط دروجبا. وقال بيسكوف: "هذه حالة طارئة. إنها مشكلة تقنية لا يخفيها أحد".

وبحسب مصادر نفطية في روسيا البيضاء، مسؤولة عن تشغيل خط دروجبا، إن حوالي 5 ملايين طن في المجمل قد تكون تلوثت بكلوريد عضوي يستخدم لتعزيز استخراج النفط، أي ما يعادل 37 مليون برميل من النفط الخام.

قبل أسابيع، اضطرت روسيا إلى وقف صادراتها النفطية عبر خط دروجبا إلى بولندا وألمانيا في الفرع الشمالي من الخط، وإلى أوكرانيا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك في الجنوب. وبحسب رويترز، تراجع إنتاج روسيا من الخام إلى 11.126 مليون برميل يوميا بين 1 و26 مايو الجاري.

مصافٍ آسيوية تقبله

بحسب مصادر إخبارية، هناك محاولات لتصدير النفط الروسي الملوث من خلال شركات تجارية مثل "فيتول" و"يونيبيك". وسيتم شحن 700 ألف طن من النفط الذي رفضته أوروبا، أي حوالى 5.1 ملايين برميل، إلى الصين بأسعار منخفضة.

وتسعى هاتان الشركتان إلى بيع النفط الملوث لشركات التكرير الصينية المستقلة، التي أبدت اهتمامها بشرائه.&

وعرضت روسيا على هذه الشركات شحنات من خام الأورال الذي يحتوي على 30-50 جزءًا في المليون إلى 200 جزء في المليون من الكلوريد العضوي. لكن، في المقابل، يتوخى المشترون الحذر لأن خام الأورال الملوث يحتاج إلى تخزين في صهاريج، وتخفيفه مرات عدة بالنفط النظيف لتقليص محتوى الكلوريد العضوي، كي لا يضر بمعدات التكرير.

وفيما تجري الشركات الصينية مزيدًا من فحوصات الجودة على الخام الروسي الملوث، ربما يتسبب الكلوريد العضوي الموجود في النفط الخام بصدأ وتأكّل الصهاريج، ويدمر وحدات التكرير ويعطل المصافي.

أما سعره فسيستند إلى سعر برنت القياسي مع خصم يتم التفاوض بشأنه. ويقول تجار أوروبيون إن الخصم يتراوح من 10 إلى 20 دولارًا للبرميل.

وعلى الرغم من ذلك، أبدى عدد&قليل&من المستوردين رغبة في شراء نفط غير نظيف.

تبلغ اجمالي الكميات المتوجهة إلى آسيا 1.5 مليون طن أو 11 مليون برميل من خام الأورال، تم تصديرها من ميناء أوست لوغا على بحر البلطيق في الأسابيع الأخيرة. وهناك 9 ملايين برميل موقوفة في خط أنابيب دروجبا بين روسيا البيضاء وألمانيا.&

أزمة ثقة

أظهرت البيانات أن روسيا تستخدم السكك الحديدية والصهاريج لتخزين هذا النفط، وسفنًا لإزالة النفط الملوث من خط أنابيب التصدير، وأنها استخرجت حتى الآن مليوني طن من النفط الملوث تقريبًا، أو ثلث إجمالي الكميات الملوثة.

وما زالت الحصة الكبرى من النفط الملوث، أو ما يصل إلى مليوني طن، موجودة في أنظمة خط الأنابيب في روسيا وروسيا والبيضاء وأوكرانيا. وهناك مليون طن أخرى محصورة في بولندا وألمانيا، بحسب تجار ومصادر نفطية.

ينقل الجزء الشمالي من خط الأنابيب نحو 10 في المئة من استهلاك أوروبا بالكامل، ما يصل إلى 1.5 مليون برميل في اليوم، وفقًا لبيانات وزارة الطاقة الروسية.

لا شك في أن أزمة التلوث زعزعت ثقة الشركات التي تشتري النفط الروسي. ففضلًا عن التعويضات المالية لتقليل خسائر الشركات الأوروبية، يتعين على الشركات الروسية التي تنتج النفط الخام وتصدره أن تتخذ إجراءات احترازية لمنع دخول الشوائب والتلوثات الكيمائية إلى نفطها، من طريق الفحص المنتظم وتبني نظم وبرامج صيانة وتنظيف الصهاريج وخطوط الأنابيب بشكل دوري منتظم، وعدم ترك الأمور ليصل الخام الملوث إلى المصافي ويدمر المعدات. فلا فائدة من إغلاق باب الإسطبل بعد هروب الحصان.