في عدد 15\11\2006 من القدس العربي كتب السيد محمد القيسي مقالة غطى فيها ندوة كانت قد عقدت في قاعة المؤتمرات بالمركز الثقافي بعمان حول تجربة جديدة في الكتابة الرقمية للروائي الاردني محمد سناجلة. والتجربة الجديدة quot;صقيعquot; جمعت بين الكتابة السردية وبين أدوات الميديا من موسيقى وصورة. ولولا أن الأمر كما رأيت قد خرج عن حدوده لما قدرت لنفسي بكتابة هذه المقالة. لقد غمرني إحساس حين قرأت عن التجربة منذ حوالي سنتين مرفودا مع احد المقاطع من الروايه الرقمية التي كتبها الكاتب أن هناك قصورا في إدراك ماهية الأدب باعتباره يقوم على الكلمة المكتوبة فقط إن كانت على الشاشة أم على الورق ndash; فالكلمة المقروءة وفي اضعف حالاتها (المسموعة منها) هي مايقوم عليها الأدب. الأدب ابن الميثولوجيا- السحر الذي قام بالأصل على الكلمة. وليس على الكلمة والصورة كما في كتب الأطفال التي تساعد على فهم الكلمة عن طريق استخدام الصورة.
لقد نشأت اللغة نتيجة لتطور الوعي عند الانسان. وكانت الكلمة... quot;في البدء كان الكلمةquot; هذه الجملة الكبيرة المضمون وضحت المكانة التي وصل اليها الوعي، فهي مكانة اجتماعية تجريدية، تصنع التاريخ وتؤنسه أكاد أقول أن اللغة ndash; الكلمة هي أحدى الهبات التي وضعت الانسان في مصاف الله الواحد. فهي اللغة المكتوبة التي جمعت الآلهة تحت إله واحد تشعل الخيال وتهب وجوده.
حين نقرأ عملا أدبيا او سلسة من الكلمات فإن الخيال يقوم بعملية التوليد والحث وبالتالي فالصناعة مشتركة بين القارئ والكاتب، فالأول من جانب هو صانع أيضا ومبدع حيث يوّلد من مجاهيل الكلمات عالما ينتمي له أكثر مما ينتمي للكاتب وهنا الفقرة: تمرين الروح الذاتية. حين يقرأ القارئ جملة: quot;ميساء امرأة جميلةquot; فإنه يبجث في ذاكرته ويتمم النواقص من خياله عن ميسائه الجميلة وهذا البحث والتقصي، هذا الخلق هو إحدى خصائص تنمية الروح، إنه تدريب لعضلة الخيال كي تتسع وتنمو- وآلة الخلق في قلب القارئ وليست خارجه ذلك كما نعهده في صناعة السينما والتصوير- أو حتى في ألعاب النينتندو التي أراها أقرب الى مفهوم الرواية الرقمية المرادة هنا في المقالة.
الكل يعلم مدى الاجحاف الذي تلقاه الأعمال الروائية حين تتحول إلى السينما. وهذا الاجحاف جاء عن طريق فصل روح القارئ عن العمل، فالمولد هو في الشاشة وماعليه إلا أن يرسل فعله إلى المستقبل. والمثال الآخر الواضح هو استخدام آلة حاسبة للحساب وماينتج عن ذلك من ضمور لمقدرة الخيال مع مقارنة عدم استخدام الآلة الحاسبة.
أظن أن الفكرة واضحة وقد سقـّتها الفلسفة وأدبيات التنظير والنقد السينمائي بما يكفي.
الآن، يغيب عن بالنا أن الكومبيوتر وأن النت هما أدوات ووسائل فبدلا من ركوب عربة يجرها حصان واحد جاءت أمامنا طائرة كي تحلق في الأجواء والهدف واحد وهو قطع الطريق والوصول. الراكب هو نفسه، المسافة هي نفسها، لكن الذي تغير هو اختصار ساعات السفر، السرعة.
والكومبيوتر كذلك مساعد ومختصر لساعات العمل الطويلة.
كانت السينما وصناعة الانميشن سابقة لصناعة الكومبيوتر وبالتالي فإن التسمية التي يطلقها سناجلة على عمله هي تسمية غير دقيقة، ليست رقمية- ليست ديجتال، كل مايفعله هو استخدام آلة الديجتال وكان من الممكن استخدام استوديوهات الانالوج القديمة التي كانت تعتمد عليها السينما في ثلاثينيات القرن المنصرم. إن الفكرة الأساسية هي إدماج الصورة والصوت والحركة مع الكلمة.
