الدوحة - خالد الباتلي

أحمد عبدالملك إعلامي قطري حتى الثمالة... مارس كل الفنون الإعلامية واختط لنفسه خطاً جعل الكراسي والمناصب لا تحفل به كثيراً... حريته وقيمه هي وقوده في المدلهمات.رؤاه الخليجية تجعله يقرأ المتغيرات جيداً ويمنح الاستراتيجيات المناسبة للانطلاقة، ينتقد كثيراً الإدارة الخليجية للإعلام الخليجي، ويرى أنها سبب في تباطؤ خطى الإعلام عندنا، يرى في الصراع بين السياسة والمجتمع حراكاً سيتولد عنه كل خير شريطة ألا يتم حجب النخب الفكرية عن الجلوس إلى صانعي القرار.
عندما أحس بأن الجو الإعلامي يكاد يخنقه هرب بقلمه إلى فضاء الرواية والأدب، وهناك بدأ مرحلة جديدة في حياته وجد فيها تفاصيله أكثر... إلى الحوار:
gt; بيروت، نيويورك، ويلز... أيها أسهم في تشكيلك أكثر؟
- لكل مدينة ألقها وسحرها وعذاباتها. بيروت كانت محطة التشكل في اللغة العربية والقراءة والمراهقة والانفلات من المحظور السياسي والاجتماعي. نيويورك علمتني الحرية والمسؤولية والمطالبة بالحقوق وعدم السكوت على الضيم، كما علمتني اللغة الإنكليزية وأسهمت في توسيع دائرتي الإعلامية وصقل تجربتي التلفزيونية. أما ويلز وعاصمتها laquo;كارديفraquo; فكانت بطيئة الإيقاع، مُبكرة النوم، وتعلمتُ فيها الكتابة البحثية، والسهر مع المراجع وثقافة المكتبة؛ ومسَحت من قاموسي كثيراً من زوايا اللغة العربية الوردية. كارديف أيضاً علمتني الصبر والقلق، ذلك أن الفشل لا يبتعد كثيراً عن النجاح، فرفض الرسالة يعني أن تقضي ثلاث سنوات أخرى في بحث آخر. ولكن لله الحمد تم كل شيء بخير.
gt; بين الأدب والإعلام... لماذا اخترت التأرجح؟
- يا أخي حياتنا كلها متأرجحة! نحن لسنا من الأمم الثابتة... وتجدنا يوماً laquo;فوقraquo; ويوماً laquo;تحتraquo;! هذه أقدارنا. أما التأرجح بين الأدب والإعلام، فأنا أسميه التكامل وليس التأرجح! لأن الإعلام كان وظيفتي أما الأدب فكان هوايتي. ووجدت في النهاية أن الخلود للأدب وليس للإعلام - الذي تجتاحك فيه لجَجٌ عاتية لا تعرف على أية صخرة تقذفك! أما الأدب فأنت الذي تختار موقعك وزمنك وشكلك الإبداعي.
gt; الرقابة... ما فلسفتك تجاهها؟
- الرقابة موقف ممجوج وغير حضاري، ونحن مازلنا في حربنا مع رموز الرقابة ومطالباتنا المتكررة بحماية الصحافي والدفاع عن حرية التعبير، ورفض أساليب الإعلام التنموي الذي كبّلنا لفترة طويلة ورهن عقلنا في سجن الخوف والحذر.
gt; كنتَ رئيس تحرير لأكثر من صحيفة في فترات متباعدة... هل كرسي الرئاسة يستحق؟
- صدقني كرسي رئاسة التحرير صعب ولا يستحق أن تبذل فيه حياتك وأعصابك ووقتك! ثم إن laquo;الذاكرة الجماعيةraquo; تنسى كل مواقفك ومشاريعك واقتراحاتك، وتجد نفسك - بسبب كلمة أو صورة - مُلقى خارج مبنى الصحيفة، ويشطبون تاريخك من الذاكرة الصحافية. وللأسف، فإن كرسي رئاسة التحرير لا يستقر.
