في العدد من الآطام
محمد الحرز يستنطق تجربة يوسف المحيميد الشعرية، القصصية، الروائية.
صدر العدد الثالث والعشرون من مجلة الآطام, المجلة التي يصدرها نادي المدينة المنورة الأدبي وهي تعنى بالإبداع والدراسات الأدبية. ويرأس تحريرها الناقد والباحث محمد عيد الخطراوي ينوب عنه الناقد والكاتب السعودي محمد إبراهيم الدبيسي أما عضوا لجنة التحرير فتتكون من الشاعر عيد الحجيلي والقاص والصحفي عبد الحفيظ الشمري. وكعادتها تقدم هذه المجلة في عددها الجديد دراسات أدبية جادة لكبار النقاد والكتاب من مختلف أنحاء العالم العربي من مشرقه الى مغربه, كما تقدم الجديد من الإبداعات القصصية والشعرية.
بعد كلمة التحرير التي كتبها الأستاذ محمد العيد الخطراوي نقرأ في باب دراسات ومقالات: الوعي الذاتي بالأخر في شعر صلاح عبد الصبور لعادل ضرغام، الكتابة الروائية: المغامرة وآفاق التجريب للناقد والباحث المغربي صدوق نور الدين، تجربة يوسف المحيميد، التحولات، لعبة الاستيهام، القارئ لمحمد الحرز ويرى الحرز أن يوسف المحيميد يقدم تجربة إبداعية متحولة، لا تقف عند حدود الشكل، بل تذهب الى حس المغامرة بروح الرغبة في تجديد الوعي السردي شعريا وروائيا. لكن الرغبة تحكمها التجربة, والتجربة تقودها شخصية يوسف ذاتها الى السمات التكوينية التي انطبعت في ذهنيته وثقافته وإبداعه. هذا التجاذب بين الرغبة والتجربة هو الأكثر دلالة على مفصل التحولات في أعمال يوسف الإبداعية, وهو كذلك دلالة كبرى على سعة التصورات وعمقها التي طالت مفهوم الإبداع والأدب بوجه عام في مشهدنا الشعري والروائي, وبالتالي تكمن قيمة المنجز الأدبي المحلي ndash;سواء في القصة أو الشعر- ليس في الاصطفاف التراكمي الذي شهدناه في الآونة الأخيرة فقط, وان كان هذا له أهميته على المدى البعيد, وإنما في القيمة الفنية التي تحقق تطورها على مستويين من التعالق: الأول هو ما يتصل بنظرة المبدع للحياة, ومن ثم طريقة تحويل هذه النظرة إبداعيا الى نص, يعكس بالدرجة الأولى جدلية الوعي بالحياة من خلال قيم: الخير والشر والحرية والعدالة والجمال الى أخر هذه القيم التي يدور حولها الإبداع بشكل عام.
يضاف الى ذلك حساسية الوعي الذاتي للمبدع تجاه تحولات هذه القيم في نصه، وبالتالي مدى إدراكه للمبررات الفنية التي يسوقها لأجل القارئ المفترض في ساحتنا المحلية.
أما الثاني فهو ما يتصل بنظرة المبدع للمجتمع في تحولاته في التاريخ والثقافة, أي النظرة التي تشبه حركة البندول في تأرجحها بين الاديديولوجيا واليوتوبيا, بين الحس التاريخي, وبصيرة التغيرات المستقبلية للمجتمع. إن تلك النظرتين قابلتين للمراهنة, وان بمقدورهما قياس درجة الوعي الأدبي بالحياة والمجتمع والتاريخ وفق الوثيرة المتصاعدة لحركة مجتمعنا المحلي منذ نهاية الثمانينيات وبداية عقد التسعينات.
ففي مجال القصة يرى الحرز أن يوسف المحيميد- منذ إصداره الأول quot;ظهيرة لا مشاة لهاquot; في أواخر الثمانينات- اعتمد من منظور أدواته الإبداعية على تقنية الوصف باعتباره تقنية ترتكز على عناصر ثلاثة: المجاز والتحفيز والمشابهة, وهي عناصر تفضي بالسرد الى التكثيف والتقطير, لذلك نجد شخصيات قصصه تخضع في متوالياتها السردية لمتطلبات الخطاب وليس للواقع, أو كما يسميها بيتر بروكس تخضع لمشابهة الواقع, وهذه إحدى المهمات الأساسية للسرد القصصي. لقد جرى تدويل هذه التقنية أيضا في مجموعته القصصية اللاحقة quot; رجفة أثوابهم البيضquot; الصادرة في بداية عقد التسعينيات، ولكن عبر مقاربات موضوعية تتصل بثنائية ( الحلم والواقع ), وسوف نقترب أكثر من هذه المجموعة فيما يلي تاركين الأسباب والمبررات فيما يليها من تحليل.
