ربما هو جدل صاخب في الحياة!!نحاول ان نثيره دائما ونحن نسعى الى قراءة تمظهرات الثقافي في تلاوينه ومستوياته و الذي يتلمس توصيلاته عبر عوالم الجسد والصورة واللوحة بحثا عن سرية الجمال الخالد... هذا الجدل يفترض اسئلة طاعنة وحادة ازاء ما يمكن ان يؤسسه ( النص التشكيلي) العراقي لوحة ونحتا وفضاء في التجريد من علامات تتقصى الذاكرة العراقية أو البحث في راهنيتها القلقة المكشوفة على احتمالات الاسئلة.. ولعل النقد التشكيلي مع افتراض التسمية يمثل احد ابرز مثيرات الاسئلة لانه ينطلق من وعي استثنائي في التعاطي مع بنيات بصرية ولونية وعلائق تعيد تشكيل الطبيعة!! وهذا يحتاج الى وعي اخر يتجاوز البداهات التي اعتادت الصناعة الثقافية تقيمها وصياغتها عبر البنيات اللغوية الشائعة في تداولها وفي منظوماتها الاستعارية والرمزية..
ان النقد التشكيلي لم يؤسس له اتجاهات واضحة في العراق!! رغم تاريخه الثقافي المعروف وتاريخ البيانات التي كتبها رواد المدارس التشكيلية المعروفين ،واثر ما تركه الرواد

بريشة محمد قريش
في اجندة التجديد الفني بدءا من محاولات عبد القادر الرسام مرورا بالتجارب الجديدة المغامرة مع جواد سليم وفائق حسن والقصاب وقتيبة الشيخ نوري وخالد الرحال وصولا الى التجارب الاخرى مع مهر الدين وخضير الشكرجي وغيرهم ، اذ ظلت هذه المغامرات الفاعلة والمؤئرة دون غطاء نقدي واضح سوى تمثلهم لبعض التنظيرات والافكار الضاجة والصاخبة واحيانا الثورية والمتمردة التي جاء بها رواد مرحلة ما بعد الواقعية الاوربية والذين احتاجوا النقد والتأويل والقراءة لكي يفلسفوا توجهاتهم الفنية اولا ولكي يشرحوا عوالم لوحاتهم الغامضة ثانيا ولكي يبرروا تشكيلاتهم اللونية ورؤاهم البصرية المغامرة وغير المالوفة ثالثا..
ان الاشتغال في النقد التشكيلي العراقي ظل محصورا في اطار القراءات الثقافية والمحاولات الشخصانية في تأمل وفحص اللوحة والجدار والكتلة والعلاقات البصرية في اطار مرجعياتها الثقافية وليس في اطار صياغتها الميتا تشكيلية!!!!
ان ما نسعى اليه غبر هذه المقدمة هو أن نمارس وعي الجدل كضرورة في اعادة انتاج متوالية للاسئلة بكل ما تفضي اليه من قلق وارتياب ، وبكل ما تحرّضه على الذهاب بعيدا الى المطهر المعرفي واغواءاته في الرعب والاعتراف ، حتى نبدو وكأننا نوغل الى اقصى مديات البحث ،تلمسا في كينونة الانسان لنجلو عنه غبار الامكنة العتيقة ، ورطوبة التاريخ الذي لم يعد طازجا!! وتوحش الغياب ، نستحضر بالمقابل وعيه الاشكالي الفلسفي والعرفاني بالوجود والحرية
والحلم عبر استحضار كل الاسئلة والغوايات وعبر التماهي مع تهويمات صورية وايقونية يستعيد فيها الجسد حضوره وتشكلاته اللانهائية ، مثلما نحاول ان نتلمس حراك الابداع الفني العراقي عبر رؤى هي ذاتها التي اجترحها جدنا القديم كلكامش حين ادرك ان خلوده يكمن في بقاء الأثر...
في أجندة التشكيل العراقي!! يبدو المشهد واسعا لكنه غائم يسهم فيه العديد من المبدعين العراقيين في قراءة شواغل المشهد الفني العراقي عبر جدلية موروثه ومعاصرته بحثا عن البرزخ الذهبي الذي تتشكل عند حوافه الاشياء وهي مفعمة بقوة الوجود والخصب وقريبة من اغواءات سلالته النبيلة وربما مشرعة لتوثب باتجاه ما!!!...
الناقد عادل كامل يحاول دائما ان يقارب في قراءته لمكونات التشكيل العراقي المعاصر في العراق تحولات الروح العراقية التي انطلق بها الفنان العراقي في رحلته المضنية عبر تمثلات المكان والجسد واللون وصولات الى فضاءات مغامرته في التجريب الحداثوي واسئلته المريبة،، وكأن الفنان العراقي يحاول ان يؤسس من خلال هذه المقاربات ذاكرة حية تراقب جغرافي اللون وسيولتها عبر شقوق الزمن الراكض كالخيول...
