أحمدعبدالمنعم : يشهد الشارع المصري حالة من الحراك السياسي ربما لم تعرف أرض الكنانة لها مثيلا فى التاريخ .
الحديث عن الاصلاح والتغيير الذى ظل حكرا على النخبة المثقفة ومحترفي السياسة أصبح اليوم حاضرا فى جلسات البسطاء على المقاهي وفي المواصلات العامة .. تبدو آراءهم تلقائية ولكنها لا تخلو من عمق فى التحليل .
استبدل أغلب المصريين أحاديثهم المعتادة عن كرة القدم مفضلين مناقشة ما هو مطروح من قضايا سياسية ،والتظاهرات التى لم تخرج يوما عن ميادين وسط القاهرة وصلت الآن الى أحياء شعبية فقيرة ربما يعاني نصف قاطنيها الأمية .
أخبار تلك التظاهرات التى ظل نشرها فى الصحف الحكومية من المحرمات التى لا يجب الاقتراب منها ،عرفت الآن طريقها الى الصفحة الأولى بل وأصبح واردا عرض لقطات منها على شاشة التليفزيون الرسمي. ووسط كل هذا الزخم السياسي في الشارع المصري اكتفى الشباب -الذين يمثلون أكثر من نصف تعداد السكان - بدور المتفرج لما يجرى على الساحة يطرحون القضية للنقاش حينا ويتجاهلونها أحيانا، فالأمر بالنسبة لهم لا يحتل قمة الاهتمامات بل ربما يتراجع الى ذيل القائمة عند بعضهم
. فتعديل الدستور ليسمح بوجود أكثر من مرشح فى انتخابات الرئاسة لن يحل مشكلة البطالة التى افترستهم ، وتوريث الحكم أو رفضه أيضا لن يضع حدا لأزمة السكن التي يعانون منها . بل ورحيل الرئيس نفسه لن يقضي على معاناتهم اليومية بسبب ضيق ذات اليد وشظف العيش الذى بات ملازما لحياتهم . فخروج البلاد من عثرتها يحتاج الى عشرات السنين وبالتالي من غير المنطقي الحديث عن حل جماعى لمشكلاتهم .
وأمام تضاءل الآمال فى الحل الجماعي، أصبح المتاح هو البحث عن الحلول الفردية .
الكل يتحدث عن حلم الحصول على وظيفة مرموقة توفر له راتبا كبيرا وتتيح له فرصة بداية حياة انتظرها طويلا . ليس من الضروري منطقة الأمور والحديث عن مدى توافر مثل تلك الفرص حاليا فى بلدهم فلم يعد لديهم سوى الأحلام لتخفيف وطأة ما يعانون من مشاعر يأس رافقتهم طيلة السنوات الماضية .
البعض الآخر على يقين من أن مجرد الأحلام فى هذا البلد باتت ترفا لا معنى له وأصبح أملهم الوحيد في الحصول على فرصة عمل خارج الحدود سواءا كانت في بلاد النفط أو دول الشمال .. فكثيرا من المحظوظين حققوا هذا الأمل . بعضهم عاد محملا بثروة طائلة وبعضهم فضل البقاء فى البلد الذي حول حلمه الى حقيقة .
قد تكون المظاهرات التى يموج بها الشارع المصري اشارة واضحة على حراك سياسي ورغبة حقيقية فى التغيير ولكن الرغبة وحدها لا تكفي طالما التزم نصف أبناء هذا البد الصمت مفضلين دور المتفرج وباحثين عن الحلول الفردية .. وليذهب الآخرين الى الجحيم!
- آخر تحديث :
التعليقات