صديقي حسين البرغوثي في ذكرى ميلاده الثالثة:

ايار ايار , الندم الندم
لا تدري لماذا تتذكر قصة المبدع المقيم غسان كنفاني gt;منتصف ايارlt; كلما أتتك ذكرى غياب صديقك حسين البرغوثي، ما الذي يجمع بين تجربتك الشخصية والابداعية مع حسين وبين تجربة بطل قصة غسان "منتصف ايار" مع صديقه المناضل الذي استشهد بقنبلة القاها فوقه مستوطن يهودي في احد حقول قرية ما في الجليل الاعلى الفلسطيني؟ هل هو شهر ايار - الزمن الذي مات في منتصفه صديق راوي قصة غسان، وصديقك انت حسين الذي مات في مطلعه 1/5--؟ ام هو شيء آخر، طويلا فكرت، فاذا بك تندهش وانت تقبض بكلتا حاستي اللمس والبصر، على الاحساس الذي يشكل المشترك الفظيع، كان راوي قصة غسان يحس بندم موجع على عدم قدرته على اطلاق النار على اليهودي القاتل الذي كان في دائرة التصويب تماما. وانت انت هل تحس بمسؤولية ما عن موت حسين؟ هل كان الموت في دائرة تصويب بندقيتك؟ وهو يأخذ حسين الى غياب طويل؟ يشبه الامر وكأنك تحس بفرص كانت متاحة لانقاذ روح صديقك وهي تتلوى بين انياب السرطان، بينما كنت انت واصدقاؤك، تبكون بصمت وتقرأون اشعار حسين على روح حسين كمراسم وداع غير عادية. هل كان بإمكانك مثلا ان تمسك الموت بياقة معطفه الخشنة، وتهدده بعريضة احتجاج قاسية يوقعها الرسامون والشعراء والروائيون والراقصون، ثم تذهبون الى البيوت، تخلدون الى الراحة على امل ان يخاف الموت ويراجع موقفه، هل جربت ان ترشو السرطان بخلايا جمل ضخم او حصان طويل فتي بديلا عن خلايا حسين؟ هل فكرت يوما بتضليل السرطان كأن تعترض طريقه في دم حسين، وتهرب من امامه علّه يترك حسين ويلحق بك، ثم تستدرجه الى هاوية فينجو حسين وتنجو انت وينجو العالم؟ هل كان بإمكانك ان ترفع اصبع يدك الصغير مستأذنا الموت بكلمة، وتطلب منه الاختلاء به لسبع دقائق فقط. وهناك في الغرفة الجانبية تهمس في اذنه: ان دواء جديدا اكتشفه رجل لبناني ضد السرطان في طريقه الآن الى فلسطين، تحديدا مستشفى زايد، تحديدا غرفة رقم gt;7lt; او تحديدا خلايا حسين البرغوثي، وانه حفظا لماء وجهك ايها السرطان وصونا لكرامتك اخرج من دم حسن باختيارك لأنك ستسحق بعد نهارين اثنين شر انسحاق. وستتعرض لسخرية المرضى والاصحاء معا؟ الم يكن بمقدورك ان تشرح للسرطان بأن قارة بأكملها ستتضرر اخلاقيا وانسانيا وثقافيا لو غابت عنها روح حسين؟ ألم يكن بمقدورك ان... gt;2lt; أمه واخته والكتاب الابيض الكبير

حول القبر تقف مع صديقيك صالح ونضال، مع امه واخته، تتفاجأ انت وصديقاك بحديث ام حسين عن حلم يتكرر في لياليها تصغون بصمت: "يأتيني حسين في الليل، لابس ابيض، ابيض، ابيض، دشداشة بيضاء اول مرة حسين يلبس دشداشة. يقول لي حسين: يما اعمليلي شاي، كان يحب الشاي، نهضت لأعمل له شاي، بينما هو جلس على كرسي فوق البير في يده كتاب ابيض اكبير اكبير، مش مكتوب في صفحاته ولا كلمة. كان حسين يقلب الصفحات ويقرأ ولا ادري ماذا كان يقرأ، فالصفحات بيضاء بيضاء. وفجأة حمل حسين الكتاب فوق ظهره، كان الكتاب اطول من حسين واعرض منه، فقلت له: الى اين يا ولدي - فالشاي جاهز، لم يجبني ابني حسين، ورأيته يتكئ على ساق شجرة لوز ويبتسم".

