الإنترنت، الشباب والسياسة... مثلث متساوي الأضلاع

هديل عبدالرحمن من الرياض: في السنوات العشرين التي تلت إكتشاف الإنترنت، ظل مقتصرًا على سمته الأساسية في جوانبالأتصالات وتقنية المعلومات، مع بعض التحولات التي طرأت عليه، لتقوده إلى المناطق الأخرى الآكثر عمقًا، حتى وصلنا إلى تسييس الإنترنت واستغلاله بهدف الترويج للمنتجات السياسيةzwj;. ولما كان الشباب أكثر وعيًا وإهتمامًا بالسياسة، إستلزم الأمر التوجه نحو مساحات جديدة لم تطرق بعد وتناسب هذا العصر.

تبع ذلك استنفار في كافة المواقع التفاعلية من أجل كسب الأصوات الشابة، التي كانت حتى عهد قريب بمنأى عن الهموم السياسية، وبعيدة عن تجاذباتها. الآن انقلبت الآية، وأصبح الشباب هم من يحركون الحملات الانتخابية، وحركات الاحتجاج، والاعتصامات، والمظاهرات، مستغلين كافة وسائل الاتصال المتاحة، بطريقة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.
اليوتوب.. ساحة صراع كبرى.

اوباما قيرل
تكفل بعض الذين أظهروا مواهبهم بالغناء، التمثيل، والرسم الكارتوني، بقيادة قطار الحملات الإنتخابية، دون النزول إلى الساحات العامة، والإنتظار في قاعات المناظرات او ضمن الصفوف في المسيرات الحاشدة، فظهرت شخصية (فتاة أوباما) التي حققت بأغنية I Have A Crush on Obama شهرة واسعة، بعدد مشاهدين يتجتاوز السبعة ملايين مشاهد على موقع يوتوب وحده! هذه الأغنية جلبت ردود أفعال واسعة على صعيد مشتركي يوتوب الذين تجاوبوا معها بأغانيهم ومقاطعهم الخاصة، تأييدًا أو رفضًا، أو على صعيد وسائل الإعلام التقليدية التي تسابقت لاستضافة (آمبر لي أتنغير) وهو الاسم الحقيقي لفتاة أوباما، على شاشاتها، ومتابعة آخر مستجداتها.
Snide TV عرف في اليوتوب كمصمم أفلام كارتونية قصيرة، غالبًا ما يتناول شخصيات أميركية مشهورة في أفلامه، بطريقة ساخرة وكاركتورية، كان لبوش وكونديليزا وهيلاري وأوباما نصيبهم الوافر منها، دون أن يبين انحيازه لأي منهم، ودون أن يترك أحدًا منهم دون أن يطاله نقده اللاذع!
ولا تبقى المقاطع المؤيدة أو المعارضة لهذا الطرف أو ذاك، حكرًا على فتاة أوباما، أو سنيدي تي في، وإن كانا الأشهر، فهذا موقع يطلق على نفسه thesuperduperfriends.com أنتج عددًا من الأفلام الكارتونية لكن ليس انحيازًا لا إلى أوبامي، ولا إلى كلينتون، يل للحزب الديمقراطي، ضد الجمهوري الحاكم حاليًا، مصورًا الديمقراطيين بالأبطال الخارقين، الذين سينقذون الولايات المتحدة من اللصوص، والمخربين (الجمهوريين).
الحياة الثانية: سياسة مزدوجة الأوجه

هذا الموقع الشبيه بألعاب الفيديو ثلاثية الأبعاد، ليس مجرد لعبة، فعلى أراضيه الافتراضية تقوم معارك سياسية محتدمة، لا تكاد تهدأ بانتهاء انتخابات في بلد، حتى تثور مجددًا، باستئناف حملات ترشيحية في بلد آخر. شهدت الانتخابات الفرنسية في الصيف الماضي بدايات الحضور السياسي في (الحياة الثانية)، إذ قام مناصرو كل من نيكولا ساركوزي، وسيغولين رويال بإيجاد منصاتهم التشجيعية لذاك المرشح، أو تلك، مثيرين جدالاً لم ينتهِ حتى بعد فوز ساركوزي بمقعد الرئاسة.
ومرة أخرى، تحضر السياسة الأميركية، التي تكاد لا تغيب عن أي منتج إنترنتي جديد؛ فقامت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بافتتاح مقر افتراضي لحملتها الانتخابية في الحياة الثانية، آملة أن يكون ذلك سببًا في ارتفاع حصيلتها من الأصوات الشابة. السياسة الواقعية ليست وحدها الحاضرة في (الحياة الثانية)، بل إن السياسة الافتراضية للموقع المسماة بـ (ليندن)، بدأت تجد من يناوؤها من سكان الحياة الثانية، فظهرت حركات تحررية، تنفذ أعمالاً هجومية بقنابل نووية افتراضية، هدفها كما تقول: quot;الإطاحة بالشركة الفاشية التي تدير الموقعquot;، وظهرت جماعة أخرى تطلق على نفسها (جيش تحرير الحياة الثانية) تنفذ أعمالاً إرهابية كإطلاق النار على رواد محلات معينة، ولها هدف معلن وهو حق الحصول على الحقوق السياسية الأساسية للمقيمين، كالتصويت وامتلاك أسهم في الشركة.
فيس بوك شرارة ٦ أبريل المصري

