هديل عبدالرحمن من الرياض: بعضهم يجمع مصروفه لأشهر طويلة، وبعضهم الآخر لديه مصادره الخاصة والتي لا تحتاج إلى وقت طويل، سواءً كان ذلك المصدر العائلة أو عمله أو مكافآت الدراسة، في النهاية نجد بأن طريقة صرف هذه الأمواللدى الشباب تتشابه، مع بعض الإختلافات الصغيرة.
فقد شهدت السنوات القليلة الماضية تحولاً في العقلية الاستهلاكية للمجتمع السعودي، فأصبح اقتناء الملابس والمجوهرات والمكملات التي تحمل أسماء لماركات عالمية ذات تصنيف عالي ونخبوي ظاهرة ملموسة في التجمعات، كما أخذت تلك الماركات تفتتح لها صالات عرض في عدد من المدن السعودية الكبرى، سدًا للإقبال الكثيف على منتجاتها.

وعلى الرغم منأن أسعار تلك المنتجات باهظة، وكثير منها تتعدى أسعارها آلاف الريالات السعودية، مما ترهق كاهل كثير من الأسر إلا أنها تجد نفسها مضطرة للانسياق مع الاتجاه السائد للمجتمع، خصوصًا تلك التي لديها فتيات وأبناء في سن الشباب، ولا يريدون أن يبدوا أقل من رفاقهم.

تلك الماركات لا تقتصر على الملابس، بل تمتد للحقائب، للأحذية، النظارات، الأكسسوارات، الساعات والمجوهرات، وأشياء أخرى عديدة، لا يكف أصحاب تلك العلامات التجارية عن اختراعها، وإغراق السوق بها.
وعلى الرغم من وجود المنتجات المقلدة منها، إلا أن ذلك لا يعني قلة الذين يقتنون الأصلية، إن لم يكن حفاظًا على (البرستيج)، فهو إرضاء لذواتهم الطامحة لأنها تتساوى مع رفاقهم، أو تتفوق عليهم إن تطلب الأمر ذلك.
رضى (النفس) غاية قد تدرك!

بكل رضى، اشترت (هنادي) قلادة تحمل اسم ماركة مشهورة بأربع آلاف ريال، على الرغم من أنها ليست من الذهب الخالص، بل مطلية بطبقة منه، ومرصعة بألماسة صغيرة جدًا، أخبرها البائع أن لا ضمان عليها في حال سقوطها. لكنها مع ذلك خرجت من المحل سعيدة كما تذكر، وبشعور من حقق نوعًا من الانتصار الشخصي، حتى وإن كان مبلغ الأربع آلاف لم يتجمع لديها إلا بعد أشهر طويلة من توفير المكافآت التي تحصل عليها من الجامعة.
للشباب نصيب...

عبد اللطيف شاب يؤكد مظهره أن الهوس بالماركات ليس حكرًا على الفتيات، فقبعته الصوفية تحمل اسمًا إيطاليًا شهيرًا، وقميصه كذلك، حتى حزامه الذي حرص أن يكون ظاهرًا، وحذاؤه، ويجد أن هذا الأمر لا علاقة له بحب الظهور، إنما هو جزء من شخصيته، وحبه للتأنق، وأن الملابس التي ترضي ذوقه لا توفرها له سوى تلك المحلات.
الهوس امتد أيضًا إلى السيارات، فكثير من الشباب كسوا مراتب سيارتهم بأقمشة أو جلود تحمل نقشات ماركات مشهورة، أو ظللوا زجاج نوافذهم بتظليل يحمل علامة معروفة، وعلى الرغم من أنها غير حقيقية، إلا أنها مؤشر على اهتمام الشباب بها، والتباهي بإبرازها.
الأمهات الشابات ونصيب أطفالهنمما يُشترى

كما أن اقتناء منتجات الماركات المشهورة ليس حكرًا على الكبار، فزينب أم لطفل يبلغ عمره سنة، تشتري له من ذات المحلات التي تشتري منها لنفسها، على الرغم منأنه قد ينمو جسمه دون أن يرتدي ما اشترته له سوى مرة واحدة، وأحيانًا تجد القطعة قد صغرت عليه قبل حتى أن يتاح له فرصة ارتدائها كما تذكر، وحينما سألتها أن اقتناءها لتلك المنتجات يبدو مبررًا ومعقولاً، لكن شراءها لصغيرها لا يبدو منطقيًا في ظل شكواها السابقة، قالت: rdquo;ماذا أفعل؟ مجتمع زوجي يحتم علي ذلك، ولا أريد أن أبدو أقل منهم في أي حال، ولو كان ذلك على حساب أشياء أكثر ضرورةldquo;.
شبكة لبيع منتجات الماركات

