واشنطن: يبدو أن المجتمع الأميركي بدأ يفقد اهتمامه بمتابعة أخبار حرب العراق سواء علي مستوي المواطنين وخاصة فئة الشباب، أو وسائل الاعلام التي سجلت ضعفا ملحوظا في الأداء فيما يتعلق بتغطية الأحداث اليومية للحرب علي الأرض بعد دخولها العام الخامس دون حدوث أي انفراجة في الوضع المتأزم سواء علي صعيد التهدئة الداخلية أو حتي من حيث مدي خطورته علي الدول المحيطة وتصديره للإرهاب والعنف إلي الخارج.
فقد أظهرت دراسة حديثة أجرتها جامعة هارفارد الأميركية ((Kennedy school of Government أن واحدا من كل ثلاثة مراهقين أميركيين لا ينتبه الي الأخبار اليومية وأن حوالي 60% من المراهقين الأميركيين (من سن 12-17 عاما) غير مهتمين بما يجري في العالم من حولهم.
نتائج هذه الدراسة ملفتة ومثيرة للغاية، فمن المنطقي أنه عندما تخوض أي دولة حربا ما فان شعبها يولي أهمية كبيرة لمتابعة مجريات الحرب. فقد كان الشعب الأميركي وخصوصا الشباب وقودا للحركات الشعبية الاحتجاجية علي حرب فيتنام التي خلقت جيلا واعيا بما يحدث حوله حتي وان كان لا يروقهم.
لكن نتائج الدراسة المبنية علي استطلاع لآراء 1800 من الشباب الأميركي (من سن 12-31 فأكثر) أكدت أن الاهتمام بالأخبار اليومية لدي هذه الفئة قد انخفض مقارنة بما كان عليه الحال منذ عقدين أو ثلاثة عقود. ولهذا خلصت الدراسة الي أن الدراسات السابقة التي تناولت علاقة الشباب بالأخبار اليومية وبوسائل الاعلام قد بالغت في تقدير حجم الأخبار والمعلومات التي يستهلكها الشاب الأميركي في المتوسط.
وتساءلت الدراسة: كيف يتعرض الشباب الأميركي لوسائل الاعلام لعدة ساعات يوميا (تصل الي ست ساعات في بعض الأحيان بخلاف الساعات التي يقضونها علي الهاتف) ولا يكونوا علي دراية بالشئون والأحداث الدولية؟
التليفزيون في المقدمة . والصحف في ذيل القائمة

وأظهرت الدراسة التي حملت عنوان (Young people and news) أن الشباب الأميركي ابتعد عن الجريدة اليومية التي نادرا ما يقرأونها وأصبح يستقي أخباره اليومية من التليفزيون في المقام الأول ثم الراديو وأخيرا الانترنت. ومن الملاحظ في نتائج الدراسة أن الشباب (31 عاما فأكثر) هم الأكثر تعرضا لوسائل الاعلام علي اختلافها، مقارنة بالشباب (18-30 عاما) والمراهقين (12-17 عاما).
وحول نسب تعرض الشباب لوسائل الاعلام، أفادت الدراسة أن الشباب الأميركي من سن (12- 30 عاما) يتعرضون للصحف اليومية لفترة قليلة مقارنة بالشباب من شن (31 عاما فأكثر)، لكنهم يمرون سريعا علي صفحات الأخبار وبعضهم يقرأ بضعة قصص اخبارية. وبلغة الأرقام، فهناك 9% فقط من المراهقين و16% من الشباب (18-30)، و35% من الشباب (31 فأكثر) يتعرضون لها بشكل يومي.
أما بالنسبة للتليفزيون الوطني أو القومي والتليفزيون المحلي، ففي المتوسط يتعرض 30،5% من المراهقين لها يوميا بينما تزيد هذه النسبة الي 34% عند الشباب (18-30) لتصل إلي 60% لدي شباب (أكثر من 30). أما عن نسب مشاهدة جميع النشرات الاخبارية فجاءت في المتوسط كالتالي: 37% في أوساط المراهقين، و40% في أوساط شباب (18-30) و61% في أوساط شباب (أكثر من 30).
ولا يحظي الراديو بنسب التعرض هذه التي تعتبر الي حد ما مرتفعة. ففي أوساط المراهقين يتعرض 25% فقط منهم للاعلام المسموع مقارنة ب 29% من شباب (18-30)، و38% من شباب (أكثر من 30). وبالرغم من أن نسب التعرض للراديو ليست كالتليفزيون الا أن هناك طفرة في الاعتماد علي الراديو في العقود الأخيرة وهو ما أرجعته الدراسة الي قضاء الأميركيين مزيدا من الوقت في سياراتهم وتنقلاتهم.
الانترنت وسيلة تسلية وليست مصدرا للأخبار!