اين ذهنك يا حسين الان؟

حول حسين نقف صامتين. نحدق في الكلمات التي حفرت على الرخامة، gt;كلمات حسينlt;. لا تصدق ان ذهن حسين مات، فالأذهان كما الارواح لا تموت ابدا. ان زرتني سأكون بين اللوز كنت المسافة بين سقوط المطر وانبعاث الزهور على تلة تخضر تحت قوس قزح سوف اخرج من داخل الارض في الليل كفا رخامية تحمل القمر الجديد قدح فاغتسلوا في النهر وانتظروا لحظتي. حول قبر حسين ينتشر العشب الاصفر والشوك بشكل عشوائي، تقترح انت القيام بتنظيف المكان من الاشواك. فيقترح صديقاك الابقاء على الاشياء تتحرك حول صديقنا الغائب وفق قوانينها الخاصة. توافق انت فورا على الاقتراح، فحسين كان يترك الاشياء تتحرك حوله في البيت او الشارع او المؤسسة، او الحديقة وفق رغباتها واتجاهاتها وقناعاتها. كان مهووسا بمراقبة دوائر القبح الشر وهي تولد وتنمو وتتوسع. يحاول ان يفكك منطقها ويتأمل مساراتها وينابيعها وصولا الى طريقه ما لتعطيل خيوطها ونسفها. كل شيء كان قابلا لأن يكون محط دراسة وتأمل في ذهن حسين الكوني: ابتسامة سائق الباص البدين، حركة الطفل وهو يبحث عن ثدي امه، دهشة عالم الآثار وهو يمسك بيده علامات مدينة مدفونة منذ آلاف السنين تنهيدة جندي اسرائيلي على حاجز وخوف عينيه، صلاة التاجر الجشع في الجامع، علو شاهق لجبل بعيد، صيحة حيوان غريب في ليل القرية الواسع، لم يكن ذهن حسين يعرف الانفعال اليومي السطحي الاجتماعي، كل انفعالاته كان يدخرها للدهشة من كتاب جديد يقرأه او لتوتر ابداعي يتخلل نصا يكتبه او يعقبه، او للحيرة من غياب العدالة الانسانية من حالة ما، او للتذمر من زيف روح، او للغضب من دناءة اتجاه او سفالة رؤية، اين غبت يا ذهن حسين؟ اين اقتراحاتك واندهاشاتك وطرائفك واكتشافاتك ونشواتك ورقصاتك والوانك؟ ماذا تفعل الآن؟ اين تسكن؟ بماذا انت مشغول؟ كم اشتقنا اليك، فقد ملأت ايامنا الرتابات، تعال لتعلمنا الرشاقة والخفة نحن البدينين الكسالى.

الصبارة التي اقتلعتها اليد الخائنة
ننظر في زاوية الحديقة التي ينام حسين فيها، فلا نجد الصبارة التي احضرها الفنان المسرحي نضال الخطيب من الاندلس كنا في زيارة سابقة قد حضرنا الى حسين وزرعنا الصبارة، نضال وانا بمؤازرة من ابتسامة امه الحزينة بعيدا عن رأس حسين بمتر واحد فقط، كنا نحلم بأن تكبر الصبارة التي زرعتها اياد عربية قبل مئات السنين لتتجدد حول حسين المأخوذ بالاندلس والحياة العربية هناك وبقايا العرب من برك وحدائق وقصور وشجر وتراث وفنون. لم نجد الصبارة، فوجئنا، حزنا كثيرا، وغضبنا. الأم الفلاحة العجوز، اخبرتنا وهي تبكي، كيف نهضت صباح اليوم التالي على زرع الصبارة ولم تجدها، يد خائنة لا تعرف قيمة الصبارة وقيمة حسين وقيمة الاندلس. اقتلعتها من جذورها. يد ستذهب الى لعنات الآلهة وطاقات الامكنة وعدالة الزمان. يد سنكرهها جميعا. ونحن نغادر حسين كان نضال يكرر القسم. سأحضر اربع صبارات جديدة، اقسم بالله اني سأحضرها قريبا من الاندلس سنزرعها حول حسين، من الجهات الاربع، سأستأجر حارسا يحميها من الايدي الخائنة. سأوفر له الطعام والالبسة والدخان، ماذا يريد اكثر من ذلك؟