في الجامعة، أسست سارة مع صديقاتها وقريباتها شبكة لبيع منتجات الماركات فيما بينهن، ولا مانع من دخول أحد من خارج الشبكة، لكنها تؤكد أن ما يعرض للبيع يجب أن يكون أصليًا بحالة جيدة، وألا يبدو مستعملاً. وفي سؤالنا عن السبب الذي دفعها لتأسيس مثل هذه الشبكة.
تقول: لا أستطيع مهما بلغت قدرتي المادية على شراء كل ما يعجبني من الماركات، فوجدت أنها فرصة جيدة للحصول على ما أريده بسعر جيد بالنسبة لي، والتخلص مما لم أعد أحتاجه، وفي الوقت نفسهأكون قد اقتنيت الأصلي، وتخلصت من الأصلي بسعر مرضٍ أيضًا.
(مقلد) طبق الأصل

في المقابل يجد الكثيرون أن اقتناء المنتجات الأصلية هو مجرد عبث، وإهدار للمال، فسعاد تقول: لا بأس من اقتناء حقيبة مثلاً، أو قطعة مجوهرات، لكن أن يكون كل ما أشتريه من المنتجات الأصلية، فهذا ما أدعوه بالسفاهة.. تعترف سعاد بأنها تقتني المقلد في كثير من الأحوال، لكنها تصر بأنه مقلد (نظيف) حسب التعبير الدارج للمقلدات طبق الأصل، وتؤكد أن ٩٠٪ من طالبات الجامعة يقتنين منتجات مقلدة، مهما أنكرن ذلك.
خلود لم تكن تشتري سوى المنتجات الأصلية، كانت تقول بأن (المقلد) يمكن اكتشافه مهما بلغ دقة تقليده، إلا أنها تراجعت عن هذه القناعة بعد رحلة قامت بها إلى الصين، اقتنت خلالها حقيبة مقلدة لماركة شهيرة، لديها فرع في الرياض، وحينما عادت إلى الوطن، عرضت حقيبتها على أحد الباعة في المحل، مدعية أنها تلقتها كهدية، وأنها تريد التأكد ما إن كانت أصلية، من عدمها.
بعد أن قضى وقتاً ليس بالقصير في تقليبها، وتنبيشها، أعادها إليها مطمئناً بأن الحقيبة (أصلية) ولا مجال للشك في ذلك!
أما نوف فقد اشترت ساعة من وكالة معروفة على مستوى السعودية، وكم كانت صدمتها حينما تعطلت ساعتها أثناء إجازة كانت تقضيها في أوربا، حينما ذهبت للمحل الذي يبيع الماركة، لإصلاحها فأخبرها موظف هناك بأن ساعتها ليست أصلية، وحينما أكدت له أنها اشترتها من الوكالة التي تبيع ماركتهم، أجابها بأن ليس لديهم أية وكالة في الشرق الأوسط بأكمله!
أناقتها.. ماركتها الخاصة

عزيزة لا تشتري منتجًا لماركة شهيرة، سواء كان أصلياً أم مقلداً، فهي مقتنعة تماماً بأن شراء هذه المنتجات يعبر عن عدم احترام (للنعمة)، وتبذير صريح، والسبب الأهم بالنسبة لديها أنه (يمسخ) شخصية مقتنيها، فيصبح كالآخرين لا يميزه عنهم شيئاً. rdquo;أحب أن أشتري مقتنياتي من المحلات العادية، وأحياناً من تلك التي يسمونها (شعبية)، لا يهمني أن يكون ما أشتريه باهظ الثمن، بقدر ما تهمني حقاً أناقتي، وأن أرتدي ما يعبر عن ذوقيldquo;.

في الأخير يقف السؤال الأول: هل سيظل الهوس بشراء منتجات الماركات قائماً، مع ارتفاع تكاليف المعيشة الأساسية في السعودية، أم سينحسر كظاهرة عمت أغلب المجتمع، ليبقى حكراً على المقتدرين فقط؟