عبدالله المغلوث

تساورني شكوك أن مقدم برنامج حجر الزاوية والحياة كلمة، فهد السعوي (38 عاما) يبتلع رجلا طاعنا في السن في أحشائه. فهذا الحضور الطافح بالسكينة لا يجيده سوى الأجداد. شدني فهد منذ أن شاهدته لأول مرة على الشاشة بجوار الشيخ سلمان العودة قبل أربع سنوات بفضل صوته المبحوح ومداخلاته الهادئة وابتسامته الطفيفة التي يسكبها بانتظام. لكن أكثر ما أعجبني في فهد هو تطوره الذي يظهر بجلاء في كل موسم. فكلما ابتعدت عن برنامجه وعدت إليه من جديد وجدته ازداد توهجا وألقا.
ويعزو السعوي نجاحه إلى وجوده بجوار الدكتور العودة مبكرا. يقول quot;من جاور السعيد يسعد!quot;. ففهد لا ينسى بدايته الفضائية القوية منذ الحلقة الأولى في حجر الزاوية عام 2005، يتذكر quot;كنت عالي الثقة بحضور الدكتور سلمان العودة الآسر وجاذبيته الإلقائية. كما كنت واثقاً من قدرتي على التناغم معه بما يضمن مخرجات مميزة. لكني بالفعل لم أكن أتصور هذا الكم الهائل من ردود الأفعال الإيجابية حينهاquot;. هذا الانسجام الكبير بينهما والجيرة الطويلة أنجبت نجما تلفزيونيا متوثبا. ففهد الحاصل على درجة البكالوريوس في الكيمياء من جامعة الملك سعود، مثال حي للإعلامي المتميز، الذي استطاع أن يستثمر مهارات ضيفه الدائم وينمي قدراته بذكاء شديد.
فالحوار واللقاءات الخارجية وفي الاستوديو بين السعوي والعودة اختزلا أوقات التحضير للبرنامج وأسهما في فهمهما الكبير لبعضهما. يفسر السعوي quot; قضيت سنوات وساعات عديدة أنا والشيخ في حوارات مختلفة وأخذ وعطاء جعل من قراءة أحدنا للآخر أمراً بديهياً، هذا بدوره قلل من التحضير الذي يتطلبه البرنامج وساعدنا في المضي قدماquot;.
إن هذا الأسلوب ليس اختراعا، بل إنه أسلوب ينتهجه كل من يصبو إلى تنمية موهبته في كافة الفنون. فما زلت أحفظ عن ظهر قلب تصريح، مقدم برنامج ذا توداي شو على قناة (إن بي سي)، مات لاور، عندما سئل عن أهم أسباب نجاحه فأجاب قائلا:quot;توم بروكو، توم بروكو، توم بروكوquot;. وكان يقصد من خلال إشارته ثلاثا لاسم المذيع المخضرم في شبكة إن بي سي في إجابته إلى الدور المؤثر الذي لعبه التصاقه ببروكو في نجاحه كمقدم ومحاور. فقد كان يقضي لاور نحو أربع ساعات يوميا طيلة عشر سنوات مع بروكو كلما أتاحت له الفرصة ليسأله ويصغي إليه ويرافقه، كأنه متيمنا بطرفة بن العبد عندما قال:
لعمرك ما الأيام إلا معارة
فما استطعت من معروفها فتزود
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
فمقدم البرامج الأمريكي لاور، الذي يتقاضى راتبا سنويا يقدر بـ 13 مليون دولار، يؤكد أن التجربة العملية هي التي أفادته في حياته المهنية. يقول quot;أمي كانت مسؤولة في شركة لبيع الدراجات الهوائية، ووالدي يدير محلا تجاريا. تجربتي نضجت على طاولة زملائي الأوائل الذين كانوا وراء هذه النجاح الذي أقطف ثمارهquot;.
يخفق الكثير من الإعلاميين والمقدمين والأدباء في مشاويرهم إثر انطوائهم على أنفسهم وعدم الاستفادة من المحيطين بهم ممن يمتلكون الخبرة والتجربة والمهارة. فتجد العديد من الزملاء يراوحون مكانهم. لم يطوروا أنفسهم ولم يستغلوا وجودهم بجوار هذا الكم الهائل من الموهوبين حولهم ليخالطوهم ويراقبوهم وينصتوا إلى ملاحظاتهم ونصائحهم.
السعوي، أحد الاستثنائيين، الذي استوقفني من خلال حرصه على استغلال وجوده بجوار العودة، مما انعكس على أدائه وشعبيته.
إن فهد شخصية لا تثير الارتياح في النفس عندما تطل فحسب، بل تشعل قناديل الفرح والتفاؤل عندما تهل. فشكرا للسعوي والعودة على حضورهما الواعي المشترك الذي يستحق الثناء والدعاء.