شبان عراقيون في عمان،العاصمة الأردنية
هديل عبدالرحمن - إيلاف: حين تجاوزت عتبات مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض في عام 2003، للتبرع بالدم لأحد أطفال ضحايا الغزو الأميركي للعراق؛ لم أتصور أن الأمر سيمتد بي أكثر من الوقت الذي يتطلبه سحب الممرضة الآسيوية ما يملأ الكيس البلاستيكي من الدم، ومن ثم شرب كأس العصير الذي يقدم في مثل هذه الحالات. شربت كأس العصير بالقرب من أبي حسام، الذي اكتشفت بعد دوران الحديث أنه والد الطفل الذي جئت من أجله، وقد كان ممتنًا لي ولمن معي، وكسيرًا لحالة حسام، الطفل الذي لم يبلغ الخامسة بعد، وعلى الرغم من ذلك لم يرأف السرطان بدماغه الصغير، فزرع فيه ورميْن متتاليين، ثم مضيت بعد أن تبادلنا العناوين.
بعد شهرين جاءتني دعوة إلى قبول إضافة على الماسنجر، كان الاسم غريبًا، ويظهر في فترات متقطعة، وما إن استقر به الاتصال حتى عرفت انه سمير (عم) الطفل حسام الذي وافته المنية بعد عودته إلى بغداد، لقلة الأدوية، وضعف المتابعة الطبية لحالة دماغه إثر استئصال الورم الثاني في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض. سمير الشاب الذي بدأت معاناته مع بدء الحرب، وتضخمت مع بدئه العمل موظفًا في الصليب الأحمر في العراق.
سمير يقول:
quot;عملت في الصليب الأحمر، بعد أن قررت التوقف عن دراسة فنون المسرح في بغداد، لقد كان الأمر مخيفًا، ومحبطًا، بعضهم اعتبرني عميلاً، لأني أعمل مع منظمة أجنبية، وهو ما زاد الأمر سوءًا، إذ تلقيت تهديدات مستمرة من جماعات مسلحة مجهولة، على الرغم من أنها حياد المنظمة، والخدمات الإنسانية والإغاثية الواضحة والمحددة. امتدت التهديدات إلى أفراد عائلتي، وتم تنفيذ أحدها بأخي (مصطفى) الذي ما زال مختفيًا حتى الآن؛ حينها فكرت جديًا في الهرب خارج البلادquot;.
بعد فترة ازدادت الأحوال سوءًا، وأصبح حمام الدم يجري في الأزقة، وبين البيوت، حاملاً معه رائحة مذهبية نتنة، وأصبح (سمير) يغيب أكثر فأكثر، ولا أراه إلا في مرات متباعدة وعلى عجل.
في أحد المرات المستعجلة، طلب منى إن كنتُ أستطيع تدبير استضافته وأمه وعائلته في السعودية، لكن الرد جاء محبطًا لي وله، حيث تمنع السلطات السعودية لجوء العراقيين على خلفية التداعيات الأمنية التي خلقها الغزو الأميركي على العراق بحجة وجود أسلحة الدمار الشامل بحوزة (صدام حسين).
قد تكون الصدف وحدها هي التي أوصلتني إلى سمير، وجعلتني أعايش معاناته الشخصية لحظة بلحظة، حتى اختفى، بعد آخر خبر منه يعلمني بأنه في (سيراليون)،آملاً أن تساعده الأيام في بلوغ (النرويج)؛ إلا أن القصص التالية لا تقل واقعية عن قصة (سمير)، وتخلق كل واحدة منها ألمًا إنسانيًا حيال شعب عانده الحظ منذ زمن طويل.
مقهى إنترنت يصنع وطنًا
ياسر - 27 عامًا

استقر به المقام في التشيك، بعد أن فشلت محاولاته المتكررة للدخول إلى ألمانيا، فقرر أن يسلّم للقدر، فافتتح مقهى للإنترنت، مستفيدًا من المتعالجين العرب ومرافقيهم، عبر توفير ألواح مفاتيح للكمبيوتر بحروف عربية، تجعلهم يفضلون مقهاه على الرغم من بعده عن المصحات الرئيسة في (براغ).