أنا لا أحسد رئيسَ التحرير أينما كان، لأن حجم المسؤولية، والعذابات بين شرف المهنة وأوامر المسؤولين في الصحيفة وطلباتهم لا تستحق أن تفني عمرك فيها. لكن صدقني أكثر رؤساء التحرير المؤهلين لا يجلسون على ذاك الكرسي كثيراً! وكثيرون من الذين يجلسون على تلك الكراسي لسنوات طويلة لم يمارسوا العمل الصحافي ولم يتأهلوا علمياً في الصحافة! بل قد يكونون من laquo;أهل الثقةraquo;! وتلك مقاربة صعبة وحذرة لا نريد الدخول إليها. ولقد تقدّمت باستقالتي عند شعوري بأول مبادرة لشراء قلمي وخرجت. أنام اليوم مرتاح الضمير لأنني لم أرهن قلمي تحت رحمة أحدهم.
gt; كيف ترى عمر الإعلامي الخليجي في الساحة مقارنة بأقرانه دولياً؟
- الإعلامي الخليجي عمره قصير جداً في الإعلام الخليجي! أنا لا أفهم مغزى ثقافة الإقصاء التي تمارسُ ضد الإعلاميين الناجحين! والمشكلة أن الإعلامي الناجح - بحكم علاقات الدول الخليجية - لا يتم استقباله في محطات أخرى أو صحف أخرى! على عكس الإعلامي الوافد الذي لا تبلغ تجربته وخبراته نصف تجارب وخبرات الإعلامي الخليجي! حيث تفتح له الأبواب والصدور ويُمنح رواتب عالية جداً من دون مبرر. بل يتم التسابق عليه!
نحن نعيش عصر المزاجية، ويكفي أنك لا تُعجب أحدهم حتى يَصدُر قرارُ فصلك أو منعك من الظهور على الشاشة أو ممارسة عملك في الإذاعة، حتى لو كانت سنك لم تصل إلى الخمسين! وهذا التوجّه يؤسس لجيل من الإعلاميين العاملين في الخليج لا يدركون مكونات الثقافة الخليجية ورموزها، بل ويعدون البرامج بلهجات عربية، بحيث أنت تستمع إلى محطة خليجية وتجد نفسك أمام 5 لهجات في ساعتين. هذا الإعلام - وأعني به الإذاعة والتلفزيون - أصبح مخطوفاً ولا بد للمسؤولين من مراجعة ذلك!

القنوات الفضائية وقضايانا
gt; تتناول القنوات الفضائية قضايانا الاجتماعية بشكل مشوه، لماذا لا يمكننا تناول قضايانا بأنفسنا؟
- الفضاء مفتوح للجميع. ولا يمكن الحَجر على الرأي! إن كنت تقصد المسلسلات الخليجية، فأنا معها ولست ضدها، وأشدّ على أيدي القائمين عليها. نحن نريد الغوص في مشكلاتنا وقضايانا الخليجية حتى وإن كانت صعبة أو يجب مداراتها. وإن كنت تقصد البرامج فالأولى بمحطاتنا أن تتناول قضايانا بروح من المسؤولية والشفافية، حتى لا تسمح لتلك الفضائيات بتناول تلك القضايا.
لابد أن نزيل الخوف والتردد من التابوهات الاجتماعية والتصنيفات الثيوقراطية، التي حجّمت عقولنا لحقبٍ طويلة! نحن لن ننطلق إلا بمناقشة قضايانا بشفافية وصدق وألا نترك مجالاً لفضائيات laquo;العبثraquo; والتكهنات والإشاعات من تناول تلك القضايا! المشكلة فينا وليست فيهم.
gt; العنصر الخليجي هل يملك أدوات اللعبة في العمل الإعلامي؟
- كثيرون لا يثقون بالعنصر الخليجي. وهذه إشكالية كبرى، صحيح ان مُلاك الفضائيات والصحف ورؤساء مجالس إداراتها من الخليجيين، ولكن يظل دورهم محدوداً في رسم السياسات والتمويل وجنيّ الأرباح، أما مُخرجات المهنية ودهاليز الأسس الإعلامية، فتظل بيد غير خليجيين من المنفذين.
gt; لماذا الثقافة مهمشة في إعلامنا الخليجي؟
- الثقافة مهمشة ليست في الإعلام فحسب بل في السياسات العامة. لذلك نجد الثقافة مُلحقة دوماً بوزارة الثقافة أو وزارة التعليم، حيث الزخم يذهب إلى الوزارة الأم، ويُرمى بالفتات للثقافة. هذا من ناحية التصنيف السياسي. أما من ناحية البرمجة أو النشر، فأنا أعتقد أن الإعداد الثقافي أمرٌ صعب على عقلية كثيرين من معدينا ومذيعينا، كما أن الصرف الذي نجده على الرياضة وبرامجها - بمئات الملايين - لا يُصرف على الثقافة، وتلك سياسة لا أجد لها مبرراً، بل إن الصفحات الثقافية في الصحف تُنتهك حرماتها عندما laquo;يستفحلraquo; الإعلان على الجريدة.