احتفاء خاص بذكرى حسين
مع صديقيك تغادر كوبر متوجهين الى دير غسانة. هناك ينتظركم حافظ البرغوثي. الرجل الغريب المغمس بالجبال والمقدود من الحجارة التي سقطت من القمر، واحواض النبيذ الكنعاني والكهوف القديمة والصخور الضخة المعلقة في الهواء. قال حافظ: gt;سنتبع الآثار التي مشاها حسين البرغوثي فوق هذه الحقول والجبال، فقد زارني مع صديقته الفرنسية ماريانا وأمها. كان حسين صامتا طوال الوقت يتفحص الحجارة بأعينه وبيده وبحواسه كلها. جلس تحت شجرة مطلة على جرف وغاب عن الوجود. تركناه وحده ومضينا الى دروبنا العادية، نلاحق كهفا او نكتشف معبدا كنعانيا. او قبرا لضابط انجليزي مات في الحرب العالمية الاولىlt; قلت للاصدقاء. اذن نحن نحتفي بذكرى حسين الثالثة بالمشي على آثار خطوه هنا في هذا الخلاء الموحش. قال نضال: سأحضر لحسين اربع صبارات جديدة من الاندلس قال صالح: هذا الخلاء يشبه ورشة عمل مستمرة للطبيعة المجنونة. ورشة بدائية بلا توصيات ولا مدراء. انظروا هنا، انظروا، يقودنا مجنون الجبال والكهوف حافظ من رموشنا المذهولة الى نبع ما قديم او آثار معبد آفل واسأله انا: هل رأى حسين هذا المكان؟ - نعم رآه وسألني لماذا لا تكتب عن هذا الفراغ الهائل، ثمة حكايات وأحاسيس بكر فالتقطها يا حافظ. فأجبته انني اعاني من ضيق الوقت. - انظروا هنا، انظروا، فننظر ونرى صخورا ضخمة تتوسط قمة جبل عال، نصعد الجبل، نقف فوق أعلى صخرة فأجد نفسي أصيح والهواء المبلول القادم من مدينتي الساحلية السجينة gt;يافاlt; يرقص فوق وجهي ترقص ثيابي معه ،يرقص الكون، فأرى كل شيء حولي يرقص :اصوات الطيور والشجر في الحقول تحتي واصوات اصدقائي المسحورين. اصرخ، اصرخ بكل طاقتي على الصراخ: اصرخوا يا اصدقاء، فالصراخ يحررنا من الخجل والروتين والمدينة والوظائف والواجبات المدرسية وحاجات ابنائنا الثقيلة ووصايا اهلنا وخوفنا من الموت. الخواص: ذلك البيت القديم المقبب بنهدين كبيرين سكنه او مات فيه ولي مصري اسمه الخواص. ندور حوله. نتحسس حجارته وننقب في جوفه عن علامة منسية في شق جدار او تحت حجر يوشك على السقوط. لنهبط واديا صخريا وعرا جدا ونسمع صوت حافظ: هناك وادي سريدة وهناك المجذوب وهناك.. فأسأل انا: هل كان حسين البرغوثي هنا يوما؟ - يجيبني حافظ نعم كان، مشى من هنا، وقف هنا. تكلم هناك، ونظر بعمق الى هنا، صعد تلك التلة وغاب عنا. عاد من هنا، وتوارى عن الانظار هنا و...... احاول ان اتبع آثار خطوات حسين، احس بوضوح صوت قميصه المتحرر من بنطاله والمشرع للريح، امشي واصعد واهبط واقف وادور واتوارى. وفجأة تنقطع خطوات حسين. فأفقد اثره تماما واتوه. ولا أجد اصدقائي. فأصرخ بصوت عال ولا احد يسمع. وأتذكر فجأة انها رسالة صغيرة من صديقي حسين، احب ان يهديها لي ليلعمني الا اتبع اثر احد وان يكون لي خطوي وأثري وقميصي ورياحي الخاصة. فأفرح، واواصل تيهي باصرار وعذوبة ولا اجد اصدقائي. تخطفني طاقة حكايات المكان وتحولني الى نقطة او حرف ضئيل او الى شخير حقل صبار، وضجر حجارة واد لا يزوره احد. غزة التي تحبك يا حسين لماذا تحب غزة حسين؟ لماذا تقرأ غزة حسين بحنان شره؟ لماذا تعيش افكار حسين ورؤاه وكتبه في غزة؟ لماذا حسين يا غزة؟. طلبت من احد اصدقائي الشعراء الشبان ان يسألوا gt;02lt; طالبا او طالبة جامعية في احدى جامعات غزة عشوائيا عن حسين البرغوثي، هل يعرفونه؟ هل قرأوا له؟ هل سمعوا به على الاقل؟ كانت النتيجة مبهرة فمن بين gt;20lt; طالبا وطالبة في السنوات الدراسية المتفاوتة اجاب gt;15lt; بأنهم قرأوا حسين اوسمعوا به. في جامعة بيرزيت سألت حوالي 15 طالبا وطالبة في المستوبات الدراسية المحتلفة: بعضهم اجاب : حسين البرغوثي، كهربائي سيارات من قريتنا. طالبتان اثنتان اجابتا: لا نعرفه ولم نسمع به، طالب واحد اجاب: هو شاعر ميت الله يرحمه.

