ويحي على العراقrlm;
تحت سماء صيفه الحمراءrlm;
أرضٌ تدورُ في فراغٍrlm;
ودمٌ يراق،rlm;
من قبل ألف سنة يرتفع البكاءrlm;
حزناً على شهيد كربلاءrlm;
ولم يزل على الفرات دمه المراق ([1])

عبد الوهاب البياتي

حلم اليقظة والمتلقي
حلم الوصول الى المدينة الفاضلة قديم كقدم أول خطيئة بشرية على الارض، وكقدم مضامين الاديان السماوية والمانيفستات السياسية والآيدلوجيات التي بدأت بالانفلات من مرتكزاتها والابتعاد عن موروثها الانساني، ولكن يبقى حلم ايجاد المدينة الفاضلة مشروعا مؤجلا موشحا بخطايا الانسان ونوازعه ثم الاخفاق والهلاك على أسوار المدينة كما هلك اسلافنا على مر العصور، ولاشك نحن نطرح اليوم هذا الحلم في زاوية النسيان ونطلق صافراتنا ايذانا بانطلاق سفننا في بحر لاحدود له.
يلفنا الغضب والتهيج، هذا الغضب الصامت الذي يستريح بين احراش الفرات، وهذا التهيج اللذيذ بالمعرفة التي لايمكن الافصاح عنها مما يجعل الوجود الانساني يرتعش نشوة أمام تساؤلاتنا وسفننا التائهة في تشكيل مابعد المعاصرة الذي يجتهد على تدريب البصرعلى رؤية السخرية والتهكم كتعويض عن المشاعر المتهيجة على عكس مانراه في التشكيل المعاصر من ثراء فكري وغضب تأملي عمره بداية الخليقة ليهدد التوازن الآني لصراع الثنائيات الازلي ولينشر ظلاله فوق تشكيل مابعد المعاصرة.

استطاع الفنان عبد الكريم سعدون الوقوف على البحث المعرفي في الاساطير الشرقية ابتداءا من العصر السومري وانتهاءا بعصر المعلوماتية باستحضاره وتوظيفه اشكال الطلاسم والتعويذات الضاربة في القدم وكذلك الوشم على يد ووجه الام العراقية الموشحة بالسواد، ومربعات لعبة (التوكي )ٍ [(2)]،والاشكال الهندسية التي يستخدمها صاحب مقهى عراقي في تسجيل ديونه على زبائنه، والحركة البطيئة القصدية للاشكال، والفواصل اللونية وتجانسها مع وحدة الموضوعة التي تتخذ من افرازات الموروث الانساني مرجعية لها في معرضه الشخصي الخامس ( رقصة الضوء) حيث نشاهد الوانا اكثر بهجة وبهاءا مما عهدناه في اعمال الفنان السابقة.
نلاحظ في اكثر اللوحات المعروضة ان الفنان بذل جهدا كبيرا وتقنية عالية وقدم افكارا تستحق التأمل والدراسة، ويلاحظ المتلقي ايظا هذه التشخيصية الواثقة في ان التكوين في اللوحة هو جزء رئيسي لاتشخيصي احيانا وتشخيصي في اكثر اللوحات والمنحوتات وطبعات الليثوغراف الى جانب اجزاء تشخيصية وايقونية صغيرة أخرى وكأنه يجد مفاتيح الفردوس المفقود ويستقريء مفهوما جديدا للمدينة الفاضلة.
كان الفن، ومنذ زمن بعيد، انعكاسا لحالة معينة، ولكن ومنذ العقد الاخير من القرن العشرين بدأ اهتمام الفنان ينصب على البحث والدراسة، فالدراسات والبحوث متعددة ومتنوعة ولكن افضلها تلك التي اهتمت بتناص الظواهر الاجتمعاعية وبعلاقة الانسان بالبيئة التي تتطلب من الفنان قدرة فنية وفكرية في استسقاء رؤى جديدة للظواهر المتفق عليها.
كما اتخذ بعض التشكيليون من مفهوم الايقونة وتداعيات الاشياء الغارقة في القدم منهلا محليا بدأ بالبحث المعرفي والامتداد الحضاري وانتهى بالنضوب والتكرار كما نستنطقه مثلا في اعمال بعض الفنانين العراقيين، ولكن استلهام وتوظيف الرمز السيميائي يمكن تناوله من جوانب مختلفة وبما يتلائم مع فكر الفنان ومتطلبات العصر، فالرمز عند سعدون، اذا استثنيى الطلاسم والتعويذات، يتمثل في الامتداد الطولي للاشكال والايحاء اللوني لاستمرار ظلال الاساطير في فضاء اللوحة الايقونية.
يمكن تشبيه التشكيل المعاصر بالأغنية حيث اللحن والايقاع يستوحيان من رؤية الفنان لواقعه، ولكن دون محاكاة، وكذلك الحال في التشكيل المعاصر، فليس هناك حدود معروفة بين الرسم التشخيصي واللاتشخيصي ونجد الكثير من التشكيليين المعاصرين يدخلون لاشعوريا مساحة اللاتشخيص كما نتلمسه في بعض اعمال سعدون والتي تقترب كثيرا من اللحن والايقاع قي الاغنية والمتعة في التجريب والدراسة وتأثيرها على المتلقي وكما قال الفنان في لقاء صحفي معه quot; لانستطيع ان نقول ان هناك فنانا تقليديا وآخر غير تقليدي، فالفن يعمل وفق نظام يمثله اشتغال الأنساق، ووجود التنوع في الأداء يمثل سمات المنجز الفني في البلد المعين، واذا جازت هذه التسمية فانها تشتغل في سبيل المقارنة فقط، لأن الانجاز الفني تحكمه طرق الاداء الفني التي نخضعها نحن جمهور المتلقين للاحتكام الى ارثنا باختلاف الذائقة لكل واحد او مجموعة منا quot;([3]).