إن منطقتنا مهمشة تاريخياً وحضارياً وثقافياً، حيث ان العرب والغرب لا يعرفون عن هذه المنطقة إلا النفظ والحروب! ولقد جاء الوقت لتصحيح هذه الصورة عبر نشر التراث الحضاري وملامح التوجهات الجديدة في الأدب والمسرح والغناء.
أما على المستوى الصحافي، فإن كثيرين ممن يشرفون على الصفحات الثقافية في صحفنا الخليجية يتجاهلون الأسماء المحلية أو الخليجية، ويفضلون ما تأتي به مكاتب القاهرة وبيروت من أخبار وتغطيات.
gt; أقسام الإعلام في جامعاتنا... هل ننتظر منها حراكاً إعلامياً مؤثراً؟
- عدد من جامعاتنا يكره التجديد ويحبّ العادة أو التقليدية، وأقول هذا عن تجربة، فأسلوب التلقين والحشو مازال يسيطر على نهج كثير من أقسام الإعلام في الجامعات الخليجية. بل نحن نشهد في بعض الجامعات خلوها من الأكاديميين المواطنين وهذه كارثة. الأيديولوجيات تسيطر على بعض الجامعات الخليجية وكذلك الجنسيات!
نحتاج لتنظيم العلاقة بين أقسام الإعلام في الجامعات الخليجية ووسائل الإعلام. هل تصدق أن أقل من 20 في المئة من خريجي الإعلام - في بعض دول الخليج - يعملون في الإعلام! هنالك خلل.

تكامل وتنافر الإعلام الخليجي
gt; وأنت خبير... هل تشعر أن القنوات الإعلامية في الخليج أسهمت في تكامله أم في تنافره؟
- قلت سابقاً إن الإعلام مجال تنافس وليس مجال وحدة. إن ظروف كل بلد خليجي حتمت مسارات الإعلام فيه. الإعلام الخليجي ليس نسخة واحدة وهذا أمر جيد ومطلوب. لقد مرت فترة أسهمت الفضائيات في تنافر بعض دول الخليج، وهذه حقيقة لا نستطيع الهروب منها.
بل إن المحطات الرسمية والصحف الملتصقة بالدولة أسهمت في ذلك التنافر إثر الخلافات السياسية، ولكن اليوم نلاحظ تلاشي هذه الظاهرة بحكم التقارب السياسي وحل المشكلات.
gt; نملك الثروة... لكننا لا نملك التأثير الإعلامي... أين الخلل؟
- دول الخليج تملك الثروة لكنها لا تملك التأثير الإعلامي على المستوى الدولي! الخلل أننا منطقة لا تخلق الحدث، ولا تتصارع فيها أيدولوجيات عدة. كما أننا - سياسياً - نصادق الولايات المتحدة ونوكل إليها أمورنا في العديد من القضايا المهمة.
كما أننا لا نملك الإعلان، وليست لدينا صناعة إعلامية. فكيف يمكن أن نؤثر إعلامياً في العالم؟! لم نخطط لان نكون منطقة تأثير. وليست تلك المهمة من اهتماماتنا. نحن نستهلك الإعلام ولا نصنعه.
gt; متى يزول الإعلام الحكومي؟ وهل تجد في إلغاء وزارات الإعلام ظاهرة حضارية؟
- الإعلام الرسمي لن يزول، لأن الدولة أو النظام دوماً بحاجة لهذا الإعلام، مهما تحدثنا عن الحرية أو الانفتاح، وبالطبع إلغاء وزارات الإعلام يزيد العبء على المؤسسات الصحافية؛ ورؤساء التحرير بالذات.
gt; قناة laquo;الجزيرةraquo;... هل أعادت الحياة للساحة الإعلامية؟
- لا أود أن أمتدح قناة laquo;الجزيرةraquo; حتى لا يتسلل الظنُ السيئ لبعض الأمخاخ! قبل قناة laquo;الجزيرةraquo; لم تكن هنالك حياة إعلامية؛ بل مجموعة من وسائل الاتصال تهللُ وتكبّر للدولة - أي دولة - وتفاخر بمنجزاتها، وتقدّمها على أنها الجمهورية الأفلاطونية. وكان الإعلام رأسياً، حاداً ضد النقد، موارباً ومُعتمداً على ما تجود به وكالات الأنباء العالمية من أخبار.
