سعيد الحسنية : تزامن انعقاد الحوار الوطني في مجلس النواب ، بحضور قيادات الصف الأول بكامل أطقمها السياسية ، مع الذكرى التاسعة والعشرين لاغتيال المعلم الشهيد كمال جنبلاط ، والذكرى السنوية الأولى لأكبر تحرك شعبي شهدته الساحة اللبنانية . فها هم المؤتمرون يعقدون مؤتمرهم الحواري على وقع دعوات اللبنانيين لهم بالتوفيق ، وعلى نغمات التضرع إلى رب العالمين لكي يهدي ساستنا إلى مصلحة لبنان أولا وأخيرا . فالجميع يعلقون آمالا كبيرة على نجاح هذا الحوار إلى التوصل إلى حل جذري لعقدتي رئاسة الجمهورية وسلاح المقاومة المرتبط بلبنانية مزارع شبعا إضافة إلى السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ومبررات بقائه.
ربما هو القدر الذي جمع أولئك المتقاتلين ، عسكريا سابقا وجها لوجه على طاولة الحوار ، في تلك الساحة التي علقت فيها مشانق الأحرار اللبنانيين أيام الاحتلال العثماني ، وعلى مقربة من المكان الذي يرقد فيه جثمان معيد إعمار لبنان الجديد ، ها هم أولئك القادة يتحاورون على بعد أمتار من مكان تفجير موكب الشهيد الرئيس ورفاقه ، فهل مجرد صدفة أن يتزامن إجتماعهم مع ذكرى اختراق رصاصات الغدر لجسد قائد قدم حياته من أجل حرية وطنه ؟ كيف لا وهو القائل : quot; ما أشرف العبور فوق جسر الموت إلى الحياة التي تهدف إحياء الآخرينquot;؟؟
تزامنا مع تلك الذكرى يجلس قادتنا إلى طاولة مستديرة ، لبنانية المنشأ والتصميم، ها هم يتناقشون بالهمس ، دون صراخ وعويل ، دون إعلام مباشر ، وعلى الرغم من أن مدير الجلسات هو الذي عرف اللبنانين مطرقته وعبارته quot; صدق quot; عن ظهر قلب ، ولكنه هذه المرة يجلس من دون مطرقته الذي استعاض عنها بإطفائية محمولة ، لكي يمارس مهمة ألإطفائي لإخماد نيران الخلافات التي تنشب بين المتحاورين بين الحين والآخر ، كيف لا وهو الذي أتقن الرقص على حبل مشدود ؟ ها هم مجتمعون يتباحثون بمستقبلنا ، وها نحن مشدودين أمام الشاشات منتظرين الدخان الأبيض ، أو الأسود ، لم يعد يهمنا ، لقد ضاقت صدورنا بالانتظار وأتلفت أعصابنا من قلقنا على حياتنا ومستقبلنا ، وتكاد كلمة واحدة على ألسنة المغتربين هنا : quot; يا رب يضبط البلد حتى نعود ..quot;متى سنعود ؟؟وهل سيضبط البلد ؟؟ والجميع يدعو الله أن لا يحدث أي تفجير وأن يمد بأعمار السياسيين ، تصوروا صرنا ندعو لهم بطول العمر ، ونحن الذين دأبنا ليلا نهارا نتوسل عزرائيل أن يخطف أنفاسهم وأرواحهم ، واليوم نحن نرجوه أن يبتعد عنهم وينساهم لبعد حين ؟
في الواقع ، لم يعد خوفنا من اندلاع حرب أهلية في ربوع وطننا ، بل معظمنا أصبح مستعد نفسيا وجسديا لها، فقد اعتدنا على رائحة البارود ، بالرغم من أن الكثيرون ينكرون حقيقة استعدادهم لخوض الاقتتال ، ويدعون تنسكهم وتعاليهم عن الانغماس في أتون الحرب ، ولكنهم بالحقيقة يدركون أنهم عندما ينال مكروه ما لقريب ما سيضطرون لحمل السلاح وسيفعلون ، إني أعترف الآن وأقول : أجل سأعود وأقاتل إن فرض علينا القتال ..لن أختبئ خلف الشعارات كما يدعي الكثيرين ، سأعود إلى المتراس وأحمل الرشاش، وسأقاتل على طريقتي، وسامحني يا معلمي ، فأنا أعلم كم تبغض العنف ، ولكن إذا فرض علينا لن نتخاذل أبدا ..ولكن أتمنى أن لا نضطر إلى ذلك ، وأدعو ربي أن لا تعود الحرب وويلاتها ، لقد عايشتها صغيرا وكرهتها كثيرا ، ومع ذلك أفضل الحرب ألف مرة ، وأفضل مشهد الدماء وجثث الشهداء ، على أن أرى أجساد هزيلة قتلها الجوع والفقر والعوز ، أفضل أزيز الرصاص وصفير القذائف على سماع بكاء طفل جائع أو أنين عجوز يصارع البرد لأنه لا يملك ثمن المازوت ، أفضل الحرب ألف مرة ومرة على أن أتخلى عن حريتي وأخضع لصاحب بزة مرقطة .
