أميرة كشغري

أخذتني رحلة البحث عن الإنجازات التي قدمتها البروفيسورة غادة المطيري في مجال الكيمياء الحيوية واستخدام الفوتونات في الطب، أخذتني إلى رحلة موازية في جامعة كاليفورنيا سان دييغو، ومن هناك كانت انطلاقة أخرى إلى كاوست. غرقت في بحر المعرفة وتضمخت بمنارة الحكمة وبدت لي أمور مذهلة لم أكن أعلمها وربما غابت أيضاً عن الكثير في خضم الاهتمام بثانويات وحواشي هذا المنجز الحضاري. في هذه الرحلة تبدت لي أمور جوهرية غابت عنا في زحام الإدارة والمجتمع والعادات والتقاليد التي ربما لم تستوعب رؤية كاوست فضلاً عن تميزها. إنه تميز لا في الجوانب الأكاديمية والإدارية و غيرها، وكنا أشبعناها نقاشاً وأمنيات خالصة بأن تنتقل عدواها إلى بقية جامعاتنا. إنها قضايا التميز العلمي المذهل الذي جاءت به كاوست ليكون بيننا وفي عقر دارنا. ولهذا فإن ما لم نعرفه عن كاوست أكبر بكثير مما عرفناه. هذا التميز هو على بعد ضغطة زر على الإنترنت، لنشاهد ونرى أمام أعيننا هذه الإمكانيات الفائقة التي طالما حلمنا بها، ونقاط التميز التي غابت عنا في هذه الفضاءات. وأنصح من لم يطلع عليها أن يبادر إلى موقع الجامعة على الإنترنت ليرى ويسمع ما أذهلني بحق.
أذهلني فيديو اليوتيوب عن مختبرات الجامعة، مختبرات تمكن الباحثين من تحقيق الاكتشافات العلمية الكبرى في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. وسوف تتصل المؤسسات البحثية الأخرى في المملكة والمنطقة بالحاسوب العملاق لجامعة الملك عبدالله وغيره من مرافق المختبرات من خلال الشبكة العربية السعودية للبحوث المتقدمة التعليم (SAREN) بسرعة 10 جيجابايت في الثانية.
أذهلني الحاسوب العملاق: شاهين، الذي يحمل اسم الصقر العربي القناص، وهو أسرع حاسوب عملاق في منطقة الشرق الأوسط وواحد من أقوى الحواسيب العملاقة في العالم. وقد تم تصميمه بالتعاون مع شركة آي بي إم، وهو قادر على إجراء 222 تريليون عملية نقطة عائمة في الثانية. أو بعبارة بسيطة يستطيع شاهين حل 222 تريليون عملية حسابية في الثانية. بني شاهين على نظام آي بي إم بلو جين / بي ويضم 16 إطارًا ويوفر 65536 وحدة معالجة رئيسية ويشمل مركزاً للجيل التالي من البيانات قابل للتوسع لتحقيق متطلبات الحوسبة بسرعات فائقة كما يضم شبكات فرعية للتخزين والربط الشبكي عالي الأداء لدعم أداء الذروة مزدوج الدقة من خلال قدرة ذاكرة إجمالية 64 تيرابايت. ويمتلك شاهين إمكانية التوسع لتلبية احتياجات المستقبل، كما يضم نظام تخزين فرعي يتألف من العديد من وحدات التخزين ويوفر 1,9 بيتا بايت (كوادريليون بايت) من القدرة الخام وإجمالي عرض حزمة 16 جيجا بايت في الثانية.