قناة laquo;الجزيرةraquo; صنعت الخبر وتابعته واختطت طريقاً فيه الكثير من حرية الرأي، وقد نختلف هنا على مسارات هذه الحرية، وهذا شيء طبيعي، ولكن قلت سابقاً إن قناة laquo;الجزيرةraquo; حركت المياه الراكدة في العالم العربي وأزالت الغبار الذي تراكم على الإعلام العربي، وضمت بعض الإعلاميين المهنيين ضمن موظفيها.
gt; النكهة الخليجية هل لا بد من حضورها في إعلامنا؟
- لا بد لكل إعلام أن يتحدث عن البعد الجغرافي الذي ينطلق منه! وإذا لم يتناول الإعلام القضايا المحلية فإن الجمهور ينصرف عنه. نحن لا نبالغ إن نادينا بتعريف العالم بمنطقة الخليج، وهذا حق!
والنكهة هنا لا تقصد فيها اللهجة بالطبع، بل المكونات الحضارية للشعوب التي تعيش في المنطقة! صورتنا في الإعلام العالمي - بل وحتى في الذهنية العربية - ليست كما نود! نحن لسنا كلنا نمتلك آبار نفط وغاز، ولسنا نعيش في رفاهية، ولا يولد كلُ أطفالنا وفي أفواههم ملاعق من ذهب وفضة!
نحن لدينا مشكلاتنا الإدارية وشؤوننا الوظيفية، فينا الظالم والمظلوم، وفينا الغني والفقير، وفينا من يتسلم إعانته الشهرية من وزارة الشؤون، وفينا من يتطلع إلى نبأ زيادة الرواتب. إعلامنا يجب عليه أن يُظهر هذه (النكهة) أو السمات الواقعية لشعوب الخليج؛ حتى لا يعيش الشعب العربي في وَهم الثراء الخليجي المزعوم أو أنه أرض الميعاد العربية!
إذن فنحن عندما نطالب بتوطين الإعلام فذلك لا يعني الانغلاق وسط دائرة التراث والانحناء له. بل بتوسيع المدارك، ونقل الصورة الحقيقية عن شعوب الخليج. لقد أعددتُ مشروعاً تلفزيونياً عن هذه القضايا؛ لكن الأوضاع لم تسمح له أن يرى النور.
gt; وتيرة التغيير في المجتمع الخليجي... هل هي تشبه حقبة الستينات أم أنها اتخذت مساراً آخر لها؟
- بالطبع ليست كذلك، في الستينات كان الصراع حول حقوق العمل والعمال، وبين الشعوب ومعاهدات الانتداب، بين الأمية والتعليم، وبين التحديث والانغلاق، وكان الدين يُحشَر في هذه المعادلة.
وأسهم التعليم في بعض دول الخليج في تسريع وتيرة التغيير، وبالتالي الوعي أو التجاوب الحكومي لحقوق المواطنين وتحوّلهم من laquo;رعاياraquo; إلى مواطنين مع حقب الاستقلال في بداية السبعينات. أما اليوم فهنالك إيقاع سريع نحو التغيير، وإن اختلف بين دول الخليج! بعض شبان وشابات الخليج يعيشون (شيزوفرانيا) التغيير، وهم تائهون أو حائرون بين واقع التغيير في بلدانهم وواقع الدول الأخرى التي يسافرون إليها.
إن التغيير الذي نريده ليس في المظهر بل في المخبر. نريد تغييراً في العقول وفي الرؤية. نريد تبصير الشباب بحقوقه المدنية، وأن نخرجهُ من مرحلة laquo;الوطنيةraquo; المتشنجة إلى مرحلة المُواطنة الصالحة التي لا بد من أن يوفرها الحكمُ الرشيد.
هذا التغيير هو الذي يقود نحو الإصلاح وبناء المجتمعات الصالحة التي تخدم أوطانها. أما القشور التي توفرها الطفرة الحالية فهي ليست تغييراً، بل إنها مسخ للتقاليد الراقية والحضارية لشعوب الخليج.

