بيروت: عبر أجواء شديدة الغرابة وفى واحدة من أكثر بقاع العالم اثارة للدهشة تدور أحداث رواية quot;خيار الصفرquot; الصادرة حديثاً عن الدار العربية للعلوم فى بيروت للكاتب quot;زكريا عبد الجوادquot;، تقع في 360 صفحة من القطع المتوسط، تخرج تلك الرواية بوقائعها من الحلقة المحلية الضيقة التي تسبح فى محيطها معظم الروايات العربية لتتخذ من الهند بأجوائها الساحرة منطلقاً تؤكد من خلاله على مايمكن للمصادفات أن تفعله في مصائر البشر المكدودين، ومايمكن للأحداث السياسية بقسوتها الضاغطة أن تقوم به من توجيه لتلك المصادفات فيتحول الانسان فى النهاية الى مجرد وقود لمحارقها.

مفارقات مدهشة، تلتقط خيوطها، رواية quot;خيار الصفرquot;، وهي تبحر في مصير الإنسان العربي، الهارب، والمطارد، المقموع والمحاصر، عابرة بقارئها فوق بساط يمتزج فيه العجائبي بالواقع، والسحري بالمتخيل، منتقلة من الشرق الأوسط بكل مآسيه إلى جنوب شرق أسيا، وتحديدا الى أكثر مناطقها نأياً، حيث يصعد صوت الإنسان المسحوق صارخاً، رافضاً أحياناً، ومستسلماً في الغالب، لمصادفات غريبة، تتلاعب به في نهاية الأمر، وتلقي به في لحظات فارقة فيبتعد عن خانة ماهو معتاد، إلى حيث يتلقى الصدمات المباغتة.

انها رواية تعنى فى الأساس بادانة الأوضاع السيئة التى لازالت تتحكم فى البشر, وتشدد عبر صفحاتها على أهمية تضامن الجميع فى مواجهة الظلم, وهى تؤكد فى الوقت نفسه على ان المصير الانسانى فى نهاية الأمر متشابك, وشديد الارتباط.

ففى أجواء مفعمة بالغرائب تجري تفاصيل تلك الرواية، التي تلتقط عبر وقائعها ماجرى لفتى فلسطيني انطلق للدراسة فى احدى جامعات الهند، غير ان نشاطه الطلابي الذى ألهبته الأحداث الدموية فى وطنه والمنطقة، وأججته وقائع المشهد السياسي والحياتي المتراجع فى الشرق الأوسط، كانت نتائجه كارثية عليه، اذ رفضت سلطات الاحتلال الاستجابة لرغبته في العودة الى الوطن، في الوقت الذى كان عليه أن يغادر الهند بعد حصوله على شهادته، وبعد ان انتهت مبررات الاقامة فيها، تلك الأسباب التي كانت مشروطة بالدراسة الجامعية، ولما لم يجد من يقبل بعودته الى وطنه، اندفع يخوض مغامرة، بدأت بالهروب من مطاردات الشرطة وانتهت بوصوله الى منطقة نائية.

ومابين مغادرته أرض وطنه والحال الجديد الذى وجد نفسه فيه، تدور الاحداث مسلطة الضوء على وقائع الزمن العربي الذي شهد انكفاء مأساويا في كافة الميادين خلال السنوات الأخيرة، وترصد تلك الحالة من الاحباط التي عمت سكان المنطقة العربية بعد سنوات من زهو جامح، ووعود جاوزت الاحلام، في بعض أوقاتها.

إنها معزوفة، باذخة الألم، لمأساة عايشتها ولازالت أجيال متعاقبة، منذ أن بدأ الزمن العربي الجميل في الأفول، فمن خلالها تحملنا الصفحات لتتبع رحلة حياة ذلك الطالب العربي المحشور بين سندان الهروب من الواقع العربى المؤلم، ومطرقة الفرار من بقعة الى أخرى، وخلال فصول الرواية تبدأ الاسقاطات لترصد ملامح تلك الانكسارات عبر خيوط متصلة ومنفصلة فى الوقت نفسه، تتشابك معا فى نهاية الأمر عبر قصة باذخة الألم شديدة الأسى.

غير أن مايجب ذكره عن رواية خيار الصفر, التي تنبع من قصة حقيقية لكنها فى الوقت نفسه تقترب من حافة الخيال، هو انها مع تغييب الأسماء الحقيقية، تدور حول تساؤل رئيسي هو كيف يمكن للصدفة أن تتحكم فى مصير الانسان، وكيف تلعب الأحداث فى منطقة ما من العالم دورا رئيسيا في تهيئة الظروف الممهدة لحدوث تلك الصدفة.