يشهد الاقتصاد الصيني حالة من التباطؤ في الفترة الأخيرة متأثرا باتباع البلاد استراتيجية "صفر كوفيد" والنقص الحاد في الطلب.

ويتوقع أن تظهر بيانات النمو الصيني في الربع الثالث من 2022 قريبا، وإذا تبين انكماش ثاني أكبر اقتصادات العالم، فإن ذلك يزيد من فرص الركود العالمي.

ويبدو أن هدف بكين الخاص بالنمو، البالغ 5.5%، أصبح بعيد المنال رغم تقليل مسؤولين صينيين من أهمية حاجة البلاد إلى تحقيق هذا الهدف بينما تمكنت الصين بشق الأنفس من تفادي الانكماش في الربع الثاني من العام الجاري. لكن هذا العام، هناك عددا من خبراء الاقتصاد لا يتوقعون أن تحقق الصين أي نمو على الإطلاق.

وربما لم تدخل الصين في حرب مع تضخم حاد الارتفاع كما هو الحال في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لكنها تواجه مشكلات أخرى - فمصنع العالم فوجئ في الفترة الأخيرة بعدم وجود ما يكفي من المستهلكين لشراء ما ينتجه على المستويين المحلي والدولي.

كما تلوح في الأفق بين المشكلات التي تواجه الاقتصاد الصيني تلك التوترات التجارية مع اقتصادات رئيسية أخرى مثل الولايات المتحدة، والتي تعيق تقدم الاقتصاد أيضا.

كما أن اليوان في طريقه إلى أسوأ أداء له في عقود مقابل الدولار الأمريكي. ومعروف أن العملة منخفضة القيمة تثير خوف المستثمرين، مما يثير انعدام اليقين في أسواق المال. كما تجعل العملة الضعيفة من الصعب على البنك المركزي أن يضخ أموالا في الأسواق.

ويأتي كل ذلك وسط ارتفاع أسهم الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي يتوقع أن يحصل على فترة ولاية ثالثة غير مسبوقة في رئاسة الحزب الشيوعي الصيني تبدأ في 16 أكتوبر/ تشرين الأول هذا العام.

وفيما يلي استعراض لأهم ما حدث في الصين في الفترة الأخيرة وتأثيره على ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم.

1. صفر كوفيد تعيث فسادا

كان انتشار كوفيد19 في العديد من المدن الصينية، من بينها مدن تعتبر مراكز إنتاج لصناعات هامة مثل شينزين تيانجين، مما أدى إلى أضرار بالغة لحقت بالنشاط الاقتصادي في أغلب القطاعات.

كما تراجع الإنفاق على المأكولات، والمشروبات، ومنتجات التجزئة والسياحة، مما أدى إلى وضع الخدمات الرئيسية في مواجهة المزيد من الضغوط.

لكن على مستوى قطاع التصنيع، عاد نشاط المصانع إلى تحقيق تحسن في سبتمبر/ أيلول الماضي، وفقا لمكتب الإحصاء الوطني.

وقد يكون هذا الارتداد نتيجة للمزيد من الإنفاق الحكومي على البُنى التحتية في البلاد في الفترة الأخيرة. كما أن هذا التقدم هو الأول الذي يحرزه القطاع بعد شهرين من التوقف عن النمو، مما يثير تساؤلات عدة، خاصة منذ ظهور نتيجة استطلاع رأي خاص أشارت إلى أن نشاط المصانع الصينية تراجع في سبتمبر/ أيلول الماضي بسبب الأثر السلبي لتراجع الطلب على الناتج التصنيعي، والطلبات الجديدة، والتوظيف.

فقد تراجع الطلب في دول مثل الولايات المتحدة بسبب ارتفاع معدل الفائدة، وارتفاع التضخم، وتداعيات الحرب في أوكرانيا. ويرى خبراء أن بكين يمكنها أن تحفز الاقتصاد، لكنهم يعتقدون أنه لا يوجد سبب منطقي للقيام بذلك حتى ينتهي العمل باستراتيجية "صفر كوفيد".

وقال لويس كويجس، كبير خبراء الاقتصاد الأسيوي لدى وكالة ستاندردز آند بورس للتصنيف العالمي: "لا يوجد مبررات كافية لضخ الأموال في الاقتصاد إذا كانت الشركات لا تستطيع أن تتوسع والناس لا يستطيعون الإنفاق".

لماذا يهمنا اقتصاد الصين؟

الصين وتايوان: بكين تجري مناورات عسكرية جديدة قرب الجزيرة في تحد للولايات المتحدة

2. بكين لا تبذل ما يكفي من جهود

أعلنت الصين عن خطة بقيمة تريليون يوان (203 مليار دولار) في أغسطس/ آب الماضي لدعم الشركات الصغيرة، والبُنى التحتية، والعقارات.

لكن المسؤولين في البلاد يمكنهم القيام بأكثر من ذلك لتعزيز الإنفاق بهدف تحقيق هدف النمو وخلق المزيد من الوظائف.

وتتضمن تلك الجهود ضخ استثمارات أكثر في قطاع البُنى التحتية، وتبني شروط أكثر سهولة للإقراض، ومنح الأسر الصينية إعفاءات ضريبية.

وكانت استجابة الحكومة لضعف الاقتصاد متواضعة مقارنة لما قامت به بكين في نوبات ضعف سابقة ألمت باقتصاد البلاد، وفقا لكويجس.