المجتمع الخليجي والحكومات
gt; كيف يتعايش المجتمع الخليجي مع المتغيرات؟ وهل يعيش أزمة مع حكوماته؟
- المجتمع الخليجي مجتمع مسالم، آمَنَ بحتميات التاريخ. وهو مجتمع ملتزم بقيمه وعاداته وتقاليده. ولقد درجَ على أن يتغيّر بما تسمح له الحكومة. بل إن الديموقراطية - التي نراها على استحياء - تعتبرُ منحة من الحكومة كما هو البيت الشعبي أو زيادة الراتب. دول الخليج متفاوتة في قبول التغير.
هنالك اتجاهات لتسريع التغير وهناك دعوات لكبح جماح التغير. هنالك خطوط حمراء لا يستطيع المواطن الخليجي مناقشتها فيما يتعلق بأمور الأمن والسياسات المالية أو العلاقات مع الدول الأخرى!
هنالك مجتمعات ناشطة ومتحركة وهنالك مجتمعات laquo;راضية بالنصيبraquo; وصامتة! ويوجد من بين هذه المجتمعات أيضاً من يؤمن بالعنف! ولدينا شواهد على ذلك. نعم توجد ملامح لاختلافات في وجهات النظر بين النخب والحكومات حول القضايا الرئيسية، لكن صوت النخب مُغيّب عن الإعلام، اللهم في حالات معدودة.
gt; الكل ينادي بالتغيّر، من دون أن يكون هناك نص معين نتغير لأجله... ألا ترى أننا مفتونون بكلمة التغيّر أكثر من اللازم؟
- التغيّر في كل بلد خليجي مختلف عن البلد الآخر. إذا لم تكن لديك مؤسسات مجتمع مدني تناقش أجندة التغيّر فلا يمكن أن يكون هنالك نص معين، اللهم النص الذي ترسمه الحكومة وتلزمك باتباعه. إن الحقوق تؤخذ ولا تمنح. كل الحقوق الممنوحة بيسر وراحة ليست حقوقاً بل laquo;شرهاتraquo;.
إن أوروبا عندما أرادت التغيّر لم تتوسل إلى الملوك أو الأباطرة، بل اعتمدت على الفلاسفة والأدباء والفنانين في قضية التحديث، وأزالت سيطرة الكنيسة على قرار التحديث، ولم تقدم عراضاً للملوك كي تنال حقوقها، بل قامت بعضُ ثوراتها من داخل السجون. نحن لسنا مفتونين بكلمة التغيّر أكثر من اللازم، بل إننا لا نجد الفرصة الملائمة للتغير المطلوب، وهذا واقع حالنا.
gt; ننتهج فكراً إقصائياً مع العقول الخليجية المفكرة... لماذا نستمر بهذا التخاذل؟
- إن تقاليد الحكم في بعض دول منطقة الخليج عبر التاريخ درجت على الطاعة التامة وعدم إبداء المواطنين الرأي في قضاياه. وعندما تعَلم أبناء الخليج وأصبحوا يفكرون ويناقشون وصفوهم بالمشاكسين كما تقدم!
هنالك فجوة بين النخب المستنيرة والحكم. وهنالك دوائر حادة حول الحكم تمنع وصول هذه النخب لدائرة القرار. ولربما تُحجب الحقيقة عن الحكم. نعظم العقول الخليجية المستنيرة المؤمنة بالعدالة والمساواة والحق مُغيبة عن مجتمعاتها ومقصية. وهذا لا يحصل إلا في منطقة الخليج. أنا أدعو إلى مصالحة بين الطرفين، فليس كل من حول الحكم ملائكة، وليس كل أصحاب الفكر المستنير من الشياطين.
gt; قبلية المجتمع الخليجي... هل جَنَتْ على المرأة، أم أنها حفظتها من أخطار كثيرة؟
- المرأة ظلمتها الأوضاع الاجتماعية، سواء كانت قبلية أم غير قبلية. حيث انطلقت الأفكار الرجعية من الموروث الاجتماعي، وصنّفت المرأة بأنها أقل درجة من الرجل اعتماداً على مبدأ القوامة، الذي فيه حديث طويل! وهذا ما حدّدَ مجالات عمل المرأة وجعلها تتضخم في وزارة التربية والتعليم.
لكن الأمور ليست متشابهة في كل دول الخليج. المرأة في الكويت والبحرين لا أعتقد أنها ظُلمت، بحكم الواقع المجتمعي، كما أن المرأة اليوم في بقية دول الخليج تحظى برعاية واهتمام كبيرين ولقد وصلت إلى البرلمان كما هو في عمان والبحرين ومجلس الوزراء كما هي الحال في قطر والإمارات. هنالك دول حددت مجالات عمل ونشاطات المرأة، ومنعت الاختلاط في العمل، وهذا قلص مجالات عمل المرأة. لكن وضع المرأة اليوم مريح ولائق، ونأمل أن يثق المجتمع في المرأة ويعطيها حقوقها كاملة مثل الرجل.

