إيلاف من بيروت: بمقدار 100 نقطة أساس خفّض البنك المركزي التركي سعر الفائدة، الخميس، من 19 إلى 18 بالمئة، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ تولي محافظ البنك الجديد، شهاب قافجي أوغلو منصبه.

وسرعان ما انعكس ذلك على سعر صرف الليرة التركية، إذ تراجعت لتلامس حاجز الـ9 ليرات مقابل الدولار الواحد ثم بلغت ما يقرب من 8.80، بحسب البيانات التي يتيحها موقع "Doviz".

ونشر البنك المركزي بيانًا عقب قرار الخفض، قال فيه إنّه تم تحليل عوامل الطلب التي يمكن أن تتأثّر بالسياسة النقدية وتطوّرات التضخم الأساسي، وآثار صدمات العرض.

وتابع البيان: "في هذا السياق تم التوصّل إلى أنّ هناك حاجة لتحديث موقف السياسة النقدية.. وتقرّر خفض سعر الفائدة".

ويعتبر شهاب قافجي أوغلو من مناصري سياسة عدم رفع سعر الفائدة، وهو التوجّه ذاته الذي يصرّ عليه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لدرجة أنّه اعتبر في تصريحات سابقة أنّ سعر الفائدة هو "أب وأم كل الشرور".

وتقول الحكومة منذ أشهر إنها تتحرّك بموجب سياسة إقتصادية جديدة، ترتكز على تخفيض سعر الفائدة من أجل محاربة التضخّم الذي وصل إلى مستويات "خطيرة".

وتعلن أنها بصدد دعم الإستثمارات في البلاد، في خطوة قد تنعش الإقتصاد الذي يعاني من أزمات عدة، زادت من حدتها تداعيات الإغلاق الأخيرة لمنع انتشار فيروس كورونا.

ما علاقة الفائدة بالتضخم؟

تعتبر الفائدة أداة من أدوات السياسة النقدية ضمن السياسة الإقتصادية، وتستخدم عندما يكون الإقتصاد في حالة ركود (ضعف النمو الإقتصادي).

ومع ازدياد مؤشّرات البطالة في البلاد يتم خفض معدّل الفائدة، من أجل تحفيز الطلب الكلي ومن ثم تنشيط الإستثمار ونمو الإقتصاد وفرص العمل.

وعندما يكون هناك تضخّم، أي ارتفاع مستمر للأسعار، فإنّه يجب رفع معدل الفائدة لكي يتم كبح الطلب الزائد في السوق، ومن ثم تهدئة الأسعار والتضخّم.

وبحسب بيانات "هيئة الإحصاء التركية" فقد ارتفع التضخّم في البلاد بنسبة 1.12 بالمئة في آب/أغسطس الماضي، وأصبح 19.25 بالمئة على أساس سنوي، بعد أن بلغ في تموز/يوليو الماضي 18.95 بالمئة.

"خيار صعب"

وفتحت الخطوة التي أقدم عليها "المركزي التركي" بخفض سعر الفائدة باب نقاش وجدل واسعين عبر مواقع التواصل الإجتماعي.

وكان ملاحظًا بعد إصدار القرار تصدّر وسم "#dolar" قائمة الترند التركي، على موقع التواصل "تويتر".

وبينما اعتبر البعض أنّ الخفض من شأنه أن يزيد من تدهور سعر صرف الليرة في سوق العملات الأجنبية، وبالتالي الإنهيار مجدّدًا، رأى آخرون أن ما أقدم عليه "المركزي" ذو فائدة من أجل كبح معدلات التضخّم، والتقليل من أزمة البطالة التي تعيشها البلاد.

وبين عامي 2020 و2021 مرّ الإقتصاد التركي بظروف صعبة، على خلفية عدة تطوّرات وأحداث سياسية وعسكرية وأيضًا إقتصادية، أثّرت بشكل كبير على سعر صرف الليرة، وعلى الصادرات أيضًا.

تداعيات سلبية على الإقتصاد

وإلى جانب العوامل السياسية والعسكرية التي ارتبطت بسياسات تركيا في عدة ملفات إقليمية، كان لأزمة كورونا الدور الأبرز من ناحية التداعيات السلبية على الإقتصاد، بعدما تسبّبت في انخفاض كبير بأعداد السياح.

