أحمد عبدالمنعم: كان موسما دراسيا شاقا وصلوا خلاله الليل بالنهار ما بين المحاضرات والاستذكار. كلما طاردهم الشعور بالتعب والارهاق هربوا بذاكرتهم الى مدينة السلام ورردوا لازمتهم "فات الكتير ولم يبق الا القليل". الآن وضعت معركة الامتحانات أوزارها ولم يعد سوى تجهيز الحقائب وحزم الأمتعة متجهين الى مدينة شرم الشيخ كما هي عادتهم فى كل عام.
فقضاء أشهر الصيف فى تلك البقعة الساحرة من أرض الكنانة بات جزءا من برنامج حياتهم.. هناك يجمعون بين العمل والمرح . فهي أكثر المدن المصرية رواجا بالحركة والنشاط تستقبل سنويا مئات الآلآف من السائحين وتوفر الآلآف من فرص العمل للمصريين.
منهم من اختار الاقامة الدائمة ومنهم أيضا ما اضطر للاقامة الموسمية لأنه ما يزال يتلقى تعليمه الجامعي لكنهم الآن خرجوا من هذه القائمة وقرروا الانضمام الى القائمة الأولى بعد أن أنهوا دراستهم الجامعية. خلال رحلتهم من القاهرة الى شرم الشيخ _والتي تستغرق حوالى ثماني ساعات_ تبادلوا الحديث حول ذكرياتهم في تلك البقعة الساحرة.
جميعهم من أسر متوسطة الحال لا يملكون رفاهية السفر خلال الاجازات، فكل ما كان يشغلهم خلال الاجازة الصيفية هو البحث عن عمل يساعدهم على توفير نفقات الدراسة.. وجدوا ضالتهم فى شرم الشيخ.
هناك يمكنهم الحصول على فرصة عمل بقرية سياحية، فندق أو على الشاطئ.. فرص العمل هناك متوفرة بكثرة وبين ساعات العمل سيكون من السهل اقتناص بعض الوقت للاستمتاع بالمدينة الساحلية.. نجاح التجربة دفعهم للتمسك بها كخيار وحيد للخروج من طابور العاطلين بالقاهرة. الأهم من ذلك أنها ستقودهم الى عالم من الخيال، مياه زرقاء صافية و رمال صفراء تتلألأ كالذهب و سياح قطعوا آلآف الأميال للاستمتاع بهذه الطبيعة الساحرة.
لن يواجهوا مشكلة زحمة المواصلات مرة أخرى.. مشهد الشجار الذى اعتادوا في شوارع العاصمة سيختفي. المعاناة التى كانت جزءا من قاموس حياتهم ستضع مدينة السلام حلا لها، فالجميع هناك لا يعرف سوى العمل والمتعة.
لا وقت للدخول فى مهاترات لا مبرر لها، ودعوا أسرهم بحرارة. فهذه المرة الأولى التى سيبتعدون فيها عنهم كل هذا الوقت.. ستة أشهر وربما عام كامل.
الآن وصلت الحافلة التى كانت تقلهم الى قلب المدينة، كان الجوع قد تملكهم فاقترح أحدهم شراء ما يلزمهم من طعام وتناوله في أحد المقاهي .
الساعة تقترب من الواحدة بعد منتصف الليل.
قرروا تمضية الليلة في المقهى والبحث عن شقة للاقامة مع بزوغ فجر اليوم الجديد توفيرا للنفقات.
لم يفكر أحدهم أن الفجر الذي ينتظرونه لن يأتي .
لم يدرك أحدهم أن مدينة السلام ستتحول فى لحظة الى مدينة الجحيم . لم يدر بخلد أحدهم أنه ذاهب الى الموت بقدميه. فعلها الأوغاد ملأوا المكان بدماء الأبرياء ومضوا فى طريقهم غير عابئين بأب مكلوم أو أم ثكلى .
تسابقوا فى اعلان المسؤولية عن عمل اجرامي وهنئوا أنفسهم على قتل النساء والأطفال.. فروا هاربين وتركوا وراءهم أجسادا متفحمة ومستشفيات عجت بالقتلى والجرحى.. فسحقا لهم جزاء ما اقترفوه من جرائم وسحقا لنا جزاء صمتنا عليهم حتى وصلوا الى هذا المقدار من الوحشية.
- آخر تحديث :
التعليقات