الإعلام والحريات
gt; الانفتاح الإعلامي جعل البعض يكره الحرية والديموقراطية ويشعر بوبالاتها عليه... أين يكمن الخطأ هنا؟
- بالعكس، نحن لم نتعلم الحرية ولا الديموقراطية، وما زال بعضنا يراها نبتة شيطانية. هذا صحيح. ولكن الانفتاح الإعلامي هو الوسيلة اللازمة لنقل تجارب الآخرين، أو التعرف على الرأي الآخر. نحن سئمنا ونحن نسمع أنفسنا، ونشاهد أنفسنا في المرآة، ولا بد لنا من التعرف على تجارب الآخرين؛ وإن كانت خاطئة كي نتعلم منها. الحرية والديموقراطية تحققان شرط الإنسانية - وهو أن تفكر وتختار لا أن يفكر الآخرون نيابة عنك! إن الانغلاق سبب رئيسي لشيوع الديكتاتورية وتجزئة المجتمع واستئثار فئة محدودة بمقدرات الوطن، واستمرار الحكم غير الرشيد.
gt; الإرهاب... كيف تفشّى في مجتمعاتنا؟ وأين هم المختصون والمحللون عنه؟ هل وُلِد فجأة أم أنه نتيجة تراكمات تساهلنا في مراقبتها؟
- الإرهاب ظاهرة عالمية تظهر من وقت لآخر في أماكن متعددة من العالم. وتمثل في أحداث 11سبتمبر كأبرز ظاهرة في العصر الحديث (على يد مسلمين وعرب) فهذا أمرٌ يجب أن نعترف به. نعم إنه نتيجة حتمية لتراكمات، بل ولتخليق إنسان laquo;مُغرّبraquo; عن مجتمعه. وهذا التغريب هو الذي يحوّل هذا الإنسان إلى مخلوق منهك جسدياً معلول عقلياً منبوذ اجتماعياً لا يشعر بالانتماء إلى مجتمعه، ليس له هدف في الحياة، ولا يشارك همومَ مجتمعه. هذا التغريب هو أساس البلاء.
بالطبع توجد إغراءات منها مادية ومنها ثيوقراطية هي التي أغْرت الشباب بممارسة الإرهاب حتى بين أهلهم وذويهم. نعم أوساط الشباب - خصوصاً في المدارس والجامعات - كانت تحتاج إلى رقابة أكثر على المعلومات والأفكار التي تتسلل إلى عقل الطالب.
هل تصدق أن ابني يوم كان في الصف الثاني الثانوي، وجاء من المسجد ليقول لي فجأة ومن دون مقدمات: أبي أريد أن أذهب للجهاد في أفغانستان وهو لم يتعد السادسة عشرة! هل تصدق هذا الكلام؟ وهو الذي أعِدُّهُ ليكون طبيباً أو مهندساً يزرع الحياة في مجتمعه! حيث كانت درجاته في الثانوية العلمية مرتفعة. نحن غفلنا كثيراً عن دعوات الموت ولافتات الشهادة التي يُغْرُون بها الشباب. أما أين المختصون والمحللون عن الإرهاب، فذلك من سياسات التعليم والإعلام في المنطقة.
لماذا نخاف من الاعتراف بأن شبابنا يتعرضون لحملات غسيل المخ والزجّ بهم في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟ ولماذا تصمت وسائل الإعلام عن مناقشة قضية قتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق؟ أعتقد بأن laquo;توريطraquo; الدين في هذه المسألة سبب جوهري من أسباب تجاهلها أو عدم الاقتراب منها.
gt; كتبتَ مرة تقول: laquo;رجال الدين يجب أن يعودوا إلى مساجدهم ويتركوا أمور الدنيا للسياسيين والنخب المستنيرة في المجتمعraquo;... ألا يورطك هذا الرأي في تصنيفات مربكة؟
- ألا تعتقد معي أن تدّخل رجال الدين في السياسة يُفسد المشروع الحضاري الذي تتبناه دول الخليج؟ أليس هنالك صراع مستتر بين المؤسسة الدينية والحكم؟
ألم تسمع وتشاهد مسؤولاً خليجياً كبير المنصب يقول في التلفزيون: إن هؤلاء - جماعة دينية - أساس البلاء في بلاده. لماذا نخاف من ذكر الحقائق، ولماذا يتم تغيّب النخب المستنيرة على حساب التوازنات أو المقاربات مع البعض.

