من أمستردام- صالح حسن فارس: quot;كريس كولمانسquot; طائر هولندي لا يعرف الاستقرار اذ يتنقل كثيراً بين البدان العربية والافريقية والاوربية. بعد سنوات طويلة من المغامرة والتنقل بين المدن النائية والغريبة أتسعت رؤيته الجمالية والفكرية عبر تأملاته الجوهرية وأسئلته الكونية. حققت روايته ذائعة الصيت quot; الأمريكي الذي لم أكنهquot; شهرة واسعة في الاوساط الأدبية والفنية في هولندا ويروي فيها ذكرياته في تونس، بغداد، ونيويوروك،quot; من خلال استعادة حياته وحنين الطفولة وعلاقاته الحميمة مع صديقيه الامريكي quot;دايفدquot;. وقد تناول quot;كولمانسquot; التجربة ذاتها وبالعنوان ذاته، بأربعة أشكال كانت الرواية إحداها، إضافة إلى موقع الكتروني www.theamericanineverwas.net وفيلم وثائقي، وريبورتاج إذاعي.
ولد quot;كريس كولمانسquot; في تونس عام 1960 من عائلة هولندية حيث كان والده يعمل في مؤسسة للتطوير الانمائي لمساعدة دول العالم الثالث. انتقلت عائلته بعد ذلك لتستقر في بغداد أربع سنوات للعمل في العراق، وهو في السابعة من العمر. كان طالبا في أحدى مدارس بغداد في ستينات القرن الماضي. عاشquot; كولمانسquot; فترة غريبة ومهمة من حياته - من عام 1967 ولغاية 1971 ببغداد- حيث يقول quot;أربع سنوات من الذكريات رزمتها في حقيبة طفولتي المدرسية. تعلمتُ القراءة والكتابة باللغة الانكليزية في المدرسة الأمريكية ببغداد في شارع المنصور حي الأميرات، سحرتني اللغة العربية كونها تُكتب من اليمن إلى اليسار،كما سحرتني الموسيقى، شاهدتُ أفلام كارتون، أكلتُ الخبز الحار، أما السمك العراقي الذي يرقص على ضفاف نهر دجلة فلا يفارقني مشهده الساحر للحظة واحدة، رأيتُ القناديل البغدادية في المساءات، الصحراء ولون لغتها الصامته خلف جدران المدينة، والصيف الحار.quot;
كل هذه الحياة ومشاهدها المحفورة في الذاكرة جعلته يخصص فصلاً كاملاً عن بغداد في روايته quot;الامريكي الذي لم أكنهquot; التي صدرت عام 2004 في هولندا. quot;تناولت في هذا الفصل قراءة في طفولتي بشكل روائي ساردا فيه أسئلة وأسرار الطفولة وحكايات الصداقة بين هولندي وأمريكي حين يلتقيان بعد زمن في مدينة لندن ، مع مقارنة بين مدينتي بغداد ونيويوركquot;.
في أوائل السبعينات عاد إلى هولندا حيث درس وتخرج فيها ،ليمارس في ما بعد أنشطة متنوعة في المجالات الثقافية والإعلامية. فقد أسس مكتبة مختصة بالشعر أسماها quot;الزمن الضائعquot;، وقد تحولت هذه المكتبة في ما بعد إلى مؤسسة تحمل اسم quot;بيردو perduquot; التي تعد أهم مؤسسة متخصصة بالشعر في هولندا. كما أصبح لاحقاً مديراً لمركز quot; دي باليquot; De Ballie في أمستردام للفترة من عام 1995 ولغاية 1999 ، وكذلك في عام 2005 . ويعتبر هذا المركز أحد المراكز الثقافية المهمة في هولندا تقام فيه المهرجانات والنشاطات الثقافية والفنية والعروض المسرحية والافلام والمحاضرات السياسية والثقافية. كما واصل مساهماته وكتاباته الادبية والفنية في الصحف الهولندية المهمة، متابعاً للاحداث السيايسة والثقافية للشرق الاوسط ومهتماً، بشؤون اللاجئين في هولندا وبتعريف وتقديم الادباء والكتاب الشباب إلى الهولنديين.
التقيته أول مرة في مهرجان الفنون العراقية في أمستردام قبل عامين، الذي ألقى فيه كلمة الافتتاح. كان خجولاً، هادئاً، ويبدو على ملامحه حزن شفيف ، حزن يجعل ملامحه مختلفة عن الملامح الهولندية الجادة، أو المبتهجة بالحياة. أهو حزن سومري مغلف بأجنحة فرح هولندية؟ سؤال يخطر في ذهني كلما أتذكره أو أراه.
هذا الكاتب كلما أراه يتذكر طفولته في بغداد ويحلم أن يزورها ويشاهد الاطلال في العراق. قال لي عن بغداد quot;أرى الحزن والالم في عيونها وعلى وجوه أهلها، تراب يغطي وجهها وهي تطل من على شاشة التلفزيون كأنها أمرأة حزينة جريحة خجولة، كل شئ مغطى باللون الرصاصي المعتم الذي يشبه لون الرماد. أول شيء شاهدته في التلفزيون حينما كنتُ طفلاً ببغداد كانت أفلام الكارتون الامريكي والان أرى الجندي الامريكي هناك، أنا حزين لانني أرى بغداد كأنها ميته ومستقبلها مجهول يلفه الغموض، والاعلام الغربي والعربي سعيد بما يحصل كونه يبيع سلعته الى الجمهور لتسويق الحرب.quot;
quot;كريس كولمانسquot; من الشخصيات المعروفة والمهمه في الساحة الثقافية الهولندية في مجالي الادب والفن والمسرح وقد صدرت له أربع روايات باللغة الهولندية quot;الفضاء يحيطني من كل مكانquot; عام 1992، quot;نزهة قصيرة في التلالquot;عام 1994 quot;من الصيف إلى الواقعquot; في عام 1997، quot;الامريكي الذي لم أكنهquot; عام 2004 .