القاهرة (رويترز): تبدو كتابات العراقي فؤاد الركابي أقرب الى فورة حماس تخيل صاحبها أنه قادر على أن يغير العالم ولكنه اغتيل في المعتقل قبل 35 عاما بإيعاز من الرجل القوي انذاك صدام حسين. كان الركابي أصغر وزير عراقي (27 عاما) حين تولى وزارة الاعمار عقب ثورة 14 يوليو تموز 1958 التي أنهت الحكم الملكي لكنه استقال بعد بضعة أشهر بحجة انحراف الرئيس الاسبق عبد الكريم قاسم عن الخط الثوري. كما كان أحد مهندسي عملية محاولة اغتيال قاسم التي شارك في تنفيذها مصادفة صدام.
والمجلد الذي أصدره في القاهرة (المركز العربي الدولي للاعلام) هو باكورة سلسلة عنوانها (أعلام العمل القومي العربي) ويضم أربعة كتب للركابي هي (الحل الاوحد) و (الثورة العربية الاشتراكية والتنظيم.. دراسة في الحركة العربية الواحدة) و(فصول في الثورة والعمل الاقتصادي) و(مفاهيم في الاشتراكية والديمقراطية والوحدة).
كما يتضمن المجلد الذي يقع في 585 صفحة متوسطة القطع صورا للركابي احداها مع ملك المغرب الاسبق محمد الخامس وأخرى من حفل زفافه عام 1962 بحضور الرئيس المصري الاسبق جمال عبد الناصر ونائبه انذاك عبد الحكيم عامر وأنور السادات الرئيس السابق اضافة الى صورة تعود الى عام 1958 تجمع الركابي بالرئيس العراقي الاسبق عبد السلام عارف ومؤسس حزب البعث ميشيل عفلق. أما الصورة الاخيرة التي تشغل الصفحة الاخيرة من الكتاب فهي لشخص حاد الملامح وكتب تحتها quot;قاتل فؤاد الركابيquot;.
كان الركابي كما جاء في كتابه (الحل الاوحد) منظّرا لعملية محاولة اغتيال قاسم عام 1959 باعتبارها أكبر من أن تكون quot;مغامرة قام بها بضعة أفراد ضد فرد واحد بل خطة ثورية متكاملة تستهدف الاطاحة بنظام قاسم كاملا وتأمين الطريق للقوى القومية التقدمية.quot;
لكن الركابي في أعماله التالية كان أقرب الى المفكر الحالم المؤمن بالثورة والجماهير التي تصنع المعجزات حين تمتلك الوعي. وبدا الركابي متسقا مع نفسه ومع السياق العام الذي كتب فيه أعماله. فعلى سبيل المثال يعتبر في كتابه (مفاهيم في الاشتراكية والديمقراطية والوحدة) أن الاشتراكية هي الجوهر الانساني للديمقراطية وأن quot;الحل الاشتراكي حين تتبناه أية حركة ثورية هو الحل الطبيعي المحتوم لمشكلات المجتمعات القومية.quot;
وقال الكاتب العراقي هارون محمد في مقدمة عنوانها (سيرة ذاتية وسياسية) ان الركابي (1931 - 1971) برز كشخصية قيادية منذ كان طالبا في كلية الهندسة في بغداد وكان له دور في quot;قيادة التيار القومي الوحدوي في العراق والوطن العربي. شغل منصب أول أمين سر للقيادة القطرية لحزب البعث في العراق عندما كان حزبا وحدويا ولم تكن البثور العشائرية والفئوية والطائفية والعنصرية الدموية قد طفحت على جسده.quot; وأشار الى أن الركابي خطط للتخلص من قاسم quot;لنزوعه الفردي والدكتاتوري ونهجه الانعزالي وموقفه المعادي لدولة الوحدةquot; في اشارة الى الجمهورية العربية المتحدة التي ضمت مصر وسوريا (1958 - 1961).