المواثيق مقيدة للحريات ... وأنا ضد أن يتوحد الإعلام الخليجي

يحكي الدكتور أحمد عبدالملك عن تجربته في مجلس التعاون فيقول: laquo;تلك مرحلة مهمة في حياتي. إن قضاء 6 سنوات من العمر في مدينة الرياض كفيلة بأن تعلمك وتعرفك على كثيرين من الثقافات المتعددة داخل الأمانة العامة وخارجها. بل إن اضطلاعي بملف الإعلام الخليجي كان تجربة ثريةraquo;.
ويضيف: laquo;حاولت أن يخرج ذاك الإعلام من الضوابط المقيدة، مثل ميثاق الشرف الإعلامي - أنا أدرك أن كل المواثيق مقيدة للحريات، لذلك لا أحفل بها، كنا نحاول أن تمرّ الجرائد الخليجية إلى العواصم الخليجية من دون عقبات، وأن يكون هنالك فهم واستيعاب لمخرجات العصر الإلكترونية، ولكن تعلم أن السياسة تغلب الإعلامraquo;. ويستطرد: laquo;ترأست تحرير مجلة (التعاون) البحثية وأصدرنا نشرات باللغتين العربية والإنكليزية، ومن مقترحاتي التي أقرها الوزراء برنامج (أوراق خليجية) الذي وفر للإذاعات الخليجية 180 حلقة في مقابل إنتاج 30 حلقة لكل إذاعة، وهذا شكلٌ إيجابي من أشكال التعاون الإعلاميraquo;.
لافتاً أن المهرجان الإعلامي الثقافي الخليجي في تونس عام 1997 كان مؤثراً وقامت الأمانة العامة بالمجلس - عبر الإدارة الإعلامية - بعمل إعلامي خلال أسبوع ما لم تقدر عليه سفارات المجلس في سنوات. ويتمنى الدكتور أحمد رصد تلك التجربة، لكن هناك ما يمنعه عن ذلك حيث يخبر: laquo;أنا أعتز بتجربتي في مجلس التعاون وأحنّ إليها، ولديّ الكثير مما يمكن أن يقال، لكن الظروف الحالية لا تسمح مثلاً بوضع كتاب عن تلك التجربة، ولربما - إن طال العمر- حققنا ذلكraquo;.
وعن رأيه حول أن يكون للخليج منظومة إعلامية موحدة، يقول: laquo;أبداً، الإعلام فضاء حرّ، ولا يمكن استنساخ نموذج إعلامي وفرضه على دول الخليج عامة. أنا أدرك أن لكل دولة خليجية موروثها السياسي ونظرتها لدور الإعلام وكذلك مساحات الرقابة والممنوعات. لذلك، أنا ضد أن يتوحد الإعلام الخليجي، بل إن في تعدديته خير للجمهور الخليجيraquo;.
ويزيد قائلاً: laquo;هذا التعدد يتيح المجال للاطلاع على التجارب والاستفادة منها. إن التكامل يعني المشاركة، وهذا ينطبق على إشراك ممثلين خليجيين في أعمال خليجية وكذلك الفنيين! واستكتاب كتاب خليجيين في صحف خليجية، وتبادل برامج، نعم للمشاركة والتعريف وتوظيف الكفاءات الخليجية في المؤسسات الإعلامية التي تدار بأموال خليجية، فهنالك من الخليجيين من هُم أقدر من غيرهم على العطاءraquo;.

الروائيات السعوديات أكثر جرأةً مني في اللغة الحميمية

في كتابة أحمد عبدالملك تجاه المرأة نتلمس نفَساً لك لا نجده في كتابات لك أخرى... فأي شيء تمثله المرأة له؟ يجيب: laquo;بالطبع هي كل حياتي... الكتابة عن المرأة أو للمرأة تخرجُك من رصانة حذر التحليل إلى فضاءات الحرية، ومن اللغة العلمية إلى مساحات الخيال. وأنا أسقطتُ روحَ المرأة على اجتياح العدو الصهيوني للبنان عام 1982 من خلال ديوان (رسائل إلى امرأة تحترق)، وجعلت الوطن كله امرأةraquo;.