هل تعرف اديبا فلسطينيا اسمه حسين البرغوثي
بشكل ملحوظ تتسع رويدا رويدا دائرة الذين يقرأون حسين في العالم العربي، افاجأ في مواقع الكترونية ثقافية كثيرة باسم حسين يتردد بين الادباء العرب، وفي احيان كثيرة، يسألني اصدقاء عرب جدد على gt;الماسنجرlt; هل تعرف اديبا فلسطينيا اسمه حسين البرغوثي؟ فأحتاج الى وقت ليس بالقصير لأجيبهم، فالدمعة تحجز كلماتي والفرح الحزين يربك لساني: اعرفه جيدا كما اعرف رام الله، كما اعرف حنان امي اعرفه تماما يا اصدقائي كما اعرف فيروز والله وتلاميذي ونصوصي وقبر جدي، كما اعرف الوحمة الحمراء التي على رأس انفي. هنا ينام واحد شيوعي بينما كنا نستعد لركوب السيارة، مغادرين حسين - سألت صبيا من القرية كان يلهو على الطريق، من ينام هنا في هذا القبر؟ نظر الصبي الى حسين واجاب فورا هنا ينام واحد شيوعي.

حوار صحفي قصير مع حسين
انا: صباح الخير حسين البرغوثي. حسين اهلا صباح النور. انا: هلا تعطينا من وقتك قليلا نريد ان نعرف آخر اخبارك الابداعية والشخصية بعد ثلاث سنوات على غيابك. حسين: غيابي؟ انا: اقصد على اختيارك اللون الابيض المطبق طريقا للزرقة التي تطاردها وتطاردك منذ حرفك الأول. حسين: يا صديقي انا لم اغب عن عالمكم، انتم الذين تركتموني وغبتم، آخر لحظة اتذكرها في مستشفى زايد، كنتم حولي مرتبكين، بينما كنت اجهز نفسي انا لتجريب البياض المطبق. اختفيتم انتم، ولم تعودوا حولي، في البداية، ظننت ان الدبابات الاسرائيلية اقتربت من المستشفى، فخفتم وهربتم ولكن gt;لوركاlt; اخبرني بعد فترة قصيرة من اختفائكم، ان البياض المطبق يشوش الرؤية، ويمسح كثيرا من الملفات السابقة ويهيئ للداخل فيه صورا ورؤى لم تكن في الحسبان عند اتخاذ قرار تجريب طريق الابيض المطبق لملاحقة ازرقي الهارب. الذي اتذكر الآن انكم غادرتم المستشفى وبقيت انا هناك فترة، ثم غادرت وحدي الى بياضي. كم كان الامر سهلا. انا: هل قبضت على الازرق؟ حسين هاها ها ها ها، لقد اضحكتني يا كاتب القصة القصيرة الازرق لا يقبض عليه، الازرق ليس ارنبا او غزالا ينتظر من يصيده، الازرق هو الغابة او البرية التي تتواجد فيها كل الظباء وكل الذئاب وكل الارانب البرية. الازرق ليس الفكرة، هو الارض التي تنتج الفكرة، هو ليس الجبل الذي تراه انه روح المكان الذي يتواجد الجبل فيه، هو ليس انا وانت بل هو الكون. انا: ما هي آخر اخبارك الابداعية؟ حسين: اعمل على مشروع رؤية غريبة بعد الشيء تبحث هذه الرؤية في امكانية تحويل الموت الى صديق قريب. ليس في الامر دعوة الى الموت، بل الى الحياة فمن يحب الحياة، لا يخاف الموت. الذين يخافون الموت، هم الذين يكرهون الحياة، النص المقبل لي هو نص الموت، ليس بحثا في آليته او منطقه او قسوته لا لا هو بحث في امتداداته فينا وفي الحياة حقه في السكن فينا، وحقنا في فهمه. انا: هل تحب ان تعرف اخبار الاصدقاء والعالم والوطن. حسين: هذا سؤال عجيب: انا احدثك عن البياض المطبق وانت تقول لي الاصدقاء والعالم والوطن، هذه مفردات لم اعد افهمها، ويبدو ان لغة البياض التي اتكلمها لا تنسجم مع لغتكم.

[email protected]
[email protected]