المنتج الصناعي والموت.
لكل زمان ومجتمع خصائصه الروحية الدينية او الدنيوية لتحليل نهاية الوجود الانساني والاستعداد للقاء اللانهائي وفي ثقافتنا العربية الاسلامية نجد هذه العلاقة مقرونة بالهلع والخوف وايظا بالشعارات الاخلاقية مثل ( عش يومك وكأنك تموت غدا) و( انفق مافي الجيب يأتيك مافي الغيب) و (العمر مرة وحدة ) وغيرها، حتى في الثقافات الأخرى نجد الهلع من الموت أمرا مثيرا للجدل والارتباك كولادة الانسان.
منحوتات عبد الكريم سعدون([4]) الاسطوانية الملونة (1 متر، 1.20متر، 1.40 متر ارتفاعا ) تبحث في موضوعة استمرار التغيرات في الانسان ضمن حدود الزمن والموت، مستخدما المنتوجات الصناعية، جديدة كانت ام قديمة، كخامة اولية ليذكرنا بمنحوتات ميرو لكنها اقرب لمنحوتات جيف كونز( [5]) من حيث المادة المستخدمة وليس التوظيف.
وظف الفنان العلاقات التاريحية ( انسان الكهوف ورمحه مثلا ) بين المنتج الصناعي الاسطواني والانسان باستخدامه البورتريت وبعض الرموز كالقطة والعجلة الذان اخذا مكانيهما في اكثر من لوحة ومنحوتة لادراك الحضور الكبير للتشخيص، فالرمز عند عبد الكريم سعدون حاضرا وملموسا في فضاء اللوحة الايقونية، اللوحة والمنحوتة على حد سواء، مما يدفعنا للتفكير في قدر الانسان وحتميته من جانب وتساؤلات الانسان حول المعنى الخفي لوجوده على الارض من جانب آخر.
الفن الجيد هو الذي ليس فقط يثيرنا وانما يصدمنا بصرا وعقلا، وكما في المقارنة الافلاطونية يمكن فصل العالم المثالي عن عالم الواقع الحقيقي، فالعالم الحقيقي يقدم فقط ظلالا لرسومات على جدران الكهوف بينما العالم المثالي يصدم المتلقي المتذوق ويجعله يكون صورة واضحة عن صدق الفنان في عمله، ولذة تأمل العمل الفني بأشكاله الدلالية وايحاءاته اللونية ليفتح آفاقا جديدة أمام المتلقي ويدفع الفنان للاستمرار في التجريب والبحث.

