سلوى اللوباني من القاهرة: تناول الاستاذ quot;جلال أمينquot; فكرة التقدم والتخلف من خلال كتابه الجديد بعنوان quot;خرافة التقدم والتأخر، العرب والحضارة الغربية في مستهل القرن الواحد والعشرينquot;، صادر عن دار الشروق، وضح أن فكرة التقدم والتخلف بعكس ما قد يظن البعض، فهي ليست فكرة قديمة كما أنها ليست بديهية، وشرح عن السبب في ظهورها وانتشارها، ولا يقصد هنا باعتناق فكرة التقدم مجرد الاعتقاد ان الانسان يحقق تقدماً في اشياء معينة، بل الاعتقاد بانه يحقق تقدماً بوجه عام وفي حياته كلها، مأخوذة ككل أي التحسن باستمرار، ولا ينكر الحاجة الماسة الى الاصلاح، فالاصلاح المطلوب ليس بالضرورة أن تفعل مثلما فعل الاخرون، فالحداثة شئ والاصلاح شئ آخر.
شكوك وتساؤلات:
الكتاب يثير شكوكاً كثيرة حول صحة الاعتقاد بفكرة التقدم والتخلف، واذا كان من الجائز وصف دول أو أمم بأنها متقدمة وأخرى بأنها متخلفة أو متاخرة، شرح أ. جلال الكثير من المفاهيم التي تطلق على دول وتٌحجب عن غيرها، واعترض على مسميات كثيرة، فاعتبر أن التقدم والتخلف لا يقاسان بالنمو الاقتصادي وحده، وأنه من السخف اعتبار بعض الامم أكثر تقدماً في مجال التنمية الانسانية من غيرها، واتهام العرب بالتخلف في هذا المجال هو اتهام مرفوض لديه، وليس من السهل اعتبار بعض الامم أكثر تمتعاً بالحرية من غيرها، وأن الديمقراطية ليست كما يشاع في عصر ازدهار، ولا حتى في الدول المسماة بالديمقراطية، وما يٌعتبر من حقوق الانسان يختلف من ثقافة الى اخرى، فتناول الكتاب ستة ميادين شاع الاعتقاد بغير (وجه حق) أن أمماً معينة من دون غيرها قد أحرزت فيها تقدماً رائعاً وانجازات عظيمة، وهي ميادين الحرية والديمقراطية والنظام الاقتصادي وحقوق الانسان وثورة المعلومات وعلم الاخلاق، كما تتبع الكتاب quot;عقدة الخواجةquot; وهي عقدة اقترنت بالاعتقاد بفكرة التقدم والتخلف عند أجيال متتالية من المصريين، بالاضافة الى أضرار ثورة المعلومات، والارهاب الذي وصفه بأنه اختراع عبقري يراد به السيطرة على موارد ومقدرات الدول والامم، كما ناقش وجهة نظر الكاتبان الشهيران quot;ألدوس هكسليquot; وطجورج أورويلquot; بأنهم كانا على صواب عندما تصوروا مستقبل الحضارة الغربية تقدماً الى الخلف.
التنمية الاقتصادية والانسانية:
يٌشكك الكتاب في جواز قياس التقدم والتخلف بمقياس اقتصادي بحت وهو التنمية الاقتصادية، وفي اعتبار بعض الامم اكثر تقدماً في مضمار التنمية الانسانية من غيرها، فوضح أنه خلال عقدي الخمسينات والستينات ارتكبت جناية في حق الثقافات الوطنية للبلاد الفقيرة، واعتبار هذه البلاد وشعوبها شيئاً واحداً دون تمييز بين أمة وأخرى، وبين ثقافة وغيرها، فتجمعها خصائص وصفها (بالمقيتة) التي سموها خصائص البلاد المتخلفة، فالهند مثل الصين، والعرب مثل الافارقة وشعب امريكا اللاتينية، والمسلمون والمسيحيون مثل الوثنيين لانه يجمعهم انخفاض متوسط الدخل مقارنة بالولايات المتحدة الامريكية، كما تناول تقارير منظمة الامم المتحدة لللانماء، وشرح أخطاءها، وقارن بين التقرير الذي صدر عام 2003 بعنوان quot;التنمية الانسانية العربيةquot; وبعنوان فرعي quot;نحو اقامة مجتمع المعرفةquot; الصادر في طبعتين انجليزية وعربية، بكتاب quot;لطه حسينquot; نشره عام 65 بعنوان quot;مستقبل الثقافة في مصرquot;، ليناقش قضية اقامة مجتمع للمعرفة وهي نفس القضية التي يناقشها برنامج الامم المتحدة للانماء....quot; فقدم طه حسين كتاباً يتحمل هو وحده مسؤوليته، ويتمتع فيه بمنتهى الحرية في تحديد ما يقول وما لا يقول، وطريقة قول ما يريد قوله، ولم يدفعه الى كتابته الا دافع نفسه، فلم تطلب منه ذلك هيئة دولية أو برنامج للانماء، وعندما كان يكتب صفحة من هذا الكتاب كان يعرف أن هذه الصفحة ستظهر كما في الكتاب، وليست مجرد صفحة من ورقة خلفية من سلطة رئيس الفريق المركزي أن يبقيها او يحذفها او يعدلها، دون ان يكون هذا الرئيس مضطراً لاستشارة صاحبها، والحصول على اذنه على الحذف او التعديلquot;، ووضح أن طه حسين كان رجلاً مرموقاً ومعترفاً به، وباعتراف الجميع انه مفكر وصاحب موقف، قد تحتلف معه ولكن موقفه واضح لا يختفي وراء عبارات مبهمة، بعضها مبهم لانه مترجم من لغة اجنبية، وبعضها مبهم لان كاتبه يتعمد الابهام.