يقول:
quot;فترة الصيف تؤجج لديّ شعور الحنين، بتكاثر اللهجات العربية المختلفة، خصوصًا تلك المحاذية للخليج العربي، والتي تتقاطع ببعض لكناتها مع لهجتي العراقية ( البصراوية)، كما أني أقمت علاقات طيبة مع عدد من مرافقي المتعالجين الذين يقضون أوقاتًا طويلة في مقهاي، ونفترق على أمل أن ألتقيهم صيف العام القادمquot;.
السويد .. جنة المنفى
أماني باكوس - 32 عامًا

فور وصولي إلى مدينة سكليسونا التي تقع على بعد ساعة من العاصمة ستوكهولم منذ شهرين، قامت الحكومة بتقديم راتب شهري لي وكل أفراد أسرتي يبلغ 300 دولار لكل منا، إضافة إلى توفير مسكن وعلاج مجاني.
كما كلفت الحكومة أيضًا أحد المحامين في ستوكهولم لتولي قضية اللجوء التي تقدمت بطلب للحصول عليه، بل إنها دفعت لي مصاريف التنقل إلى مكتب هذا المحامي في ستوكهولم لمتابعة تفاصيل القضية.
أذهب حاليًا إلى مدرسة بالمنطقة التي أعيش فيها حيث أقضي فيها ثلاث ساعات يوميا لتعلم اللغة السويدية. وبعد انقضاء فترة الدراسة التي تمتد إلى ثلاثة شهور، يمكنني التقدم بطلب للحصول على عمل في تخصصات مختلفة .
منذ وصولي إلى البلاد من العراق، لم أواجه أي سلوك عنصري ضدي سواء من الحكومة أم المواطنين، بل على العكس قامت الحكومة بتوفير مترجمين في بعض الدوائر الحكومية لتسهيل التعامل معها .
بل إنه يسمح لأفراد عائلة المهاجر- الزوج أو الزوجة وكذلك الأولاد تحت سن 18 عامًا - في الوطن الأم بالالتحاق بذويهم في السويد، وهو ما استفاد منه كثير من المهاجرين العراقيين المقيمين هنا.
يتفق الكثير من اللاجئين العراقيين مع شهادتي، حيث أنهم يتمتعون بكل تلك المزايا في السويد دون أي استثناء أو تفرقة حسبما يحدث في بلادنا.
أتوقع الحصول على اللجوء بعد ستة أشهر من قدومي إلى هنا، وهي فترة قصيرة بحق تجعل من السويد أفضل دولة تساعد المهاجرين على الاستقرار والاندماج فيها.

أبو ظبي شركة نفط كبيرة
سعدي ndash; 32 عامًا
قالوا له قبل مجيئه، يجب أن يتم إستدعاؤك من قبل شركة بترول، لا حلول أخرى تمكنك من الدخول إلى الإمارات، في الوقت الذي عاد به سعدي من ليبيا بعد سنوات طويلة قضاها في أحد شركات البترول في طرابلس.
يقول: ظننت بأن مشاكلي ستنتهي حين أحصل على شهادة جامعية في هندسة النفط، حيث كل شيء يقول بأنه يجب أن أحيا حياة راغدة، في دولة تعتبر من كبرى الدول المنتجة.
الحقيقة أن التخرج كانت بداية المشاكل، حيث الكثير من الإلتزامات وقعت على عاتقي.. عائلتي، أقربائي، إخوتي، ووطني، لولا الحرب لكانت كل الأمور ستنتهي كما ينبغي، لكني الآن أعمل في شركة بترول كبيرة، وأخالط مجتمع لا ينتبه لوجودي، هم مسالمون كما أنهم منغلقون جدًا، ولا يتقبلون الغرباء، والحكومة تلتزم الحياة تجاه العراقيين هنا.
13 ألف دولار مقابل التشرد
ياسمين البغدادي - 29 عامًا
وصلتُ إلى السويد منذ أسابيع، بعد أن تم تهريبي مع زوجي عبر سماسرة أخذوا مقابل العملية ما يقارب 13 ألف دولار لكل واحد منّا، مع وعد منهم بتوفير إقامة نظامية لنا هناك، إلا أنهم تخلوا عنّا سريعًا، وبدأت رحلتنا الشخصية في البحث عن الجنسية، وإقامة قانونية.