وينفتح الناقد الدكتور جواد الزيدي على رؤى تشكيلية ولونية تمثل صلب قراءته العميقة التي ترصد مفهو التوسطية بين الموروث والحداثة في الخطاب التشكيلي في سياق تأملي يرصد فيه تحولات هذا الخطاب وتمظهراته وتجريبات عوالمه الباحثة عن معان تكمن قيمتها وتأسيساتها في قدرة الفنان العراقي على استحضار قوة وجوده عبر تحويل هذا القوة الى سيولة في الحياة مقابل الموت وعدميته..
وينطلق الفنان الدكتور فائز يعقوب الحمداني في مقاربة جدل الاسئلة الذي يثيرها الموروث والحداثة من منطلق البحث عن الهوية التي تمثل خلاصة الروح العراقية ومحمولاتها في المعنى والوجود عبر توظيفات قراءية تلمس فيها الكثير من التحولات التي حفل بها مشهدنا التشكيلي العراقي الجديد ،
ويأخذ المنظور التأملي عند الناقد حسن عبد الحميد بعدا اكثر اجرائية في البحث عن تقعيدات قرائية تؤشر ملامح اللوحة كنص ، وكذات قابلة للتشكل في المنظور ذاته ،وقبلة للسيولة خارج الاطار بحيث تمثل اللوحة/ النص جذوة الفكرة وغواية التأمل ، ان حسن عبد الحميد يتقيد بانشائية الكتابة التشكلية!! باعتبار ان اللوحة تحتاج الى العين المراقبة ، والحدس الذي يجلو ماوراء اللوحة/ النص ، اذ تكون هي مقابل لذّوي للجسد الذي يجسد لذته في طقوس واستعادات ونداءات ، وهذا ما يجعل الكتابة عنده هي محاولة دائمة في انسنة التأمل في لحظته التجريدية او في حضوره التجسيدي!!
كما ان الكتابة النقدية التشكيلية تنطلق عند صلاح عباس من وعي مفارق يدرك ان اللوحة او النص التشكيلي بشكل عام ،لوحة او كتلة او خطوط ،تمثل نوعا من الايغال في حقل من التشابك والتجاذب ،بحثا عن المثير وعن المتقارب والمختلف ،وبحثا عن الخطوط التي تقود حتما الى اللامتناهي!! اذ تكون اللوحة هنا هي الغواية المقدسة التي تفترض التأويل ، وتفرض الاندفاع ،،اللغة لديه عالية في حرفيتها ،دقيقة في مهنيتها وهذا ما يجعله الاقرب الى تلمس كيمياء اللوحة/النص بحثا عن لعبة المعادلات التي تتشكل وتخضع في الان نفسه الى نوبة محو!!وهكذا.
ازاء هذا نجد ايضا غياب واضح لما يمكن ان نسميه بالدرس النقدي الاكاديمي اذ ظلت المحاولات الخاصة في فهم التجديد التشكيلي محمولا على مفاهيم المدارس والاتجاهات الغربية وما تركته من اثار وانعكاسات ثقافية ومعرفية وتقنية على مستوى النظريات الفنية وعلى مستوى تكريس قيم التجديد والحداثة خاصة في تأمل اللوحات والاشكال التجريدية والتي كثيرا ما تسحب متأميلها الى مرجعيات فلسفية ومعرفية وتكوينية هي جزء من الثقافة الغربية المعروفة ، وان اغلب الاساتذة الاكاديميين يكرسون في درسهم الفني الاكاديمي كل الافكار والمناهج التي يستقوها من درسهم للثقافات الغربية وطروحات النقاد الغربيين ،ولايوجد لدينا خصوصية واضحة في كتابة درس نقدي عراقي او حتى عربي!! وان اغلب ما نقرأه في هذا المجال لايعدو ان يكون قراءات ثقافية في متن لوني مازال يثير الكثير من الاسئلة....
ان موروث النقد التشكيلي والثقافي الجديد يجد في لغة الناقد والفنان شاكر حسن ال سعيد اقصى توغلاته ،فهو يحمل كل ميكانزما البحث عن السري والغامض ، وربما هو احد ابرز النقاد الذين حرصوا على جسدانية اللوحة ، واستحضاراتها الصياغية والبنائية واعطائها كل ما تفترضه من كينونات ومظاهر واسرار ونزوع ، ولعل وعي ال سعيد بالموروث الصوفي والسحري اعطاه افقا استثنائيا في الكشف عن عوالم اللوحة ومساحتها ،واحيانا سحبها من صياغتها التجريدية الى تجسيد في فعل اللذة او في فعل الاستحضار او التماهي او الحلول...
ان هذا النقد يبقى دعوة لاثارة الاسئلة ودعوة للحوار والتكاشف عبر جدل يطرحه الانسان دائما في بحثه عن وجوده واصراره على الامساك بحريته لانها جوهر هذا الوجود..