كما تسبّبت قرارات مفاجئة أصدرها إردوغان في زيادة الضغط على الليرة التركية، كان أبرزها سلسلة الإقالات التي طالت منصب محافظ البنك المركزي، وصولًا إلى تعيين شهاب قافجي أوغلو، في مارس الماضي.

ويقول أستاذ الإدارة المالية في جامعة "باشاك شهير"، الدكتور فراس شعبو إن "قضية سعر الفائدة كانت مطروحة قبل أكثر من شهر، وكانت هناك توقّعات إلى خفضها إلى مستوى أقل من 18 بالمئة".

ويضيف الخبير الإقتصادي: "التخفيض الآن محدود لكن الليرة التركية أظهرت ردة فعل أكثر من قيمة الإنخفاض. هناك فرق كبير في سعر الصرف في الوقت الحالي".

ويتوقّع شعبو أن يستمر البنك المركزي في سياسة خفض سعر الفائدة خلال المرحلة المقبلة، لكن "بشكل مرنٍ وحذرٍ ومدروسٍ"، في خطوة لتلبية توجّه الحكومة من جهة، ولتحقيق معدلات نمو أكبر من جهة أخرى.

وخلال الأشهر الستة الماضية كانت الليرة في مرحلة استقرار، إذ بقي سعر الصرف يتراوح ما بين 8.4 و8.5 ليرة مقابل الدولار الواحد.

وعلى ذلك اتجه المركزي لتخفيض سعر الفائدة الآن، استنادا لما شهدته الظروف السابقة، بحسب الخبير الاقتصادي.

وسبق أن أعلن إردوغان أنّ تركيز الحكومة في المرحلة المقبلة سيكون على الإستثمارات الخارجية، موضحًا أنّه مصمّم على "جعل تركيا مركزًا لجذب المستثمرين المحليين والدوليين، بمخاطر منخفضة وثقة عالية وأرباح مرضية".

وإلى جانب ذلك، قال الرئيس التركي، مطلع العام الحالي: "سيرى الجميع أنه عندما يتم الإستثمار على أكمل وجه، سنرتقي إلى مصاف الدول التي توفّر أعلى نسبة من الأرباح الآمنة".

تبدل المحافظين

وبالنظر إلى تطوّرات سعر الفائدة في تركيا منذ عام 2020 حتى الآن، يمكن رصد سلوكَين متناقضَين، الأول بعهد وزير المالية السابق بيرات ألبيرق، ومحافظ البنك المركزي الأسبق مراد أويصال، والثاني بواسطة المحافظ السابق ناجي أغبال، ووزير المالية لطفي علوان، الذي استلم عقب استقالة ألبيرق.

ومنذ شهر كانون الثاني/يناير 2020 وحتى أيار/مايو شهد سعر الفائدة انخفاضًا من 11.25 وصولًا إلى سعر 8.25، ليبقى على هذا السعر حتى شهر أيلول/سبتمبر ليرتفع من جديد إلى نسبة 10.25.

ثم ارتفع بعد ذلك حتى 17 بالمئة في الأشهر الأخيرة من 2020 من جانب ناجي أغبال، وصولًا إلى رفعه في أذار/مارس 2021 إلى 19 بالمئة، وهو ما دفع إردوغان إلى إقالة الأخير وتعيين شهاب قافجي أوغلو خلفًا له، الذي حافظ بدوره على نسبة 19 بالمئة، قبل أن يبدأ الآن في خفضها بشكل محدود.

وكان قافجي أوغلو كتب في صحيفة مؤيدة للحكومة منتقدًا بشدة ميل سلفه أغبال لرفع معدلات الفائدة، وأكّد محلّلون أنذ رئيس البنك المركزي الجديد يدعم رؤية إردوغان بأنّ رفع معدلات الفائدة يؤدّي إلى التضخم.

وبات قافجي أوغلو الرئيس الرابع للبنك المركزي الذي يعيّنه إردوغان منذ تموز/يوليو 2019، وعليه الآن تحقيق هدف الرئيس المتمثّل بخفض معدل الفائدة السنوي إلى خمسة بالمئة، بحلول موعد الإنتخابات المقبلة في 2023.