وعلي عكس ما هو معروف من أن الشباب الأميركي أكثر استخداما لشبكة الانترنت وبالتالي التعرض للأخبار الاليكترونية، فان الدراسة أظهرت أن واحدا من كل خمسة مراهقين يتعرض يوميا للأخبار علي الانترنت. ووفق تحليل نتائج الدراسة فانه يتبين أن 20% فقط من كل من المراهقين وشباب (أكثر من 30) يتعرضون بشكل يومي للأخبار علي الانترنت بينما تزيد نسبتهم لدي شباب (18-30) قليلا لتصل الي 22%. كما قال ثلثي المراهقين الذين يستقون أخبارهم من الانترنت أنهم لا يسعون لها بل يجدونها أمامهم بشكل عفوي.
أما من يسعي للحصول علي الأخبار علي الانترنت فهم 55% من شباب (أكثر من 30) يليهم 46% من شباب (18-30) وأخيرا 32% من المراهقين.
وحددت الدراسة نسب غير المستخدمين من الشباب لوسائل الاعلام المختلفة فكان أكثرها غير معتمد عليه هو الصحف اليومية 68% من المراهقين، 64% من شباب (18-30) و45% من شباب (أكثر من 30).
أما أخبار الانترنت فهناك 64% من شباب (أكثر من 30)، 59% من شباب (18-30) و52% من المراهقين). أما بالنسبة للتليفزيون الوطني والمحلي فكان المراهقون هم أقل الفئات العمرية اعتمادا عليه بنسبة 41% يليهم 36% من شباب (18-30) و17% من شباب (أكثر من 30). وبالنسبة للأخبار الاذاعية أو المسموعة، فكان المراهقون هم الأقل اعتمادا عليها بنسبة 58% يليهم شباب (18-30) بنسبة 54% وأخيرا شباب (أكثر من 30) بنسبة 38%.
تقصير من الإعلام؟

لكن الإجابة عن التساؤل السابق حول أسباب عدم دراية الشباب الأميركي بأحداث العراق قد يختلف تفسيرها عما جاء بالدراسة التي تعرضنا لها والتي ترمي الي تقصير ولامبالاة من الشباب. فوفق ما جاء في دراسة تحليلية صدرت منذ بضعة أيام، فان التغطية الاخبارية لحرب العراق انخفضت في الربع الأخير من العام الحالي مع تركيز وسائل الاعلام علي حملة الانتخابات الرئاسية وعلي أنشطة المرشحين فضلا عن قضية الهجرة.
وأوضحت المجموعة البحثية The project for Excellence in Journalism التي تتبع مركز بيو للأبحاث في واشنطن، أن محطتي CNN و MSNBC خصصت لقضيتي الانتخابات الرئاسية والهجرة ضعف الوقت الذي خصصته لتغطية أخبار العراق مع اعطاء قضية انتخابات الرئاسة أولوية خاصة. ومع اشتداد سخونة السباق للفوز بالبيت الأبيض يتوقع أن يزداد معه اهتمام الاعلام بالمرشحين وبرامجهم وأنشطتهم مما ينذر بانخفاض أكبر في أخبار العراق خاصة وأن الوضع لا يتوقع أن يشهد أي انفراجة قريبة.
وأثبتت الدراسة أن أخبار الحرب احتلت الصدارة في التغطية الاعلامية خلال الثلاثة شهور الأولي من العام الحالي بالتزامن مع قرار الرئيس الأميركي جورج بوش بالمضي قدما في خطته لزيادة عدد القوات وهي الفترة التي شهدت جدالا ونقاشات كبيرة في واشنطن بين الديمقراطيين والجمهوريين كما شهدت اختلافا وانقساما بين الجمهوريين أنفسهم ، لكنها انخفضت كثيرا في الربع الثاني من العام بعد موافقة الكونجرس علي تقديم الدعم المالي للحرب دون تحديد موعد لبدء عملية الانسحاب.
وبعيدا عن مجريات الحرب علي الأرض، فان التغطية الاعلامية لتبعات الحرب والجنود المصابين والجدال السياسي حول الخطوة التالية لم يتأثر فتغطيته تظل أسهل بكثير من تغطية يوميات الحرب كما يري توم روزنستيل مدير مشروع البحث.
وكانت القنوات التليفزيونية الاخبارية هي أكثر القنوات التي انخفضت فيها متابعات حرب العراق بعكس محطة quot;بي.بي.اسquot; الاذاعية علي سبيل المثال التي أولت قدرا متساويا من الاهتمام للوضع الميداني في العراق والجدل السياسي حول الحرب في واشنطن.
وقد أجري البحث علي عينة من الصحف وشبكات التليفزيون والبرامج والمواقع الاليكترونية الشهيرة والبرامج الاذاعية بالاضافة الي برامج التليفزيون الصباحية والمسائية بمجموع 18 ألف تقرير من 48 مصدر في الفترة من شهر ابريل الي شهر يونيو.