يقول اراغون في فلاح باريس:quot; لا أظن أن الحلم هو تماما نقيض الفكر ما اعرفه منه يجعلني أميل الى الاعتقاد بأنه ليس إلا شكلا من الفكر أكثر حرية وأكثر خصوبةquot;.
إن دلالة المقولة تتأصل تماما في تمظهرات تلك الثنائية من خلال البنية السردية للنص, حيث سنحاول تتبع مجمل هذه الثنائية باعتبارها تعكس الوعي السردي للكاتب.
كما يرى الحرز أن شكل الكتابة عنده تأخذ أبعادها المعمارية أو تتشكل في القص- كما قلنا سابقا- عبر بناء السياق النصي لثنائية ( الواقع/الحلم) التي يبحث الكاتب من زاويتها عن عالمه القصصي تاركا انثيالات اللحظة بارتهاناتها النفسية والاجتماعية والثقافية تستمد جذورها من تدفقات اللاشعور, وهو بذلك يفتح أفقا قصصيا ينطلق من الذات واليها يعود وفق مشروطية هذه الثنائية. من هذا المنطلق نراه يرصد حركة الحلم وهو يتشظى أمام الواقع المعاش بلغة حكائية مكثفة تعطي انطباعا على إمكانية تجاوز التمحور الذاتي وتعديه، وبالتالي ينفتح النص على القراءة الواعية وفي عدة اتجاهات فمنذ اللحظة الأولى التي ندخل فيها الى عالم هذه المجموعة نجد أن العنوان يضعنا أمام هذه الثنائية وبشكل صدامي مؤثر يجعل القارئ يستشعر عمق الحدث المنتظر والمتغلغل داخل البنية السردية للمجموعة فكلمة (أثوابهم البيض) من دلالة على وجود القيم المثالية المجسدة عبر الحلم المقموع. وحول ديوان يوسف المحيميد quot; لابد احدا حرك الكراسةquot; يتساءل الحرز هل ثمة اتصال أو انفصال بين وعيه السردي القصصي من جهة, وبين وعي المجموعة الشعري من جهة أخرى؟ قد يبدو من المهم لنا هنا أن نوضح وجه التباين الذي يضع الوعي القصصي قبالة الوعي الشعري, وان كان هذا التباين لا يشكل معيارا تنبني عليه قيمة العمل الإبداعي، لكن ما نقصده من وراء هذا الإجراء، هو الوقوف على نقطة التحول المفصلية، وتداعياتها الجمالية وقبل ذلك الحياتية، وأثرها على تصورات وعي المجموعة شعريا.
إن أولى هذا التباين يكمن في مفهوم المنطق السببي كمنظور تقني داخل السرد, وثانيه هو أفق القارئ الضمني او المثالي الذي يوجه دلالة التأويل. إن هذين العنصرين هما بمثابة السمة التي تتحكم في تصورات يوسف شعريا وقصصيا، وبالتالي أعطته القدرة على تمييع الحدود بين الاثنين دون أن تفقد اللغة الشعرية خاصيتها التكثيفية والإيحائية من جهة، ودون أن يفقد السرد تداعياته السببية من جهة أخرى، وبين الاثنين تتحرك نصوص المجموعة بالطريقة ذاتها : في نص quot;موتquot;.
وعن عالم المحيميد الروائي يرى الحرز أن نص quot;لغط موتىquot; يشكل عتبة للدخول الى العالم الروائي، وباعتباره كذلك فقد عكس حالة من الإرباك، انعكست تماما على تصنيفه الأجناسي. رأينا ذلك من خلال خروجه من المطبعة مرة تحت مسمى رواية منشورات quot;دار الجملquot;، ومرة أخرى تحت مسمى quot;قصصquot; منشورات اتحاد الكتاب العرب. يقول على لسان سارده quot;أنا أفكر أن اكتب روايةquot; .