ويضيف: laquo;في روايتي (القنبلة) كانت لغة المرأة مختلفة جداً عن ديوان (امرأة الفصول السريعة) حيث أخرجتها من التابو الاجتماعي، وجعلت منها موضوعاً نفسياً يعيشه عدد من النساء في العالم العربي، اللغة أيضاً في ديوان (شيء من الهمس) مختلفة عن اللغة في رواية (أحضان المنافي) التي كانت تجسيداً وإسقاطاً لحالات الفقد العام وضياع الهوية ونكران الجميل. فالمرأة ملهمتي في كل الكتابات الأدبيةraquo;. وعن ارتفاع سقف اللغة الحميمية في كتاباته الأدبية... يقول: laquo;عندي موقف أخلاقي من الكتابة. إن لم أكن صادقاً يجب أن أترك القلم واتخذ عملاً آخر. أنا لا أتكسب من قلمي، وليست لديّ وظيفة عبر القلم. لذلك فأنا أمارس الحرية وهذه نعمة جميلة تمنحها لي الكتابة. إن الأعمال الروائية تحتاج في بعض المواقف إلى اللغة الحميمية، بل والمكشوفة أحياناًraquo;.
ألا تقرأ لكثيرات من الروائيات السعوديات؟ هنالك من هم أكثر جرأةً مني في تلك اللغة، وفي تناول قضايا (المثلية) بشكل مكشوف. أما ماذا يمنحني ذلك، فأعترف بأنه يمنحني الحرية التي تخرجني من حالات النفي والإقصاء.
ويرى عبدالملك أنه عاش المنفى من دون إرادته laquo;لقد كان حُكماً قاسياً. أصعب حالات النفي أن تُنفى داخل ذاتك! أن تشعر أنك تقيّد يديك ورجليك وعقلك، وتأمر عينيك ألا ترى خارج ظلام الغرفة. النفي للداخل يعني قطع وريدك الذي يوصلك بمجتمعك، خصوصاً إن كانت لك مهمة في هذه الحياة. النفي الداخلي أشد ألماً من النفي خارج الحدودraquo;.

سيرة ذاتية

المؤهلات العلمية
- ليسانس آداب من جامعة بيروت العربية في لبنان عام 1976.
- ماجستير إعلام من جامعة نيويورك في أميركا عام 1982.
- دكتوراه إعلام من جامعة ويلز في بريطانيا عام 1989.
الخبرات المهنية
- مذيع ومنتج بتلفزيون قطر عام 1974.
- رئيس وحدة النصوص والترجمة بتلفزيون قطر عام 1976.
- مراقب الأخبار بالتلفزيون عام 1977.
- رئيس تحرير جريدة laquo;الغلف تايمزraquo; - قطر عام 1990.
- مستشار إعلامي بالأمانة العامة لمجلس التعاون عام 1993.
- مدير الشؤون الإعلامية بمجلس التعاون عام 1994.
- رئيس تحرير جريدة laquo;الشرقraquo; وraquo;البننسولاraquo; - قطر عام 2001.
- خبير ثقافي بالمجلس الوطني للثقافة والفنون عام 2006.
وظائف ونشاطات أخرى
- يكتب في الصحف القطرية و الخليجية منذ العام 1970
- حاضر في جامعة قطر منذ العام 1983- 2000
- صدر له 8 كتب في الإعلام و12 كتاباً في فنون الثقافة والمعرفة العامة
- رئيس الاجتماع التأسيسي للجمعية القطرية للأدباء والكتاب
الإصدارات
gt; الأعمال المهنية (الإعلامية):
- اتجاهات صفحات الإذاعة والتلفزيون
- دراسات في الإعلام والثقافة والتربية
- إعلاميون من طراز جديد
- كيف تكون مذيعاً ناجحاً
- الدرب المأمون لحديث المايكروفون
gt; الأعمال الأدبية والإبداعية:
- رسائل إلى امرأة تحترق 1982
- مهاجر إلى عينيك (نثر فني) 1992
- شيء من الهمس (نثر فني) 1994
- الغرفة 405 (قصص قصيرة) 1997
- أوراق نسائية (قصص قصيرة) 2001
- أوراق نسائية (قصص قصيرة) 2002
- امرأة الفصول السريعة (نثر فني) 2002
- أحضان المنافي (رواية) 2005
- القنبلة (رواية) 2006
- بلا ديبلوماسية (قضايا اجتماعية) 2007
- مشاهد من مدينة القبور (نصوص) 2007