محمد عطيف من الرياض: خلال أيام قليلة ربما يتجدد الجدل السنوي حول رؤية هلال شهر رمضان المبارك، ذلك الجدل الذي يقف بين أكثر من رأي فقهي وشرعي وعلمي حول حسم الرؤية بالعين المجردة أو من خلال التقنية باستخدام المراصد الفلكية لتفادي أية أخطاء قد تنتج عن شهادات ربما أخطأت طريقها، غير أن الجديد في الأمر هذا العام هو حسم المحكمة العليا بالسعودية لقضية رؤية الهلال من خلال المراصد الفلكية عندما أعلنت في الثلاثين من الشهر السابع 2009م عن طلبها من عموم السعوديين تحري رؤية هلال شعبان بغض النظر عن الطريقة سواء بالعين المجردة أو من خلال تقنية المناظير الفلكية مما يعتبر (فتحا) غير متوقع في الفترة الحالية على الأقل .
وفيما يرى العديد من المتابعين أن السماح بذلك ربما يأتي تعزيزاً لفتوى شرعية صدرت عام 1982م وقراراً لمجلس الوزراء أعلن منذ 12 عاماً وهو قرار ربما لم يكن يتوقع ظهوره لو بقي هذا الملف بعد على طاولة مجلس القضاء الأعلى وسحب منه مؤخراً للمحكمة العليا . في كل الأحوال السماح لاقى أصداء كثيرة مرحبة داخلية وخارجية .
* القرار تتويج للمناشدات أو تفادياً للمزيد من الحرج
القرار الأخير على ما يبدو هو محاولة للخروج من بعض الحرج الذي حدث في أعوام متفرقة ، عندما وضع بعض الشهود دولتهم في حرج مع العديد من الدول حول رؤية الهلال بحيث كان الفارق بينها وبين هذه الدول في بعض الفترات يتخطى حاجز الثلاثة أيام . وهي فترة تعتبر كبيرة جداً في هذا الأمر وخصوصاً بالنظر إلى حساسية المكانة الدينية للمملكة ، مما دفع بعض العلماء من أمثال الشيخ عبدالمحسن العبيكان لينتقد الوضع ، ويتقدم باقتراح إلى خادم الحرمين الشريفين لتصحيح الوضع باستخدام المناظير الفلكية مؤكداً quot;أن الرؤية بالمراصد مقبولة ، و أن المشكلة تكمن في شهادة بعض الشهود منفردين عن اللجان المختصة الأمر الذي يجعلهم في موضع الشك quot; .
فيما قال الشيخ عبد الله بن منيع في تصريح سابق لإحدى الصحف السعودية quot; أرجو من المجلس الأعلى للقضاء أن يعيد النظر في مسلكه وأن يبعد بلادنا عن الانتقادات المتكررة في إثبات دخول الشهر وخروجه وما يقع لأولئك من أدلة على عدم التثبت quot;. وأيده الشيخ صالح السدلان لصحيفة عكاظ السعودية بقوله إن quot; الرؤية يجب أن تكون بالعين المجردة لمن حباهم الله النظر الحاد ، ولا مانع من الاستعانة بالمراصد لأنها تعتبر أداة مساعدة في رؤية الهلال ، وليس فقط لرؤية شهر رمضان بل سائر الأهلة طوال العامquot;. الأخطاء المتكررة ، وإصرار مجلس القضاء الأعلى في فترة سابقة على الرؤية المجردة ، ربما دفع بعض الدول إلى الأخذ بشهادة مواطنيها بعد أن كانت تعتمد نتيجة الرؤية في السعودية .
* أخطاء الشهود
يذكر أنه في كانون الأول - ديسمبر 2007 ناشد 22 عالماً فلكياً من quot;المشروع الإسلامي لرصد الأهلة quot;، ناشدوا السعودية أن تعيد النظر في إعلانها لرؤية هلال الأضحى لتعارض تلك الرؤية مع كافة القوانين الفلكية ، وقال البيان الموجه quot; إننا نأمل أن تتراجع السعودية عن هذا الإعلان الخاطئ كما تراجعت عام 1416هـ quot; مبدياً استغرابه بالقول quot; بأن هذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها رؤية الهلال ، والقمر غير موجود في السماء أصلا ، فمن المعلوم أن تحري الهلال يتم بعد غروب الشمس قريبا من المنطقة التي غربت عندها الشمس، حيث يتواجد الهلال الجديد بالقرب من الشمس دائما، فإن ثبتت رؤيته كان اليوم التالي أول أيام الشهر وإلا كان اليوم التالي هو المتمم ، ويبدأ الشهر الجديد في اليوم الذي يليه quot;.
وفي الخطأ المشهور عام 1400 هـ كانت الانتقادات ساخنة ، يومها طالب الشيخ عبد الله آل محمود في رسالته للعلماء : quot;يا معشر علماء الإسلام أنقذونا وأنقذوا أنفسكم وأنقذوا الناس معكم من هذا الخطأ المتكرر كل عام حتى صار عند أكثر الناس من المألوف المعروف.quot; ، من الأخطاء الشهيرة أيضاً ما حدث في إثبات عيد الفطر عام 1984م عندما اتضح أن ما تمت مشاهدته لم يكن سوى كوكب الزهرة ، أو سحابة تشكلت على شكل الهلال .
* جذور المشكلة الفقهية
المثير أن الفقهاء أنفسهم مختلفون في اعتماد الحساب الفلكي فبعضهم اقره في حالة النفي فقط ؛ quot;بمعنى أنه إذا جاء من يشهد برؤية الهلال، ودلت الحسابات الفلكية على أن رؤية الهلال مستحيلة أو غير ممكنة؛ فإن هذه الشهادة ترد quot; . فيما أجاز البعض الأخر اعتماد الحساب الفلكي في النفي والإثبات ؛ ومن أنصار هذا الرأي الدكتور يوسف القرضاوي . أما الفريق الثالث فلم يُجز استخدام الحساب الفلكي لا في النفي ولا في الإثبات؛ فإذا ما جاء من يشهد برؤية الهلال قبلت شهادته، حتى إذا وجدت حسابات فلكية تدل على أن القمر لم يكن موجوداً في السماء في ذلك الوقت. والرأي الأخير ساد كثيراً في السنوات الماضية .
ويمكن تلخيص القول أن الخلاف الفقهي في حقيقته يدور حول طريقة إثبات الشهر هل هي بالرؤية أم بالحساب ، أم بتحديد الشهر القمري بالإهلال أم بالاقتران ، أو اعتبار المطالع .
وبالرغم من ذلك فإنه من المتوقع أن تختلف الدول عن بعضها في البدء فهناك دول تشترط رؤية مواطنيها ، وهناك دول لا تشترط رؤية الهلال بل تكتفي بالاقتران قبل الفجر مثل ليبيا ، وبالتالي سيحدث بعض الاختلاف بين الدول الإسلامية في بدء صيام الشهر الكريم لهذا العام .




التعليقات