أحمد عبدالمنعم : بقدر ما كانت تجربة منتخب علماء الغد التي بدأتها الجمعية المصرية لرعاية النابغين مفيدة لعشرات الشباب والفتيات الذين يتمتعون بموهبة الابتكار ،بقدر ما كانت صرخة بوجه بلد اشتهر بتصدير العلماء والمبتكرين بعد معاناة شديدة مع الروتين والبيروقراطية داخل مراكز البحث العلمي والجامعات .
فالتجربة التي بدأت قبل عام بهدف تنمية القدرات الابتكارية لدى الشباب والفتيات من خلال عقد دورات تدريبية يحاضر فيها مجموعة من العلماء تعد فريدة من نوعها ، لا لكونها اختارت مجالا قلما حظى باهتمام الحكومة أو مؤسسات المجتمع المدني فقط ، ولكن لأنها اعتمدت ضوابط صارمة لقبول أعضاء المنتخب الذين يأمل القائمون على الجمعية المصرية لرعاية النابغين فى جعلهم نواة لعلماء المستقبل .
وعلى بساطة الاختبار الذى يتوجب على الشخص اجتيازه قبل الالتحاق بمنتخب علماء الغد، فانه لا يخلو من عمق يجعل من الصعب على أصحاب الفكر التقليدي اجتيازه حيث يشمل الاختبار مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالرياضيات والعلوم اضافة الى الفلسفة وأسئلة أخرى لقياس درجة الذكاء . وفى المرحلة التالية والأخيرة يطلب من المتقدم – الذي يشترط ألا يزيد عمره عن 16 سنة – أن يقدم أحد الاختراعات التى سبق أن توصل اليها .
لا فرق فى ذلك بين متسابق وآخر .. فكارت الوساطة الذى يبحث عنه الفرد تلقائيا عند خوض أى اختبار لن يقدم جديدا فى اختبارات منتخب علماء الغد ربما لثقة المتقدمين في أنفسهم وربما أيضا لأن المجال لا يمثل أغراءا كبيرا بالنسبة للشباب في هذا السن والذين يفضلون قضاء أوقاتهم فى مجالات أخرى .
وقد كان لهذا السبب الأخير الأثر الأقوى في اختيار مسمى منخب علماء الغد على تجربة في اشارة الى أن النجومية التى يتطلع اليها الشباب في هذا السن لا تأتي من التألق في كرة القدم أو الفن فقط بل قد تتحقق من التفوق العلمي .
بالطابق السابع فى بناية تتوسط القاهرة اختار منتخب علماء الغد أن يقيم معسكره الدائم .. الجميع منهمكون فى العمل .. هذا شاب يمسك بمجموعة من الأدوات يحاول تركيبها ليخرج فى النهاية ابتكارا يفخر به بين بقية الزملاء .. وهذه فتاة تقف في المعمل منهمكة فى تحليل العينات واستخلاص النتائج .. وذاك طفل يجلس أمام الكمبيوتر متجولا فى بحر الشبكة العنكبوتية باحثا عن معلومة قد يحتاج اليها في دراسته .
مشهد يتكرر يوميا خلال الاجازة الصيفية وأسبوعيا فى الموسم الدراسي .. عدد الاختراعات التى قدمها علماء الغد كبير .. تبدو للوهلة الأولى بسيطة وان كانت قد أعطت مؤشرا على أنها أول الغيث .
تجربة تكوين منتخب علماء الغد تبدو فكرة رائعة لأنها ستكون مفرخة لعلماء المستقبل ولكن المعضلة التى تبحث عن تفسير هي .. ولماذا تجاهل علماء الحاضر ؟! .. فاذا كانت الاختراعات التى قدمها أعضاء منتخب علماء الغد بمثابة القطر الذى يسبق الغيث فماذا فعلنا بالغيث الذي فاض به علماء الحاضر ؟!.. لم نستطع استيعابه فكان البديل الأوحد هجرة العقول المصرية الى الخارج بشكل تحول الى ظاهرة خلال السنوات الماضية ؟ القطرة قد تدخل البهجة فى النفوس ولكن يظل الغيث هو الباعث على الشعور بالسعادة الغامرة .