شي جينبينغ
Getty Images
دفع الرئيس الصيني في اتجاه تطبيق استراتيجية "صفر كوفيد"

3. سوق العقارات في أزمة

مما لا شك فيه أن ضعف سوق العقارات والمعنويات السلبية التي تسيطر على قطاع الإسكان من أهم العوامل التي تسهم إلى حدٍ كبيرٍ في تباطؤ الاقتصاد الصيني.

وكان تدهور هذا القطاع من أشد الضربات التي تلقاها الاقتصاد نظرا لأن العقارات والقطاع وثيقة الصلة بها تمثل حوالي ثلث الناتج المحلي الصيني.

وقال كويجس: "عندما تتراجع الثقة في سوق الإسكان، يؤدي ذلك إلى سيطرة انعدام اليقين على الناس حيال الموقف الاقتصادي بصفة عامة".

فهناك إحجام عن الحصول على رهون عقارية لشراء المنازل أو المباني غير المكتملة لشك البعض في أن أعمالها لن تكتمل على الإطلاق. كما انخفض الطلب على المنازل الجديدة، مما أدى إلى تراجع واردات مواد البناء.

ورغم الجهود التي تقوم بها بكين لدعم سوق العقارات، يستمر تراجع أسعار المنازل في العشرات من المدن الصينية بنسب تتجاوز 20 في المئة هذا العام.

ويرى محللون أنه باستمرار خضوع شركات التطوير العقاري لضغوط، ينبغي على السلطات أن تقوم بجهد أكبر لاستعادة الثقة في سوق العقارات.

الولايات المتحدة "ستتكبد" خسائر فادحة إذا خاضت حربا ضد الصين- التايمز

الاقتصاد الصيني يحقق نموا قياسيا بنسبة 18.3 في ظل التعافي من كورونا

4. التغير المناخي يزيد من صعوبة الموقف

بدأ المناخ المتطرف في ترك بصمته السلبية على الكثير من القطاعات الاقتصادية في الصين. فموجة الحر الشديدة، التي تبعها جفاف - ضرب ولاية سيشوان جنوب غربي البلاد وولاية تشونغكينغ في الحزام الأوسط في أغسطس/ آب الماضي.

وبسبب ارتفاع الطلب على أجهزة تبريد الهواء، بدأ الضغط يزداد على شبكات الكهرباء التي تعتمد في توليد الطاقة بالكامل على المياه.

واضطرت مصانع كثيرة في المنطقة، من بينها فوكسكون الذي يصنع هواتف iPhone وتيسلا، إلى تقليل ساعات العمل أو الإغلاق الكامل.

وأكد مكتب الإحصاء الوطني في الصين في أغسطس/ آب الماضي أن قطاع صناعة الصلب شهد تراجعا في الأرباح بحوالي 80 في المئة على مدار الأشهر السبعة الأولى من 2022 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

عقارات
Getty Images
أزمة سوق العقارات في الصين تزيد من التهديدات التي تواجه الاقتصاد

بعد ذلك، تدخلت السلطات الصينية بعشرات المليارات لدعم شركات الطاقة والمزارعين.

5. عمالقة التكنولوجيا في الصين يخسرون المستثمرين

يبدو أن الحملة التي شنتها السلطات الصينية على عمالقة التكنولوجيا في البلاد، والتي استمرت لعامين، لم تحقق شيئا لصالح الاقتصاد الصيني.

فشركات تكنولوجيا صينية عملاقة، مثل تنسنت وعلي بابا، أعلنت تعرضها لخسائر للمرة الأولى في الفترة الأخيرة، إذ أعلنت هبوط أرباحها بحوالي 50 في المئة في حين تراجع صافي دخل علي بابا بحوالي النصف.

وفقد عشرات الآلاف من الشباب وظائفهم - وهو ما يضاف إلى أزمة التوظيف التي تعيشها البلاد بالفعل، إذ يعاني 1 من كل 5 أشخاص في الفئة العمرية من 16 إلى 24 سنة من البطالة. ومن المرجح أن ذلك قد يلحق أضرارا الإنتاجية والنمو في الصين على المدى الطويل.

ويستشعر المستثمرون تحولا في الصين - إذ تعرضت بعض الشركات الخاصة الأكثر نجاحا في الصين لمزيد من التدقيق من قبل الحكومة مع زيادة إحكام جينبينغ قبضته على السلطة.

ويبدو أن الشركات المملوكة للدولة تتمتع بالأفضلية في السوق الصيني، مما يدفع المستثمرين إلى سحب أموالهم من البلاد.

فعلى سبيل المثال، سحب بنك سوفتبانك الياباني مبالغ ضخمة من استثماراته في عملاق التجزئة الصيني علي بابا في الوقت الذي تعرض فيه شركة بيركشاير هاثاواي، المملوكة للملياردير وارين بافيت، حصتها في شركة السيارات الصينية الكبرى "بي واي دي" للبيع. وتعرضت شركة تينسنت لسحب استثمارات بحوالي 7 مليارات دولار هذا العام فقط.

كما تشن الولايات المتحدة حملة على الشركات الصينية المدرجة في مؤشرات الأسهم الأمريكية.

وقال تقرير صدر عن وكالة ستاندردز آند بورس للتصنيف الائتماني: "بعض قرارات الاستثمار أُجلت، كما تسعى شركات أجنبية إلى التوسع في إنتاجها في دول أخرى".

ويبدو أن العالم أصبح معتادا على حقيقة أن الصين لم تعد منفتحة على عالم المال والأعمال كما كانت في السابق، لكن الرئيس الصيني يخاطر بالنجاح الاقتصادي الذي وضع الصين في مكانة متميزة بين دول العالم في العقود الماضية.