هديل عبدالرحمن من الرياض: لم يعد منظر شخص يمسك بكتاب في مقهى مثيراً للفضول، أو الاستغراب، وبات من المألوف رؤية من يقرأ أثناء فترات الانتظار، وفي السيارة، وحتى في المجمعات التجارية. هذه الظاهرة لم تكن منتشرة قبل سنوات قليلة في السعودية، بل كان منظر القارئ في مكان عام منظراً ناشزاً، وغريباً، وفي أحسن الأحوال يعتبر أنه يقرأ شيئاً له علاقة بما يدرس.

أروى تقضي فترات الانتظار بين المحاضرات بقراءة كتاب تصطحبه دائما في حقيبتها، تقول: في البداية كانت زميلاتي يعتقدن أن ما أقرأه له علاقة بالمقرر الدراسي، ثم حين انتشرت (موضة) الروايات قبل سنتين تقريباً؛ أصبحن يسألن عن اسم (الرواية) التي أقرأها، ولم يعلمن أني لا أقرأ الروايات قط! تضيف: لا يعنيني كثيراً ما يعتقدن بشأن ما أقرأ، المهم أنه لم يعد منظري منظر الطالبة المجتهدة، التي لا تكف عن قراءة دروسها، على الأقل اكتشفن أن ثمة شيء آخر يُقرأ!
موعد في مطعم، يصنع البداية

rdquo;تواعدتُ مع أصدقائي لتناول الغداء في مطعم قبل سنوات قليلة، ولأنني خشيت أن يتأخروا لبعد المسافة؛ فقد أحضرت معي كتاباً أقضي به وقت انتظاري، وكم كان إحراجي كبيراً حينما لمحوني من خلف الزجاج وأنا منهمك في قراءته، حاولت تبرير الأمر إلا أن وقتاً طويلاً مضى قبل أن يتوقفوا عن التهكم بي، ونعتي بـ المثقف.ldquo; هكذا يبدأ أحمد قصته، ويضيف: rdquo;الآن أصبح الأمر مألوفاً لدي ولديهم لدرجة أنهم أصبحوا همأيضا يقضون أوقات انتظارهم بقراءة كتب غالباً ما تكون ملكيldquo;!

لمياء تذكر أن أهلها كانوا يمنعونها من أخذ كتاب لقراءته في مكان عام بحجة أنه أمر محرج، و(يفشلهم)، وغالباً ما يبدون تضايقهم من انهماكها في القراءة في المنزل. تقول: أصبحت آخذ كتاباً معي خلسة دون علم أهلي، وأجلس في المرتبة الأخيرة من السيارة، معلقة مصباحاً صغيراً على الصفحات، حينما اكتشفت أمي ذلك لم تزد على أن ضحكت، وسمحت لي بالقراءة في أي مكان لأن الأمر كما تظن لا يمكن لأي منا السيطرة عليه!
الكوافيره تحتفظ بكتبها..

تهانيلها تجربة مختلفة مع القراءة في الأماكن العامة، إذ إنها استاءت من المجلات التي تجدها في محل الكوافيره الذي تتعامل معه، ولا تعجبها القنوات التي تتابعها العمالات في المشغل، تقول انهااتفقت مع مالكة المحلعلى جلب بعض الكتب بشرط بقائها في المحل، وفي كل مرة تأتي إليه سيطلبها منه. يذكر أن العاملات في البداية لم يستحسنّ الفكرة، ولم يتقبّلنها، لكنها أقنعتهن بأن الأمر لن يكلفهنّ سوى أن يضعنها في أي درج لديهن. لا تعلمتهاني كيف انتقلت العدوى لعدد من الزبائن الذين تجدهم أحياناً قد جلبوا معهم كتبهم، وبعضهم أصبح يستعير كتبها وهيسعيدة بكتبهاالتي تركتها في المحل..

لسارة تجربة شبيهة بتجربة سعيد من ناحية المكان، فهي كما تذكر كثيرة التردد على صالون تجميل مزدحم في معظم أوقاته، مما يكلفها وقتاً كثيراً يضيع عليها بلا مردود يذكر. قررت أن تجلب معها كتاباً في إحدى المرات، لكن أصوات مجففات الشعر، والزبونات، وكثير من الضجيج منعها من الاستمرار في القراءة، فضلاً عن الأعين الفضولية التي لم تعتد تصرفاً كهذا في مكان كهذا!. المرة التي تلتها أحضرت معها مشغل الموسيقى الخاص بها، وكتاباً.. ونبهت المصففة أن تنبهها شخصياً متى ما جاء دورها لأنها تعتقد أنها ستكون منسجمة لدرجة أن لا تنتبه لاسمها!
التحول العكسي: من الكتب الإلكترونية إلى الورقية..

rdquo;كنت قبل سنوات قليلة أحمل كتباً إلكترونية على جهاز الهاتف المحمول، محتملاً التعب الذي تسببه لي القراءة من الشاشة الصغيرة، لأن منظر شاب يعبث بأزرة هاتفه المحمول مألوف لدرجة أن لا أحد سيستوقفه الأمر مطلقاً، على عكس لو كنت أتصفح كتاباً ورقياًldquo;. يخبرنا عبدالله أنه لم يجرؤ على حمل كتب معه إلى المقهى الذي يرتاده إلا مؤخراً، يستطرد: لا أعلم ما الذي جرى للعالم، لكن الجميع أصبح يقرأ في المقهى، وأصبحت أختلس النظر لمعرفة العناوين التي بحوزتهم، حتى أني تجرأت على فتح أحاديث مع بعضهم حول ما يقرأونه، وما يتمنون أن يقرأوه، أصبح الأمر ممتعاً، ومليئا بالمغامرات الصغيرة.

سناء تشعر بسعادة غامرة حيال الأمر، تقول أصبحت أقرأ في أماكن لا تخطر على البال، فآخر مرة اصطحبتُ فيها أخوتي الصغار إلى مدينة ألعاب؛ تركتهم يلعبون، بينما احتللت مقعداً في إحدى ساحات المدينة، وأمضيت وقت انتظاري بالقراءة. تؤكد أن هذه الظاهرة (الجميلة) على حد قولها ساهمت في انتشار الثقافة عن طريق تأثر الآخرين برؤية من يقرأ في مكان عام، بينما كان الأمر مثيراً للعجب قبل زمن قصير.
يبقى السؤال: هل القراءة في الأماكن العامة هي من ساهم في نشر ثقافة المقهى، أم أن المقاهي الثقافية التي أصبحت تظهر تباعاً هي من ساهم في رواج القراءة بين العامة؟
سيظل السؤال معلقاً، لا تهم إجابته، بينما المهم هو نشر هذه الثقافة، وتشجيع رواجها، ما دامت تلقى من يهتم بها، ويسعى إلى تعميمها