أحمد عبد المنعم : فارق كبير بين أن تعيش الحرب وأن تشاهدها على شاشة التلفاز.فارق كبير بين أن ترى طائرات تحلق في مدينتك لتقضي على الأخضر واليابس وبين أن تسمع أنباء عن تلك الغارة في المذياع أو من خلال الصحف.. فارق كبير بين ما تسمعه عن أرقام الشهداء وأن ينضم اسم قريب أو حبيب الي تلك القائمة. قد تحزن لبعض الوقت.. وقد تعض على شفاهك من قسوة ما ترى.
قد تذرف عيوننا الدمع لمشهد طفل تحول الى أشلاء بفعل الكارثة العسكرية الصهيونية وقد لا تتناول طعام الغداء في موعده.. ولكن سرعان ما ستعود الامور الي طبيعتها.. سنستيقظ من النوم مبكراً ، وسنذهب الي عملنا وسنتناول الطعام في موعده وننتظر يوم العطلة الاسبوعية لنلهو مع أصدقائنا.. وستبقى المصيبة حكراً على أصحابها.
بين أب مكلوم وأم ثكلى تعيش ببيروت، بين طفل فقد الأب والأم وتلميذ دمرت مدرسته تحيا بلاد الارز.على هدير الانفجارات تستيقظ وعلي قصف الطائرات تختلس النوم. الكل في حالة قلق وترقب.. من سيفقد هذه المرة؟!.. أمه او أبيه؟!.. ابنه ام ابنته؟!.. زوجته أم جاره؟!.. فكل يوم بل كل ساعة ينضم الى قائمة الشهداء أرقاماً يصعب حصرها.
الكل يدرك جيداً أن عجلة الحرب التي دارت لن تتوقف قبل أن تدهس المئات ان لم يكن الآلآف.. فالمعركة الآن ليست كما كان الحال في السابق كر وفر وسرعان ما ستهدأ الأمور ويفرض مبدأquot; يبقى الحال على ما هو عليهquot; نفسه على الجميع.
المعركة هذه المرة اما ان تكسب كل شيء أو تخسر كل شيء. اما ان تصمد امام الآلة العسكرية الجبارة واما ان تنهار وتقبل بشروط مجحفة!.
والصمود ليس بالقرار السهل. فعلى الشعب اللبناني أن يدفع فاتورته وحده ، عليه أن يتحمل تدهور البنية الاساسية وعليه ايضاً ان يتحمل اقتصاد منهار وقبل كل ذلك عليه أن يدفع الفاتورة الأغلى من دم أبنائه. عليه تحمل مشهد القتل والدمار في كل مكان. عليه الا ينتظر مساعدة أحد وأن يدرك جيداً ان الفاتورة سيدفعها وحده!
فالمجتمع الدولي قد وفر غطاءً من الشرعية على جرائم اسرائيل في لبنان.. كافة التصريحات تصب في صالح الدولة العبرية وتعتبر ما تقوم به دفاعاً عن النفس. الرئيس الأميركي يعتبر ما يقوم به حزب الله نوع من القذارة والقرف وما تقوم به اسرائيل مجرد رد فعل لاستعادة جنودها المخطوفين.. دول الثمانية الكبري هي الاخرى نفضت يدها من المعركة والقت بالكرة في ملعب حزب الله فطالبته بالافراج عن الجنود الاسرائيليين أولاً.
أما الدولة العربية فحدث ولا حرج.. ياليتهم صمتوا واعتبروا الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد.. لو فعلوا ذلك لكانوا حقاً اكثر رفقاً بلبنان وشعبها ولكنهم اصروا علي طعن لبنان في الظهر باطلاق تصريحات تخدم المصالح الاسرائيلية أكثر من التعاطف مع الشعب اللبناني.. فالسعودية اعتبرت عملية حزب الله تصعيداً يتحمل وحده عواقبه ومصر وجدت انه الظرف الأنسب لمطالبة الجيش اللبناني بفرض سيطرته على كامل ترابه الوطني. بقية الدول العربية آثروا السلامة ورفضوا التورط في تصريحات قد تثير شعوبهم كما حدث مع السعودية ومصر.
كان مشهداً كوميدياً ذلك الذي أعقب اجتماع وزراء الخارجية العرب والذي بحث عقد اجتماع قمة عربية طارئة لمناقشة الوضع المتدهور في لبنان. بلد يدمر وشعب يباد والقادة العرب مازالوا مختلفين حول مدي أهمية عقد القمة. فنصاب عقدها لم يكتمل حتى الآن.. القادة العرب في حاجة لاجراء المزيد من المشاورات حول الوضع!
حقاً ياله من مشهد يدعو الي السخرية والضحك قدر ما يدعو للبكاء والعويل على قادة يختلفون حول عقد القمة من عدمه، فما بالنا بالقرارات التي ستصدر عنها في حال جاء الفرج وانعقدت.. لن تخرج عن حزمة من قرارات الادانة والى جوارها مجموعة من قرارات الشغب وفي الختام نداء استغاثة للمجتمع الدولي كي يتحرك لنجدة البلد العربي.. وستبقى الحقيقة الوحيدة وهي أن المصيبة حكراً على لبنان وعلى شعبه أن يدفع الفاتورة وحده من دم أبنائه.. فتحية لهذا البلد الصغير الصامد في وقت فضلت فيه العديد من الدول العربية الحياد ونأت بنفسها عن هذا الصراع وتحية لمحمود درويش الذي قال يوماً:
لبيروت
من قلبي سلام
وقبل..
للبحر والبيوت
لصخرة كأنها..
وجه بحار قديم
هي من روح الشعب
خمر
هي من عرقه خبز
وياسمين
فكيف صار طعمها
طعم نار ودخان
لبيروت
مجد من رماد
لبيروت
من دم لولد حمل
فوق يدها
اطفأت مدينتي قنديلها
أغلقت بابها
أصبحت في المساء
وحدها
وليل
التعليقات