انطباعاتي عن السويد كأفضل دولة للمهاجرين تغيرت بعض الشيء، فبعد وصولي تقدمت بطلب للجوء في ظل الأوضاع السيئة في العراق التي تحول دون عودتي إليه.
وتم نقلي إلى معسكر للاجئين، وهنا بدأت معاناتي وزوجي بعد أن اضطررنا للإقامة مع عائلة روسية في غرفة واحدة .
تخيلوا بأنني كنت لا أستطيع تغيير ملابسي دون أن أطلب من بقية من في الغرفة الاستدارة للخلف، ناهيك عن الكثير من المواقف المحرجة الأخرى .
كما أن الوجبات المقدمة لنا في المعسكر سيئة للغاية تجعلني أشعر مع زوجي بأننا في سجن. كل ذلك خيب توقعاتي عن معاملة أفضل لنا في السويد، خاصة وأنني أحمل مؤهلاً تعليمًا عاليًا في تخصص الطب، وهو تخصص زوجي نفسه .
منذ قدومي إلى البلاد، أحصل على أربع دولارات يوميا، بالإضافة إلى الأكل والمسكن التي تتحمل الحكومة السويدية تكاليفهما.
كما وجدت سهولة في تقديم أوراق اللجوء، وأتوقع الحصول على الإقامة كلاجئة خلال شهر واحد، وهو ما يحسب للحكومة السويدية في تعاملها مع اللاجئين .
عمان أسوأ مما تبدو
وضاح ndash; 28 سنة
عمل على التوالي في جلي الأطباق، ثم عامل مقهى يعد الأراجيل ويشعل الجمر، ثم عمل في تنظيف شقق الطلاب في أحياء عمان الراقية، وفيما هو يواصل سرد الأعمال التي أنخرط بها أنفجر وقال: عمان ربما تكون المكان الأنسب للعراقين، لكن العراقيين الذين يمتلوكن ارصدة حسابات تضم 6 خانات على الأقل، وفيما هم يعيشون برغد، نحن المطحونين ندفع ضريبتهم، لأننا أصبحنا مكروهين في الشارع. وهذهالكراهية فيالشارع قد تكونمبررة، فأبناء جلدتنا الأثرياء أقاموا قيامة الأسعار ولم يقعدوها.
ففي الوقت الذي يعيش فيه أكثر من مليون عراقي في الأراضي الأردنية، معظمهم من الطبقة المترفة، حيث أن شروط الحكومة الأردنية في أستقبال العراقيين تتعلق بالمستثمرين، والذي يمكنهم دفع عجلة الأقتصاد داخل الأردن، ويواصل وضاح الحديث: أسكن في غرفة مع أثنين آخرين، أحياناً لا نأكل لأن الطعام في الأردن يكلف الكثير.
يتذكر الشهر الأول له هنا، يقول: ظللت أستجدي ارباب العمل من أجل وظيفة، أياً كانت وبعد أن وجدت ظللت ثلاثة أشهر أخرى دون إستلام مستحقاتي، الوطن يقسو علينا، وقسوة الآخرين تبدو مبررة مقارنة بما نجنيه من الوطن.
بلاد العُرب.. أوطاني!
زهراء - 34 عامًا

quot;لو خيرتُ قبل عشر سنوات بين البقاء في العراق المحاصر، وبين الهجرة إلى سوريا، لفضلتُ العراق حتمًا، على الرغم من المرض والجوع، إلا أنني الآن مع زوجي وأطفالي، نقبع في مخيم مؤقت على مشارف دمشقquot;.
زهراء وآلاف من العراقيين الذين نزحوا من العراق، إلى سوريا لم يكن لهم خيار سوى ذلك، رغم سوء المعاملة التي يلقونها هناك، وقلة الفرص، وضيق العيش، ورغم المحاولات الحثيثة لجعل سوريا مجرد محطة آنية قبل الانتقال إلى دول أوروبية أكثر نعيمًا.
تستأنف زهراء: quot;حينما اتصلت بوالدتي أخبرها بوصولي سالمة مع عائلتي إلى سوريا، بعد رحلة التهريب الطويلة التي بدأت من مدينة أربيل، سألتني إن كان الأمر يستحق ترك الوطن.. بلعت غصتي وقلت لها: الكهرباء لا تتقطع هنا يا أميquot;.