على الرغم من أن الموقع معروف كشبكة اجتماعية للتعارف، إلا أن دوره تعدى هدفه الأساسي إلى التعريف بالفعاليات ومواعيدها، تأسيس مجموعات ذات أهداف مشتركة، وغيرها من الأنشطة التي لا يخطر على بال المشترك أنه سيجدها حينما يسجل للمرة الأولى. اللافت هو تحول فيس بوك الذي تكون الفئة الشابة النسبة العظمى فيه إلى ملتقى سياسي، فتجد مجموعة أطلق عليها مؤسسها اسم quot;أتحدى أني أستطيع إيجاد ١٠٠٠٠٠٠ شخص لا يحبون بوشquot;، أو مجموعة أخرى لمناصرة غزة، وثالثة للمطالبة بإزالة الجدار العنصري في الأراضي المحتلة، كما يوجد على الجهة الأخرى مناصرو السامية، ومؤيدو العمليات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ولا تقتصر المجموعات على القضايا الدولية، بل تتعداها للقضايا المحلية مثل إثبات المذابح التركية المرتكبة بحق الأرمن، أو حق انفصال التيبت عن الصين. كما أن الفيس بوك كان الشرارة الأولى التي أشعلت نار اضراب السادس من أبريل في مصر، فعبر المجموعة التي أنشئت للدعوة إلى الاضراب، انضم ما لا يقل عن ٦٠ ألف مشترك معظمهم من المصريين، وعدد ليس بالقليل من غير المصريين المؤيدين للإضراب.
تويتر، نغمة الرسائل القادمة

اكتسب موقع تويتر شعبيته من آليته المعتمدة على mini blogging الذي يعني التدوين المصغر، وهي رسائل قصيرة ممن ١٣٠ حرف يستقبلها أصدقاء المرسل، أو من يسمون بـ(المتابعين)، إما من خلال الموقع نفسه، أو من خلال هواتفهم النقالة؛ ليخبرهم بآخر مستجداته. التقنية استغلها الشباب في تحديث الأخبار، خصوصًا في مواقع الأحداث، فالحملات الانتخابية، ومواقعها، والمظاهرات، والمواجهات مع الأمن، وحتى الأخبار التلفزيونية، يتم (وتوتتها) عبر تويتر، ليتلقاها آلاف المستخدمين. التقنية الشبابية لفتت انتباه وسائل إعلامية تقليدية كثيرة، فأنشأت حساباتها الخاصة، لتزود المتابعين بآخر أخبارها (مجانًا) وكذلك فعل منسقي حملة المرشح الديمقراطي (باراك أوباما)، والأهم من هؤلاء أن الشباب أنفسهم أصبحوا يعبرون عن ميولهم السياسية بأقل من ١٣٠ حرف، ليؤثروا بملايين الأشخاص!
من الذي صنع الآخر؟

هل ما زالت الحاجة أم الاختراع؟ أم أن الاختراع أصبح أبًا للحاجة؟ هذا التطور الهائل في طرق الاتصال والتقنية اللذين يستهويان الشباب هل هما من صنع الاهتمام الشبابي بالسياسة، إذ أصبحوا أكثر دراية بما يجري من حولهم؟ أم أن السياسة استغلت ذلك الاهتمام، فنفذت من خلاله؛ لتنفذ أجنداتها السرية والعلنية؟ أم أن العصر الحالي بكل تعقيداته وتشابكاته حور الاهتمامات لتخدم اهتمامات أخرى؟