الارهاب اختراع عبقري:
ويدحض اتهام بعض الامم والدول وعلى الاخص العرب والمسلمين بالارهاب، فيٌعد هذا الوصف اختراعاً من الاختراعات التي أريد بها تحقيق السيطرة على موارد ومقدرات الامم والدول، واعتبر أن صاحب الاختراع ليس شخصاً واحداً، ولا هيئة بعينها لان هذا الاختراع يحتاج الى تعاون اشخاص من تخصصات مختلفة وذوي مواهب متعددة، ويحتاج الى متخصصين ومتبحرين في علوم السياسة والاجتماع والاقتصاد واللغويات وعلم النفس، وعلى الاخص في كيفية عمل العقل البشري، وشرح كيف بدأت فكرة اختراع الارهاب وهي باكتشاف الحاجة الماسة لتخويف الناس، فالخوف يوحد بين الناس ويلهيهم عن المعارضة، ويجعلهم اسهل قياداً، ويضعف من قدرتهم على استيعاب البديهيات، او ادراك التناقض بين الاقوال والشعارات، كما يجعلهم اكثر استعداداً لقبول الاوامر، والتنازل عن الكثير عن حرياتهم، فيرى أن الزعماء السياسيين أدركوا الفوائد التي يمكن أن يجنوها من تخويف رعاياهم، وأنهم وفقوا في اختيار الاسم (الارهاب)، فكلمة الارهاب كما رأى الاستاذ جلال لا تشير الى مصدر الخطر، ولا تصف طبيعته او مكوناته، بل تشير فقط الى نتيجته وهي التخويف، وطرح مثالاً فاذا قلنا بأن هذا شخص ارهابي، فهي جملة لا تخبرنا بشئ عن سبب الخوف منه، او عن عقيدته، او مصدر افكاره، او عن صفاته الشخصية، او نوع الاعمال التي يقوم بها، فهي تشير فقط الى أثر هذه الاعمال، بينما اذا قلت هذا شخص شيوعي او رأسمالي فانت توضح الكثير عنه، بالاضافة الى ان اسم الارهاب يتميز بالعمومية وخلوه من المضمون، وأشار الى عبقرية مخترعه (اسم الارهاب) بانه يمكن استعماله في ظروف متباينة جدا،ً ولوصف حالات لا يجمع بينها الا الرغبة في اثارة الخوف منها، وشبه بين اسم الارهاب والمصادر القديمة للرعب مثل الشيوعية الفاشية والنازية وغيرها، فاعتبر ان الارهاب كالتلفون المحمول، والمصادر الاخرى كالتلفون الثابت مكانه بلا حراك، فوصف الارهاب كالتلفون المحمول يمكن استخدامه للوصول الى اي شخص في اي مكان، وتغيير طريقة استخدامه لمواجهة اي احتياجات جديدة، فالارهابي يمكن ان يكون في افغانستان او العراق او لبنان طبقا للحاجة، ويمكن ان يكون عربيا او روسيا او اسبانيا حسب الدولة المراد اخافتها، ويمكن ان يستخدم قنبلة لتفجير طائرة، ويمكن ان يكون شخصاً واحداً يعمل من وحي نفسه، او تنظيماً سياسياً او دينياً، او دولة باكملها، قد يكون فقيراً معدماً او ثرياً ثراء فاحشاً.
التقدم الى الخلف:
بين الكتاب العلاقة بين هذا كله وبين ما صوره كاتبان عظيمان منذ أكثر من نصف قرن، من اتجاه الحضارة الغربية الى quot;التقدم الى الخلفquot;، وهو ما يتناقض تماماً مع الاعتقاد بفكرة التقدم، وهما من أوائل من عبروا عن شكوكهم من فكرة التقدم التي سادت اوروبا منذ منتصف القرن 18، نتيجة لما شهدت اوروبا منذ ذلك الوقت من تقدم باهر في مختلف العلوم، وقيام الثورة الصناعية وانتشارها من بلد اوروبي الى اخر، نشر الكاتب الانجليزي quot;الدوس هكسليquot; كتاباً عام 32 بعنوانquot; عالم جديد رائعquot; ونال الكتاب قبولاً كبيراً واعيدت طباعته، كما نشر الكاتب الانجليزي quot;جورج اورويلquot; رواية اطلق عليها اسماً غير مألوفاً وهو 1984، ونالت الرواية شهرة واسعة واعيدت ايضا طباعتها مرات عديدة، ورغم مرور اكثر من نصف قرن على كتاب الاول واكثر من 70 سنة على كتاب الثاني، الا ان الاهتمام بهما يتزايد بسبب صدق تنبؤهم بما يحدث بعالمنا اليوم، فيتبادر سؤال الى الذهن وهو quot;هل العالم يقترب من الصورة التي رسمها هكسلي للمستقبل او التي رسمها جورج؟ هل كان الاثنان محقين في تنبؤهما بهذه الصورة المخيفة للعالم؟quot;
التعليقات