هذا الهاجس يخترق هذا النوع من العمل التجريبي بوصفه عملا يحتل فيه قانون الكتابة الروائية المساحة الكبرى, فالعلاقة فيه بين البنية السردية والشخوص لا تعتمد على الحدث وتقنياته، وإنما تعتمد بالأساس على الاحتمالات الممكنة من الصياغات التعبيرية والأفكار المتصارعة التي تتشكل في الذهن لحظة الكتابة الروائية كما يرى الحرز في دراسته المطولة لتجربة المحيميد إن رواية quot; فخاخ الرائحةquot; تتجاوز العتبة، وتضعنا أمام عمل لا يرتهن في تدفقه سوى للوحدة العضوية لمكونات النص، بحيث يصير هذا النص وسيطا لنقل حقائق ودفق أفكار تتزاحم في ذهن الشخوص الرئيسية كذوات متفاعلة مع الواقع الذي تنهض منه. بينما في رواية القارورة يقل هذا التدفق حسب تشكل الشخوص وامتداد صفاتهم وأفعالهم وعلاقاتهم داخل السرد. وإذا كنا نجد من جهة انزياحات أسلوبية وتقنية طورها يوسف باتجاه وعيه السردي الروائي بالمقارنة مع عمله السابق، فإننا نجد من جهة أخرى بعض التباين في رسم الشخوص، وسنقوم بانتخاب شخصيتين رئيسيتين لتأمل صفاتهما عن قرب. الأولى تنتمي الى quot;فخاخ الرائحةquot; والثانية الى quot;القارورةquot;. وذلك لكي ندلل من خلال مركزية النظرية الى الشخوص-أولا- على اتساع رقعة دلالات النص بين قارئه او مؤوله، وبين شخوص. وبالتالي ndash;ثانيا- الحصول على عدد من القراءات حسب المعالجة الاستيهامية للواقع التي تنتظم في خيط رابط من خلال شعرية السرد، ويمكن أن نستشعر ذلك من خلال دلالة العنوان وامتداد أثره الجمالي على متلقي الخطاب.
وتكتب أسماء أبو بكر : صراع العلامات اللالغوية في القصيدة الحديثة وترى أسماء أبو بكر إن التشكيل الطباعي للعلامات اللالغوية - مثل الاستفهام والأقواس الشارحة والخطوط المائلة والنقاط المحذوفة وغيرها ndash; دورا متميزا في بنية القصيدة الحديثة مما يحول هذه العلامات اللغوية إلى شفرات تتصارع مع بنية الدوال اللغوية من اجل إنتاج الدلالة الكلية. إذ يعمد التشكيل الطباعي للقصيدة الحديثة إلى تقنية من تقنيات الطباعة، لها سيمائيتها في النص الشعري وتتمثل في توظيف علامات لا لغوية تتصارع مع العلامات اللغوية، فيوظف الشاعر ndash; على سبيل التمثيل ndash; تقنية الاستفهام تلك التقنية التي تتبلور في الرؤية التساؤلية عبر سياق تتمكن منه علامات الاستفهام، فيتكئ السطر الشعري على مرجعية تساؤلية، لتتجسم المحصلة النهائية للنص الشعري، الذي يمثل حالة من حالات الحيرة والقلق والخوف، ويتناسب ذلك مع توظيف تقنية السؤال في الرؤيا الشعرية. ويجيء التشكيل الاستفهامي ليخترق بنية النص الشعري محدثا نوعا من التقطع في سيلان الخطاب ثم المعاودة مرة أخرى لتواصيلة الخطاب، أو يتوقف تدفق النص.
ومن قصص هذا العدد نقرأ: قصص قصيرة جدا ليوسف المحيميد كيف أنقد وانغ فو: مارغاريت يورسنار، ترجمة رشيد برهون اختلاس نظرة من فرجة أصابع: هبة البيتي، سرداب التاجوري: مريم خليل الضاني. ونقرأ في العدد قصائد: مقهى الأرواح لعارف حمزة، المشاؤون لفاطمة ناعوت، إيقاع النافذة لمها الجهني، عكازة في نهر خجول لمحمد علىالفوز.
وفي باب المتابعات يكتب الكاتب المغربي كمال عبد اللطيف قراءة في كتاب quot; نساء على أجنحة الحلمquot; لفاطمة المرنيسي، ويكتب يوسف العارف: الصيف والقراءة الإنتاجية: قراءة نقدية لمجموعة من المنجزات الشعرية. ويكتب الناقد المغربي محمد معتصم رواية المناطق المعتمة وهي قراءة نقدية في رواية quot;الصحنquot; للروائية المعروفة سميحة خريس.
ولم تفت المجلة أن تذكر قراءها بكتاب العدد القادم وهم: فاطمة الوهيبي، نضال الصالح، إبراهيم الحجري، كمال الرياحي، مشتاق معن، محمد عبد الرحمان يونس، محمد مفتوح، إبراهيم الكراوي، محمد الشنطي، عبد الله العساف، شعيب حليفي، حسن النعمي، عدنان الضاهر، علاء جبر المرسوي، علي القاسمي، جواد وادي. جاء العدد في 250 صفحة وصمم غلافه الفنان محمد سيام.
[email protected]
التعليقات