فيا أيها المتحاورون ! أنظروا جيد حولكم ، استشيروا مستشاريكم واسألوهم عن الأوضاع الاقتصادية في وطننا ..أخرجوا إلى الشارع وشاهدوا مواطنيكم ..أسمعوهم ..ألم تقرءوا ما تقوله الدراسات والإحصاءات الاقتصادية ،ألم تعلموا أنه لم تظهر أي مؤشرات نهوض اقتصادي في الفصل الأول من عام 2006 ؟ ألم تلاحظوا تراجع الحركة السياحية والركود في الأنشطة التجارية والصناعية ؟ ألم تشعروا بتراجع الاستثمارات المحلية والأجنبية؟
أعلم أنه ليس صدفة أن يتزامن موعد الحوار مع ذكرى استشهاد المعلم كمال جنبلاط ، إنها جدلية الحياة التي طالما أمن بها المعلم الشهيد ، إنه القدر الذي تحدثت عنه أساطير الإغريق ومسرحيات شكسبير ..فلو أغمضنا أعيننا وأطلقنا العنان لمخيلتنا..وحاولنا استحضار روح الماضي إلى الحاضر ، لشاهدنا المعلم يدخل بهامته الفارهة باب المجلس النيابي ويصعد إلى غرفة الحوار ..ويقف أمام المتحاورين ، ملقيا السلام عليهم أولا وطالبا الكلام بلباقته وحكمته المعروفة ..سيقول لهم : quot;يا أيها القادة ..حواركم هذا خشبة الخلاص للبنانيين فلا تضيعوها.. أعملوا لإنجاح الحوار وليس لإثبات نجاحكم في التحاور ..تفادوا الأسوأ فالأخطار التي ستواجه لبنان في حال فشلكم ستكون كبيرة جدا ووخيمة على الوطن وعلى المواطنين ..أنظروا إلى ماذا يريد شعبكم ..سيقول لهم : quot; هذه الساحة ليست لأغلبية أو للأقلية ..إنها للبنانين ..وهؤلاء المليون الذين احتشدوا فيها في الرابع عشر من شباط لم يأتوا من أجلك يا ولدي فقط ..ولا كرمى عيون سعد وإرضاء للحكيم فقط ..بل جاءوا من أجل الحرية الحقيقية ..جاءوا من أجل الديمقراطية الحقيقية ..جاءوا من أجل العيش بكرامة ..جاءوا ليقولوا لا للوصاية أيا كانت ..لا quot; لرنجر quot; العسكر ومخابراته ..لا لمن يخرق القوانين ويمزق الدساتير ..جاءوا ليقولوا لصاحب القسم الكاذب شكرا لك ولكن إرحل ..كفى ..
ركزوا قليلا سترون المعلم الشهيد يلتفت نحو سماحة السيد وستسمعونه يقول له : quot; شكرا يا سيد المقاومة ..هؤلاء المليون الذين احتشدوا في ساحة رياض الصلح في 8 أذار يقولون لك شكرا ..وهؤلاء الذين تجمعوا في ساحة الشهداء أيضا يقولون لك شكرا ...فكلاهما يقول شكرا على طريقته ، يا سماحة السيد أنت تعلم أن الذين اجتمعوا في ساحة رياض الصلح جاءوا إليك ومن أجل لبنان وليسوا عملاء سوريا أو إيران .إنما هم لبنانيون عارفين بالجميل ..مدينين لك بحياتهم وأغلى ما عندهم ، تماما كما تعلموا منك، فكنت أنت لهم قدوة حسنة في العطاء .هؤلاء جاءوا من أجل لبنان ..فلا يحق لك أن تدخلهم في أحلاف واتفاقات وصراعات .أيها السيد .احتفظ بسلاح دفاعك عن لبنان وتصدى لأي اعتداء عليه ، ولكن لا تجعل هذا السلاح من أجل غير لبنان .لقد دفعنا كثيرا عن الآخرين من أجل القضية ..والآن يحق لنا ولك أن نستريح ..أحتفظ بسلاحك وخذ استراحة مقاتل .ودعهم يحاولون استكمال التحرير .يكفينا سفك دماء ودموع ومال .حان الأوان لننظر إلى لبنان وفقط لبنان.دعنا نستريح ونبني وطننا ونعيد أبنائنا إليه.. دعنا لا نسمح لغيرنا أن يسخرونا في حروبهم ..فليحاربوا بأنفسهم ..ألا يحق لنا أن نرتاح ؟؟
ها هو كمال جنبلاط يودع المتحاورين بابتسامته وسكونه الغريب .. يترك الساحة للوليد وهو يقول له : quot; لا نريد الثأر يا وليد الحبيب . نريد لبنان جديد .يا ولدي تعاون مع إخوانك وحرر الوطن من الوصاية ومن الديكتاتورية .اجعل أرضه تنطق بالحرية.وأهله يعيشون بديمقراطية ووحدة وطنية ..ليس من أجلي ، بل من أجل لبنان ..من أجل اشتراكية أكثر إنسانية...اعمل من أجل الذين ليس على صدورهم قميص ...فهم الذين سيغيرون وجه العالم والتاريخ ...عندها تكون أخذت الثار وانتقمت من قاتليquot;.
التعليقات