هديل عبدالرحمن من الرياض: قبل شهر من تاريخ الثلاثاء الماضي (٤ مارس ٢٠٠٨)، الذي مثل تاريخ إفتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب بمشاركة ٥٥٠ دار نشر، إستنفر الشباب السعودي في الرياض وفي بقية المدن كافة الإمكانيات، فمنهم من أنشأ مجموعات تختص بالتذكير بالموعد، وعرض قوائم بالكتب الجديدة وأسماء دور النشر المشاركة، ومنهم من جعل إجازته السنوية تتوافق مع هذا التاريخ ليتسنى له المشاركة في هذه التظاهرة الثقافية، وآخرون حملوا هموم الإعلانات عبر المواقع، والبريد الإلكتروني.
ويأتي هذا المعرض وسط تلهف شريحة كبرى من المجتمع، يمثل الشباب سواده الأعظم، وأكثر المهتمين بالحصول على الكتب التي ظلوا يعدونها لأشهر طويلة قبل الافتتاح. وبحضور لافت من الفتيات والشبابالذين حرصوا على استغلال فرصة تزامن معرض الكتاب ومهرجان الجنادرية.
التقنية في خدمة الثقافة

تزامن افتتاح هذا المعرض مع قفزات تقنية هائلة في مجال الاتصالات والإنترنت، وظهور web 2.0، ففي السنوات الماضية كانت المنتديات المتخصصة، وذات الاتجاه الثقافي هي المرجع السائد لراغبي اقتناء الكتب، مما كان يؤثر في اختيارات الزوار، ويجعلهم رهن توجهات أعضاء منتدياتهم. ما يميز هذا العام على وجه التحديد هو تنوع الخيارات، واختلاف التوجهات، والتي كان لتعدد الأقنية التي يستمد منها الزوار معلوماتهم الأثر الأكبر، فالمدونون على سبيل المثال سارعوا بطرح العناوين التي يقترحونها قبيل افتتاح المعرض، وأعضاء المواقع الاجتماعية مثل facebook ، أسسوا مجموعة هدفها التذكير بمواعيد المعرض وأهم الدور المشاركة فيه، فيما كان أعضاء موقع twitter يتبادلون الرسائل القصيرة كمتابعات وتغطيات مقتضبة لفعاليات ومحاضرات المعرض، كما ظهرت بعض الصور ومقاطع الفيديو التي تصور جوانب من الأنشطة المصاحبة.
هذا التنوع في وسائل الاتصال كان له أثره الواضح على مستوى المبيعات، ففي الأعوام السابقة كانت الكتب الأدبية من رواية وشعر ونصوص سردية تحتل المراتب الأولى في قائمة الكتب الأكثر مبيعًا، بينما ظهرت الكتب الفكرية والتنظيرية كمنافس قوي هذا العام، حتى أن بعض الأجنحة المختصة ببيع الكتب الأدبية كانت خالية تقريبًا من الزوار، فيما امتلأت أجنحة الدور ذات التوجه الفكري لدرجة الازدحام.
التوقيع المحرم

يبدو حماس الفتيات لزيارة المعرض كبيرًا؛ فهن يرون فيه مناسبة فريدة تمكنهن من التزود بمؤونة عام كامل من الكتب، وأن المكتبات لا توفر لهن هذا الجو المحمس للشراء كما يفعل المعرض، خصوصًا مع تنوع العناوين وتشعبها، ووجود أخرى ليست موجودة عادة في مكتبات السوق. أما ما أثار استغرابهن ودهشتهن، هذا العام، هو منع الكتّاب من توقيع نسخهن، دون أن يجدن أي تبرير لهذا المنع، في وقت يمارس فيه البيع والشراء وتبادل الأحاديث في كل المعرض وفعالياته!
ثقافة ثمنها باهظ!

علة الرغم منأن الشباب لا يقلون حماساً ولهفة بانتظار المعرض؛ إلا أنهم اشتكوا من الأسعار المبالغ فيها، التي تستنزفهم ماديًا، وتخل بميزانياتهم الضعيفة أصلاً، متسائلين عن سبب عدم وجود طبعات (شعبية) للكتب، تيسر عليهم اقتناء عدد أكبر من العناوين. كما أكد بعضهم أن الأسعار المدرجة في لائحة المعرض في الموقع الإلكتروني والأقراص المدمجة أقل من تلك التي تباع فيها في الأجنحة، متسائلين عن دور مسؤولي المعرض في المراقبة، ومدى جديتهم في التفاعل مع البلاغات التي تصل إليهم من المشتكين. بينما ينفي الناشرون، والقائمون على الأجنحة إخلالهم باللائحة، ومؤكدين أن الأسعار هي تكلفة الكتاب مع هامش ضئيل للربح.
استضافة مثيرة، وفعاليات باردة

نوه الزوار بالتنظيم العالي للمعرض، الذي شهد تطورًا ملحوظًا عن الأعوام السابقة، ولم يؤثر الازدحام كثيرًافي الحركة داخل المعرض، كما لفتت استضافة (اليابان) كضيف شرف انتباه الكثير، وأشادوا بتلك الخطوة التي من شأنها التعريف ببلد مهم وذي ثقل دولي، وستكون هذه الاستضافة كهمزة وصل بين ثقافتين تشتركان في العراقة والعمق التاريخي. على الجانب الآخر يذكر زوار المعرض الذي نظمته وزارة التعليم العالي قبل عامين، كأول معرض كتاب دولي تستضيفه مدينة الرياض، وجدوله المليء بالفعاليات القوية، والمثيرة للجدل، ويتساءلون عن المانع من إقامة فعاليات على ذلك المستوى، بدلاً من الحالية التي تطغى عليها الرتابة، وضعف الجاذبية الكافية، ولا علاقة لكثير منها بالجوانب الثقافية للمعرض.
الجنادرية ومعرض الكتاب: توأمة مفقودة

أبدى عدد من الشباب استغرابهم من عدم الجمع بين فعاليتين مهمتين، وهما: مهرجان الجنادرية ومعرض الكتاب، إذ إنهما يمثلان جميعاً واجهة ثقافية للمملكة، والتعاون بينهما سيحقق عائدًا ثقافيًا واجتماعيًا وماديًا كبيرًا، خصوصًا أن معظم جمهوري الفعاليتين هو من الشباب، والجمع بين هاتين الفعاليتين قد يحقق نوعاً من التقارب، وينوع الاهتمامات بين أفراد المجتمع. فاقترح أحدهم أن يكون مقر معرض الكتاب في (الجنادرية)، بينما اقترح آخر أن يكون للفعاليات الشعبية حضور في معرض الكتاب. تنوعت الاقتراحات ولكن اتفقت الغالبية أن الفعاليتين يجب أن يتم الجمع بينهما بطريقة ما.

وبينما المعرض يوشك على اختتام فعالياته، يتطلع الجميع إلى العام المقبل، مملوءين بأمنيات كثيرة تتعلق بالمعرض، كأن يكون (دولياً) بحق، وأن تتنوع فعالياته، وتتناسب مع تطلعات ثقافية عليا.. سيسدل ستار هذا المعرض، ليبدأ الإعداد للمعرض القادم!