هونغ كونغ: يتسبّب قرار هونغ كونغ بشأن تشديد الحجر الصحي للحد من انتشار كورونا، بغرق هذه المدينة أكثر فأكثر في العزلة الدولية فيما تعيد الإقتصادات المنافِسة الإنفتاح، بإثارة حيرة قطاع أعمال لا يرى نهاية قريبة لاستراتيجية "صفر كوفيد" المعتمدة محليًّا للقضاء على الوباء.

وبقيت هونغ كونغ الواقعة جنوب الصين بمنأى نسبيًّا عن فيروس كورونا بفضل بعض تدابير الحجر الأكثر صرامة في العالم، بحيث يخضع معظم الوافدين لفترة حجر تراوح بين 14 و21 يومًا في فنادق.

وبدأت إقتصادات منافسة على غرار لندن ونيويورك وطوكيو وسنغافورة التعايش مع المرض مع عودة الإجتماعات الحضورية والمؤتمرات تدريجًا.

لكنّ هونغ كونغ سارت في الإتجاه المعاكس.

تعزيز القيود

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، عزّز المسؤولون القيود في محاولة لتأمين فقاعة سفر مع البر الرئيسي، رغم مواجهة الصين تفشّيًا جديدًا للوباء للمرة الرابعة في الأشهر الخمسة الماضية.

وقالت رئيسة السلطة التنفيذية لهونغ كونغ كاري لام إنّ إعادة تسيير الرحلات مع البر الرئيسي "أكثر أهميّة" من إعادة فتح البلاد دوليًّا وإنّ المدينة في حاجة إلى أن تكون أكثر صرامة من السلطات الصينية من أجل كسب ثقة بكين.

وقد أثار هذا الإختيار قلقًا كبيرًا فيما يجهد رؤساء الشركات متعدّدة الجنسيات بشكل متزايد للإحتفاظ بأصحاب الكفاءات واستبدال الذين يغادرون منهم.

وحذّر اللوبي المالي الرئيسي الأسبوع الماضي من أنّ "وضع هونغ كونغ كمركز مالي دولي في خطر" وكذلك "انتعاشها الإقتصادي على المدى الطويل وقدرتها التنافسية كمدينة تجارية".

وتحدّثت وكالة فرانس برس إلى ستة من كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركات الدولية طلبوا عدم كشف هويتهم حتى يتمكّنوا من التكلّم بصراحة وقد رسموا جميعهم صورة مماثلة.

بمنأى عن الوباء

بقيت هونغ كونغ بمنأى نسبيًّا عن الوباء مع تسجيل المدينة التي يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين نسمة 213 وفاة فقط وما يزيد قليلاً عن 12 ألف إصابة.

لكن التفاؤل بشأن فعالية الإستراتيجية الصحية تبخّر وحلّ مكانه الخوف من أنّ هونغ كونغ، على غرار الصين، ستبقى مغلقة معظم العام المقبل.

قال جيمس وهو مصرفي أسترالي أمضى 30 عامًا في هونغ كونغ لوكالة فرانس برس "كل شخص أتحدّث إليه يتوقّع بالتأكيد ألّا يُرفع الحجر الصحي إلّا بعد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية (في شباط/فبراير) وربما أيضًا حتى إعادة إنتخاب شي جينبينغ".

ومن المقرّر أن يعقد قادة الصين إجتماعًا في تشرين الأول/أكتوبر المقبل يفترض أن يؤمّن خلاله شي فترة رئاسية ثالثة، وهناك توقّعات متزايدة بأنّ بكين لن تخاطر بإعادة فتح الحدود حتى انقضاء هذا التاريخ الحساس.

وأضاف جيمس أنّ عمليات المغادرة المنتظمة والإنخفاض المفاجئ في قوائم الإنتظار للمدارس الدولية هي دليل على نزوح صغير لكنه ثابت للموظّفين الإداريين الأجانب في هونغ كونغ "لا سيما أولئك الذين لديهم عائلات".

وروى المدير العام لمصرف استثمار عالمي عرّف عن نفسه باسم جون، أنه أمضى 49 يومًا في الحجر الصحي في الأشهر الـ15 الماضية وهو يفكّر الآن في الإنتقال إلى سنغافورة أو لندن.

وقال "لدينا موظّفون ينتقلون كل شهر" مضيفًا أنّه يبدو أنّ حكومة هونغ كونغ كانت تضع "كل الكرات... في سلة واحدة" من خلال إعطاء الأولوية للرحلات الجوية مع الصين على بقية العالم.

إجراءات جديدة

ومن بين القواعد الأكثر صرامة التي أعلنتها هونغ كونغ هذا الأسبوع، وُضع حد لمعظم إعفاءات الحجر الصحي القليلة المتبقّية والتي شملت شخصيات بارزة في قطاع الأعمال تعتبر حاسمة في تشغيل المدينة.

وأعلن المسؤولون أيضًا أنه يتوجّب على الأشخاص الذين أُصيبوا بالفيروس وتعافوا منه تمضية 14 يومًا أخرى في الحجر الصحي بمجرد خروجهم من المستشفى.

وقال بن كاولينغ عالم الأوبئة في جامعة هونغ كونغ الذي يقدّم المشورة للحكومة، إنّ إنهاء الإعفاءات "سيكون له تكاليف إقتصادية باهظة" لكنه على الأقل "قائم على أدلة".

وأوضح لوكالة فرانس برس "لكن لا يبدو أنّ هناك أي مبرّر من الناحية الوبائية لفرض تلك الأيام الـ14 الإضافية" مضيفًا أنّ أيًّا من المرضى في هونغ كونغ الذين خرجوا من المستشفيات والبالغ عددهم 10 آلاف، لم يتسبّب في تفشّي المرض.

وهذه الإجراءات الجديدة هي أحدث التناقضات في مجال الصحة التي تثير الشكوك في هونغ كونغ بأنّ السلطات تستخدم الفيروس ذريعة لإبقاء السكان في منازلهم بعد الإحتجاجات المطالبة بالديموقراطية قبل عامين والقمع اللّاحق للمعارضة.

وفي الوقت الحالي، يمكن 240 شخصًا حضور زفاف منظّم في قاعة مغلقة، وفي المقابل تحظر التجمّعات التي تضم أربعة أشخاص في متنزّه.

وقال مواطن أميركي يعمل في شركة لإدارة الأصول إنّ عائلته اضطرّت للخضوع للحجر الصحي الإلزامي بعدما ثبتت إصابة شخص في المبنى الذي يسكن فيه.

وأضاف أنّه تحوّل من كونه متفائلًا في بداية الوباء إلى "متشائم للغاية".

وصرّح لوكالة فرانس برس "سياسة كوفيد تتداخل بوضوح مع الكثير من الأهداف السياسية الأخرى".

وعندما سُئل عن تأثير عام آخر من القيود على الأعمال قال "إنه أمر لا يحتمل".