وأضاف أن نظام قاسم استقر على أن quot;الشهيد الركابي هو مهندس العملية.. وقتها كان صدام شابا صغيرا من المجموعة المكلفة بتنفيذ عملية الاغتيال. لعبت الصدفة دورا كبيرا في بروز اسمه بعدما تنحى أحد أفراد المجموعة المكلفة هو شاكر حليوة. وزج صدام في العملية المرحوم عبد الخالق السامرائي ورفيقه المرحوم أحمد طه عزوز اللذين لم يفلتا من بطش صدام فيما بعد فقد قتل الاول غيلة بعد اعتقال قسري لست سنوات متصلة وحكم على الثاني بالسجن المؤبد.quot; وقال ان الركابي بعد خروجه من بلاده صدر ضده حكم بالاعدام غيابيا في مارس اذار 1960 وانه أقام بالقاهرة أربع سنوات (1959 - 1963) كشخصية مرموقة تحظى باحترام عبد الناصر كما كان الركابي ملاذا لاولوف العراقيين المقيمين بمصر واللاجئين اليها quot;ويعود الفضل اليه في قبول صدام حسين في المدارس المصرية ولم يكن وقتها يحمل الاعدادية وكان الركابي يعطف عليه كثيرا بعد أن تخلى عنه أهله وأقاربه وأصدقاؤه.quot;
وأضاف محمد أن الركابي الذي كان سجينا عندما وقع انقلاب 17 يوليو تموز 1968 كان quot;أول من استهدفه الانقلابيون خشية منه وقلقا من نشاطاته. سعى صدام الى استمالته أو على الاقل ضمان سكوته فرفض...ولم يترك العراق على الرغم من ادراكه العميق لما كان ينتظره من هذه المجموعة (الانقلابية).quot; وأشار الى أن وزير الشباب انذاك الشاعر البعثي شفيق الكمالي رتب لقاء بمكتبه بين الركابي وصدام بناء على طلب الاخير الذي اقترح على الركابي أن يوقف نشاطه السياسي المعارض لحكم البعث أو مغادرة العراق فرفض quot;ولما عجز صدام في الحد من نشاط الركابي أوعز الى رجاله باختطاف الركابي من منزله في ابريل نيسان 1969 في محاولة اغتيال سرية.quot;
وأضاف أن الرئيس العراقي الاسبق أحمد حسن البكر ألقى خطابا بعد اعتقال الركابي بأسبوع أشار فيه الى أن quot;غواص البعث غاص وضبط سياسيا ينشط منذ ربع قرنquot; فردت عليه بعد ساعات الحركة الاشتراكية العربية التي كان الركابي زعيمها ببيان وزع في بغداد ووصلت نسخ منه الى البكر وصدام جاء فيه quot;تبين بالتجربة والملموس أن غواص البعث أعور ولا يرى الاشياء الا بعين واحدة.quot;
وقال ان الركابي اعتقل لمدة عام بعد تلفيق تهمة ضده حيث واصل نشاطه وهو سجين quot;وكان أحمد حسن البكر المعروف بضعف شخصيته وسذاجته السياسية قد رفض تحت تأثير صدام حسين مساعي بذلها الرئيسان المصري جمال عبد الناصر والجزائري هواري بومدين لاطلاق سراحه.quot; وأضاف أن الركابي بعث من المعتقل رسائل الى عدد من الشخصيات مثل جلال الطالباني الذي كان يرأس انذاك الجناح الثاني للحزب الديمقراطي الكردستاني يحذر فيها من quot;مرحلة العنف والوحشيةquot; التي تنتظر العراق تحت حكم البعث. وقال انه رفض عرضا من الطالباني باختطافه من السجن ونقله الى شمال العراق.
وأشار الى أن غرفة الركابي في سجن بعقوبة كانت أشبه ببرلمان للمعتقلين السياسيين من القوميين واليسار والاكراد وهناك quot;أرسى دعائم الحزب الذي أطلق عليه اسم الحزب العربي الديمقراطي...واجهت دائرة الامن العامة صعوبات في معرفة ظروف نشأة الحزب بعد تزايد عدد أعضائه.quot; وأضاف أن صدام كان قلقا من نشاط الركابي وتأسيس الحزب وأنه بحث الامر في اجتماع أمني ترأسه وشارك فيه أكثر من أربعين مسؤولا ومعهم ضباط أمن محترفون منهم أخوه غير الشقيق برزان التكريتي.
وقال ان الركابي طرد تحسين السوز الذي أرسله صدام طالبا منه تقديم مذكرة تتضمن طلب العفو لكنه quot;طرد السوز مما دفع صدام الى استئجار قاتل محترف يدعى عبد الرزاق الدليمي الذي أدخل الى قسم السجناء السياسيين في سجن بعقوبة حيث تمكن من ارتكاب جريمته البشعة في عصر الاول من نوفمبر تشرين الثاني 1971 بطعنه بالسكين.quot;
وقال ناشر الكتاب (المركز العربي الدولي للاعلام) على الغلاف الاخير ان هذا الكتاب يأتي في زمن وصفه بثقافة التفتيت quot;ليعيد التذكير بثوابت الامةquot; وسيكون بداية مشروع للتعريف بأعلام العمل القومي العربي من علماء ومفكرين وسياسيين تركوا بصمة في تاريخ العرب المعاصر. وأضاف أنه رأى أن يبدأ بالركابي في لحظة quot;فاصلة من تاريخ هذا البلد العريق (العراق) الذي يتعرض لاكبر مؤامرة دولية واقليمية تهدف الى طمس هويته ووجوده وتصفية دوره الحضاري بتفكيك كيانه الوطني والغاء وجوده العربي.quot;
- آخر تحديث :
التعليقات