حرية الاختيار.
لم يحدث ابدا في التاريخ ان تسيطر دولة واحدة على العالم كما تسيطر اميركا الآن على الدعائم الأساسية للدول كالاقتصاد والسياسة والثقافة والقوة العسكرية والتكنلوجيا.
على المستوى الثقافي تبدو السيطرة الاميركية واضحة من خلال هيمنتها على وسائل الاتصال بما فيها المعلوماتية وايضا على الصعيد المحلي نرى الزي الاميركي والعملة الصعبة ( الدولار ) ومطاعم وجبات الطعام السريعة (الماكدونالد) والكوكاكولا واللغة الانجليزية بلهجتها الاميركية حتى التاريخ والرياضة منتشرة في كل زوايا المعمورة، وكما قال دافيد روثكويف استاذ العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا ( ان المعلوماتية تشجع وتزيل ليس فقط الحواجز الثقافية، وانما ايظا العديد من الابعاد السلبية للثقافة ).
ويمكن قبول العولمة والامركة فقط من باب تزاوج وتلاقح الثقافات مع حق تمسك الشعوب الأخرى بخصوصياتها ضمن الاطار الطبيعي للانثروبولوجيا الثقافية. ومن حسنات هذا التزاوج هي شبكة الاتصال والانترنت التي احدثت ثورة معلوماتية متواصلة وذللت الكثير من العوائق امام الفنانين التشكيلين.
الفنانون التشكيليون المعاصرون يعرفون تماما مايدور في العمل الفني من فكر وجمالية وتقنية وايظا تأثيره على المتلقي في حين ان سمة فناني مابعد المعاصرة هي تصوير ماهو متناقض لما يعرفه الفنان نفسه ليجعل المتلقي يراجع مباديء فهمه للجمال والمنطق.
هناك الكثير من الناس يربطون مجال عمل الفنان بالخرافات ومنها : كان هناك جيلا من الفنانين عاش في زمن مثالي آخر عندما كانت الكلمات كالحب والموت والرغبة والحزن والخلق والى آخره تنتمي للفن، ولكن تحرك الزمن وشك الانسان بالاشياء غزا قلوب الفنانين ليولد جيلا جديدا من الفنانين المعاصرين التواقين الى تحطيم الاشياء واعادة صياغتها ودراستها بشكل مثالي مغاير ليحل محل الزمن المثالي القديم ليقف امام عيوننا الفنانون التشكيليون العراقيون الشباب ومنهم الفنان عبد الكريم سعدون.
هذه هي الأفكار التي راودتني عندما شاهدت اعمال الفنان عبد الكريم سعدون على قاعة الفن في مدينة فينشبوري السويدية. ([6]).
مدينة فينشبوري تسمى باريس الصغيرة ولايرى المهاجرون، الجدد والقدماء،اي وجه شبه بين المدينتين، وهذا يحيلنا الى اختلاف المفاهيم ومدلولات الاشياء بين الشعوب ولكن معرض سعدون يحضى برضى الجمهور والنقاد بما فسح له من حيز كبير على الصحف الرئيسية وهذا ايظا يقودنا الى انتفاء الحاجة الى توظيف الرموز المحلية ذات الطايع المحدود المتجذرة في روح الفنانين وليس هذا معناه موت الفلكلور وانما اتخاذه سمة القبول بعيون اخرى لها مداراتها المحلية المغايرة لجذور الفنان.
اشتمل المعرض على 27 لوحة منفذة بمادة الأكريلك ومواد مختلفة و18 عملا نحتيا و16 تخطيطا توزعت بين الكرافيك والحبر الصيني، الاعمال الكرافيكية منفذة بطريقتي الابرة الجافة والاكواتنت.

المراجع والهوامش :
1. عبد الوهاب البياتي، الموت في الحياة، دار الآداب، بيروت، 1968، ص27.rlm;
2. لعبة شعبية يمارسها الاطفال في العراق وخصوصا الأناث.
3. موقع الفنان عبد الكريم سعدون :
http://www.asadoon.com/
4. سوسن الجزراوي، جريدة العرب / يوميات ثقافية، بغداد، العدد 14 لسنة 2002.
5. نحات اميركي (1954 - ).
6. قاعة الفن في مدينة فينيشبوري السويدية من 18- 11 ولغاية 09-12-2006 :

http://www.vanersborg.se/kulturochfritid/konsthall.4.2bae981080000cb07800014763.html