ويأخذني التجوال في فضاء إمكانات كاوست التقنية إلى فضاء الواقع الافتراضي الذي نحلم به، فضاء التصوير الحاسوبي، أو ما يسمى القرنية (Cornea) وهو واقع افتراضي غمري كامل ذو ستة جوانب يعطي الطلاب والباحثين القدرة على تحويل البيانات إلى صور وهياكل ثلاثية الأبعاد يمكنهم التفاعل معها ودراستها بتعمق. وقد تم بناؤه بالشراكة مع جامعة كاليفورنيا في سان دييجو. ويضم مختبر القرنية مختبر تصوير حاسوبي من طراز VL6 بنته شركة ميكداين (Mechdyne) يتميز بأنه أوضح وألمع بيئات التصوير الحاسوبي في العالم (100 مليون بكسل و10000 quot;لومنquot; وحدة قياس التدفق الضوئي). كما يحوي 24 عارضًا عالي التحديد رباعياً، وهي أعلى أجهزة العرض المتاحة وضوحًا 4096times;2160 بكسل لكل منها. كما يشمل نظاماً سمعياً متقدماً يتكيف مع الصور المرئية، وهو مركز الأبحاث الوحيد المعروف من هذا النوع.
من هنا تنقلك الرحلة إلى مختبر التصنيع النانومتري والتصوير وتحديد الخواص، وهو غرفة بيئة نظيفة مجهزة بأحدث الأدوات لدعم البحوث في مجال المواد المتقدمة، والتقنية الحيوية، والإلكترونيات والضوئيات، والأنظمة الإلكتروميكانيكية الميكرومترية والأنظمة الإلكتروميكانيكية النانومترية. وتشمل مختبرات التصوير وتحديد الخواص مجموعة من 10 مقاييس طيف متقدمة بالرنين المغناطيسي النووي ومرافق للفحص المجهري بالمسح الضوئي وإنفاذ الإشعاع ومتحد البؤر، والقياسات المغناطيسية والحرارية، مما يسمح للعلماء بدراسة الأجهزة والسطوح ذات البنى النانومترية حتى مستوى الذرات الفردية.
وهناك أيضاً يقبع في كاوست مختبر الموارد الساحلية والبحرية بالقرب من البحر الأحمر بهدف تسهيل إجراء البحوث البحرية، ويبني المختبر ويستخدم الأجهزة الحديثة لعلوم المحيطات والبحار، ويقدم الخدمات التشغيلية لدعم سفن البحوث في مجال الاستكشافات البحرية، والغوص، وأخذ العينات. وتسمح مرافق مياه البحر داخل وخارج المباني للباحثين بالاستنبات البكتيري للكائنات العضوية البحرية.
كما تقبع في كاوست مختبرات التحليل الأساسية، والتي تفخر بخبرائها من ذوي المهارات العالية وتركز على التحليل الطيفي، والتحليل الطيفي الكروماتوغرافي والكتلي، وتحليل آثار المعادن، والكيمياء الرطبة، وتحليل الأسطح.
كما تقبع في كاوست مختبرات العلوم الحيوية والهندسة الحيوية، والتي تشمل المختبرات الجينومية والبروتيومية المجهزة بالروبوتات والأتمتة المختبرية الضرورية لدراسة الجزيئات الخلوية لتسلسل الحمض النووي والتحليل الجيني وفحص العمليات الخلوية.
هذه هي الثروة البحثية في كاوست. أو على وجه الدقة هذا ما عرفته عن بعض من الثروة البحثية الكامنة في كاوست. وهذا ما ينبغي أن يثير الاهتمام ويطلق النقاش. كيف نوظف كل هذه الثروة الكامنة؟ كيف نطلق هذا المارد من عقاله؟ كيف نشحذ أفضل العقول لكي تنشد، من هنا، من أرض السلام، خير البشرية وخير هذا الكوكب الذي نشترك في موارده المحدودة والآخذة في التآكل؟ كيف نرفع من مستوى جامعاتنا في مجال البحث العلمي بتعزيز إمكاناتها البحثية؟ كيف نوظف هذه الإمكانات لكي نورث للأجيال من بعدنا بيئة أفضل مما ورثناها نحن؟ كيف نكون بحق من عمّار هذه الأرض؟