يقول القيسي على لسان سناجلة quot; عند الكاتب الرقمي لم تعد الكلمات هي أداة الكاتب الوحيدة بل غدت جزءا من كل العملية الابداعية، تطور مفهوم اللغة الكتابية هنا بفعل تطور العصر، دخل على لغة الكتابة ما يعرف بمؤثرات الملتي ميديا المختلفة من صوت وصورة وحركة وفنون الغرافيكس والانميشن وغيرها. لقد أصبحت خيارات ولغة الكاتب أوسع بكثير وأغنى بكثير أيضاquot; ثم يطلب في فقرة أخرى المطلب الثقيل البعيد عن الأدب ولغة الابداع الأدبي ألا وهو دخول الأديب عالم الهندسة والتكنولوجبا من اضيق أبوابه: البرمجة وأن يكون الكاتب على إلمام بلغة هتميل على أقل تقدير. لقد خطر في بالي أن أترجم هذه المقالة وأرسلها إلى أحد المجلات الانكليزية- إنه في الواقع مبعث للحزن والأسف أن يهيم بنا الشطط إلى هذا الحد. وأن يرعاه بالتالي مسؤولون على مستوى من الرفعة ما يؤكد أننا مازلنا قابعون في تصور وفهم خاطئ لاستخدام الآلة.
في الولايات المتحدة هناك ألعاب مطبوعة على سي ديز وأظن انها ترجمت إلى العربية وهو مايريده سناجلة ويطلق عليه الرواية الرقمية. واللاعب يضع اختياراته ويقرأ أو يكتب كي تتحول النتائج- يدخل اللاعب في عملية الخلق والتأثير، لكن التسمية ظلت تحت قائمة الألعاب وليست تحت قائمة الأدب. وتتم صناعة هذه الألعاب في شركات مرموقة تحت دراية مهندسي تصميم للسوفتويير وللديباغينغ ويتم قضاء ساعات طوال للتجريب تحت مراقبة خبراء للتأكد أن العمل خال من الفايروس او التسريب.
نقرأ في المقالة على لسان الناقد المصري شبلول مايلي quot; هذه اللغة الابداعية quot;الرقميةquot; الجديدة تحتاج إلى مبدع جديد متطور دارس لفنون السينما والتحريك من تصوير واخراج وخلافه، ودارس أيضا لفنون التشكيلية والموسيقى، حتى يستطيع مزج هذا كله لينتج عملا ابداعيا جديدا في شكله ومضمونه، وهو مايفعله مبدع عربي في الاردن الشقيقة هو محمد سناجلة، الذي يؤسس لمسيرة جديدة في الأدب العربي..quot; هذه إشارة إلى أن الأمر كله جاء عن عدم إدراك الفرق بين سينما الفن السابع وبين الأدب. فالسينما وقبل حضور الكومبيوتر استخدمت ومازالت تستخدم الصورة والصوت والكلمة والموسيقى والحركة لكنها ظلت تحت اسم السينما ولم يجرؤ أحد على تسميتها رواية رقمية أو تشابهية حتى حين تعتمد على الروايات ذلك لأن هناك بون واسع بين الرواية المكتوبة والرواية المصورة (الرقمية) ما أوسع البون بين رواية الموبي ديك وفيلم الموبي ديك، بل ما أوسع البون بين رواية البيدرو بارامو وفيلم البيدرو بارامو. لذلك يظل الأدب أدبا مكتوبا وتبقى السينما محصورة في الصورة والصوت الخ.
أما الناقد فخري صالح فيقول عنها أنها تجربة عربية فريدة. ولا أرى التجربة الجديدة التي يتكلم عنها. هل تجربة كتابة سيناريو وإسقائه بالصورة والصوت هي التجربة العربية- العالمية- التي يتكلم عنها هنا؟
في إحدى الفقرات تجرب المقالة في الفلسفة وفي مفهوم الزمان والمكان quot; على اللغة أن تكون سريعة، مباغتة، فالزمان ثابت =1 ، والمكان نهاية تقترب من الصفر ولا تساويه، ومن هنا فلا مجال للإطالة والتأني، فحجم الرواية يجب أن لا يتجاوز المائة صفحة على أبعد تقدير، أما الجملة في اللغة الجديدة فيجب أن تكون مختصرة سريعة، ولا تزيد عن ثلاث أو أربع كلمات على الأكثر، وإن ما سبق يعني أن على الروائي نفسه أن يتغير، فلم يعد كافيا أن يمسك الروائي بقلمه ليخط الكلمات..quot; كيف الزمان ثابت والمكان نهاية تقترب من الصفر؟ ثم يتم الاستنتاج من تلك الجملة أنه ومن هنا فلا مجال للإطالة والتأني؟؟!! كيف ربطت الجملتان السابقتان معا وتم الاستنتاج، على أي مبدأ؟ ثم ماهي مكانة هذه الجملة من الفقرة كلها؟
إن قبلنا بهذه الأفكار كلها فسوف يتم إذن التفكير في فتح كليات ومعاهد تدرس الآداب وهندسة البرمجة والسينما وتضع الجيمع في سلة واحدة، هي كلية الآداب الرقمية. الفكرة كلها على مايبدو جديدة ومفاجئة فلماذا لا يتم البحث عن طريقة للحصول على براءة اختراع، تـُحمل الفكرة ويُذهب بها إلى الغرب لنزع براءة اختراع قبل أن يفطن إليها الغرب؟!
[email protected]