نور سلمان: هدوء واناقة في التعبير وحب يطاول التصوف

بيروت من جورج جحا: في قراءتنا مجموعة قصائد الدكتورة نور سلمان التي جاءت بعنوان quot;رغم كل هذاquot; نواجه لغة مموسقة بهدوء فى حالات الحنين والتذكر والغضب وحتى في لحظات التفجر.. فتفجر الشاعرة عميق لكنه دون دويّ. وفي قصائد نور سلمان النثرية فضلا عن الهدوء اناقة في التعبير واطلالات quot;ارستقراطيةquot; لغة واداء حتى حيث يتناول الحديث شؤونا من يوميات الحياة العادية.
قسم من قصائد المجموعة بدا quot;فردياquot; يجسد حبا خالصا في تناوله النفس والوجدان بل يكاد يرتفع احيانا الى عالم صوفي في بعض سماته. إلا أن القسم الاخر الذي تبدو عليه quot;عموميةquot; في تناوله موضوعات عامة وطنية واجتماعية لم يتخل عن لغة المشاعر الهادئة والانيقة حتى في حالات النقمة والتمرد ولم يتحول إلى quot;جماهيريquot; حتى حيث يتناول الجماهير. إنه كلام له حدود واضحة من الكياسة واللياقة التصويرية والتعبيرية. صدرت المجموعة عن quot;دار نلسنquot; في بيروت في نحو 125 صفحة متوسطة القطع بغلاف من تصميم نورما بختي. واشتمل الكتاب على 37 قصيدة قسمت إلى قسمين الاول ورد تحت عنوان فرعي هو quot;من الحبquot; وفيه 16 قصيدة والثاني عنوانه quot;من الحلم والحقيقةquot;.
قبل الدخول إلى القصائد تقدم نور كتابها بكلمات شعرية مشبعة تبقى على رغم وضوح ظاهر مفتوحة الابواب على التصور والفهم الخاص عند القارىء. تقول quot; رغم كل هذا/ يبقى لي/ ان اكون لك.quot; القصيدة الاولى quot;نعم للحبquot; تنعي تدهورا وسقوطا لكثير من المشاعر البشرية في غير ما خلقت له بل في نقيض ما نتصور أنه أريد لها أن تكون وبقيت هناك قلة حالمة من quot;دينوصوراتquot; المفاهيم السالفة quot;الخالدةquot;. ولنقل هنا إن ابتذالا وسياسة نفعية وتسطيحا سيطرت على مشاعر الانسان وتصرفاته وهذا ما اغضب الشاعرة التي لا تعبر عن غضبها بهدير بل بشكل وصفي وهدوء مستنكر.
تقول quot;سقط/ سقف البيت/ سقط الرجل/ في جيوبه/ سقطت امرأة الشوق/ تحت جسدها/ سقط الطفل/ في وحول الكبار/ سقطت الجماعة/ في مهاوي الخديعة/ وما زالت الشمس تشرق للنهار/ ما زالت النجوم/ ترصّع سماء الليل/ وانت/ ما زلت تقول/ نعم.. نعم/ للحب.quot;
وتعود نور إلى تلك الايام السالفة في قصيدة تسميها quot;الايام العاريةquot; وفيها تقول quot;من زمان/ من زمن/ رحرح الناس/ كان للعشق/ قدر الشعر/ وقبلة العجائب/ كان نعيم العمر/ كانت الحبيبة اميرته/ والحبيب كان اميرها/ كان العشق/ امام الهيكل/ ومشرق العرافة.../ من زمان/ كان العشق/ صلاة جميلة .../ اليوم/ افترس العشق/ عطش وجوع/ في فراش القلق/ اليوم/ اضاع العشق اسراره/ في ايام عارية/ بلا اسرار.quot;
وفي quot;جحيم الساعات الكاسرةquot; تقول quot;القاك/ في نعيم دنياي/ في ليل الحب/ في شمس السماء/ وقمرها ونجومها/ في شفاه الورود/ في اخضرار الحقول/ في عنفوان الشجر/ القاك/ في اشواق الاطفال/ في اسفار الشعر...quot;
في quot;لم تكن انت في السؤالquot; نسيم حزن جميل يمر فوق الكلمات الانيقة الهادئة. والنسيم هو كما يبدو quot;اعتىquot; العواصف التي تسمح لها الشاعرة بان تجتاح نفسها. تقول quot;لم تكن انت/ في السؤال/ موحشا/ كان السؤال/ ضممته لاهثة/ تلسعني غربة جافة/ كل شيء/ يتغير/ بغيابك/ الحنين يتفسخ/ الحيرة الحارة/ تتخشب/ الشوق يترنح/ وجلا مكسوفا...quot;
وفي quot;دوّار الساعةquot; نسمة حزن أخرى جميلة وجارحة في الحديث عن ماساة الانسان ازاء الفراق والوحشة والزمن الخفي الذي يسحقنا بقدميه اللتين تتجنبان الضوضاء وتصطنعان لطفا قاتلا ببطء كمخدر ناعم. تقول نور quot;يوما واحدا/ غير الايام/ دعه لي/ اعبر به/ كل ايامي/ يوما واحدا/ انت/ زمان/ ليله ونهاره.../ يوما واحدا/ من ايامي/ ضمه اليك/ حتى الملم/ زماني/ ويهون علي/ دوّارالساعة.quot;
ومن نماذج القصائد ذات السمة العامة الوطنية او الاجتماعية قصيدة quot;الرغيف المجزّأquot; مثلا حيث تقول quot;كلما اطلوا برؤوسهم/ للوعد/ اقلب حسابات الوجع/ في وطني/ تمر في قلبي/ سيرة الفقر والقلق/ كلما اطلوا برؤوسهم/ للعرض/ يرعد فيّ الغضب/ وانسى احلامي/ كلما اطلوا برؤوسهم/ للبقاء/ تسيل ذاكرتي/ بالخطأ والخطايا/ كلما اطلوا برؤوسهم/ فوق المنابر الباسقة/ تخنق اذني/ شكوى البسطاء...quot;
في quot;وقع الشعر في الحيلةquot; حديث عن المثالي والواقعي وما بينهما من مفجع يضربنا به الزمن. تعرض الشاعرة حالات مختلفة من الانخداع والخيبة. ومن ذلك قولها quot;وقع الشعر/ في الحيلة/ قال لنا/ اننا حاضرون/ ونحن/ نعدّ خطواتنا للغياب/ هوى الشعر/ في الحيلة/ قال/ اننا افخم من الاسد/ واعظم من النسر .../ وارق من الورد/ ونحن على ارضنا/ نخادع ايامنا/ نهزم رؤانا...quot; (رويترز)