كيف يمكن للشاعر أن يدخل في النص (صانعاً) ويخرجُ منه (تائهاً) متأملاً في ما بعد عناصره الكونية التي بثها في روح التضاد النصي، ومؤمناً أم ما ابتكره وأججه فنياً وإبداعيا سيعمل على طرد وعكس المعادلة الميتة في روح الأشياء التي بدت عبر أكثر من قرن من الزمن سائرة في النفايات، انه الدخول إلى خلايا الناشرة والخروج من المسامات الحثية التي تحركت بفعل المؤثر (اللعبة اللغوية) إن لم تكن ذات المعنى الذي تأمله الشاعر وهو يهم في الدخول إلى النص، مؤكداً أن النص هو الذي خرج من رؤية الشاعر بينما الشاعر في الوقت ذاته وبعد عملية الخروج تبع النص فويق الورق الأبيض فاقتحمه ودخل عوالمه، لا لأجل البحث عن والإيحاء بقدر ما هو إكمال عملية التفاعل ما بين النص والشاعر. في المسار نفسه يأتي النص ويخرج من جلده ليدخل في قواسم الشاعر ليست المشتركة بل المتضادة والمغيرة ذلك لأن الدخول والخروج لن ولمْ يكتمل ما لم تتم عملية دخول النص إلى روح الشاعر وتعريج روحه إلى خارطة النص والقفز على محاوره ومتونه، إنها عملية رجرجة موهنة للعزم تجاه حرق ما خزن في اكتناز الشاعر عند أخيلته وفي مد وجزر النص نفسه. إن عملية أو ميكانيكية لعبة الداخل والخارج في متاهة النص النص ومتاهة الشاعر سوف تؤكد اللغة خلال بث النص بين الأبعاد المتنافر إذ أن كلا النقيضين سيعملان على إزاحة الموجودات والموقوتات في الزمن الحديث (الألفية الثالثة) وأحالتها إلى مناطق الإرث والموروث والميثيولوجيات في زمن مضى بعيداً في عمق التاريخ القديم، لاستئصالها من جسد الحي الذي بدأ هزيلاً والعكس صحيح وعليه فان الإتيان بالزمن القديم أي الموجودات والموقوتات في ذلك العمق التاريخي من رموز وأشكال وهياكل وانتماءات إلى الزمان الحديث والبناء على ما أوتي به سيعمل على دفع معادلة الاستحلال والاستحواذ على ما ضاع من عملية أبداعية ومبتكرة في حيز الحرب مثلاً وأقول إن فهم هذه المعادلة سوف يتأثر من خلال نص الشاعر الذي حاول فيه الخروج والدخول على طريقة المزاوجة بين الأزمنة والأمكنة القديمة والجديدة لأجل الحصول على نص يدخل إلى لعبة الداخل والخارج بشكل يثير الدهشة. إن نموذج قصيدة الشاعر مكي الربيعي والتي حملت العنوان (أوحال) عملت على بناء تلك اللعبة الشيطانية في اللغة والإغارة على الرموز والدلالات القديمة تحديداً وربطها برموز ودلالات وأشكال حديثة ويبدو إن الشاعر مكي الربيعي قد اتفق ونصه على عملية الدخول والخروج التي أشرت إليها مع استخدامه أدوات وأسلوب بدا غريبا في أكثر من استطرا زمني وشعري ذات الوقت ، هنا فنتأمل تلك اللعبة في نماذج مقطعية من قصيدة أوحال للشاعر مكي الربيعي حيث بقول فيها:

"السماء كانت متماسكة مع الأرض/ كانت /
وفي / يد يسالا / يجري نهر صاف وعند مرسى /
كرا كونا / تجثو السفن المحملة بالياسمين /
وفي بئر بولا / يُنزل اللهُّ من دلوه لتشرب من مائه العذب و
تلك الحقول المزينة بالقمح والعشب والقصب الأخضر،
صادرها الاستبداد الموزع على أهداب مدينتنا
وتقاسمها الأجلاف."

حقاً إنها لعبة حيّة تلك التي يستأنفها الشاعر ما بين النص وروحه فهو يدخل في متن أخر مغاير لكنه مرتبط ارتباطاً كلياً بتلك اللعبة الصعبة لعبة الداخل والخارج، هناك ثمة مقطع يوحي إلى ذلك حيث يقول فيه الشاعر:

"في مقهى حسن عجمي، هادي السيد يعرض ساعته للبيع،
ليشتري ألواناً زيتية وقنينة خمر وسكائر، ومن ثم يكمل لوحته أو …"

وفي مقطع أخر من قصيدة أوحال للشاعر مكي الربيعي يستحضر فيه رمزاً من الرموز العراقية ليقحمه في رمز يتهادى داخل مدار الرموز الحديثة كي يجعل من اللعبة النصية أكثر إثارة بالنسبة للمتلقي الذي تحفز عنده الخلق والابتكار إيحاءً تجاه فكرة جديدة لم تكن وليدة الحداثة الشعرية شكلاً لكنها وليدته مضموناً داخل تلك اللعبة وهي لعبة الداخل والخارج في النص، بقول الشاعر الربيعي في هذا المقطع الأخير، "يتوسل / ننا / بوالده / آنليل / أن يمنحه نهراً من عسل يسقي /
أور / يمنحه غيضاً من ماء الكوثر،
قمحاً من ذهب
أهوراً من فضة
شراباً من روح العنب،
فأسا ومحراثاً، ثوراً وحصاناً
أور / التي أظهرها الربت إلى الميات قطعة جوهر،
ووضع على رأسها التاج المقدس
وأعطاها صولجاناً من ذهب وياقوت
بعثرها التاريخ
جاء إليها من بدد خضرة مرعاها
هدم زرائبها، قتل الثور، وأعطى المحراث إلى النهر".