سلوى اللوباني من القاهرة: عرفت الصحافة العربية quot;فهمي هويديquot; ككاتب ومفكر.. واستطاع بقلمه أن يحظى بنسبة كبيرة من القراء بسبب آرائه التي تعبر عن واقع الامة العربية والمصرية بالاخص، ورؤيته وتحليلاته التي يقدمها من خلال قلمه.. إلا أنني أرى أنه في كتابه الجديد quot;خيولنا التي لا تصهل.. مقالات في السياسة والتياسةquot; الصادر عن دار الشروق أخفق في بعض المقالات.. وتجدر الاشارة هنا الى أن محتويات الكتاب هي في الاصل مقالات سبق نشرها على فترات زمنية متقاربة في صحف مختلفة. تناول في كتابه الكثير من الامور السياسية والاقتصادية فعلى سبيل المثال تطرق الى تعديل المادة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، العمر الافتراضي للمسئول في مصر، الديمقراطية، والتحدي الذي يواجه النظام المصري السياسي، وموضوعات عديدة ينادي من خلالها هويدي بالاصلاح المجتمعي في مصر وفي الدول العربية، ولكنه أخفق عندما عقد مقارنة بين ردود فعل الناس على استئذان أو إنصراف الكاتب quot;محمد حسنين هيكلquot; وردود الفعل على تنحي الرئيس quot;جمال عبد الناصرquot; عقب هزيمة 1967، وأيضاً في مقارنته الغير الانسانية ndash;للأسف- التي أقامها يبن دودي الفايد وهادي حسن نصر الله.. مما يدعو القارئ الى طرح الكثير من التساؤلات!! وإضافة الى ذلك مقاله بعنوان quot;فضيحة ثقافيةquot; والتي تناول من خلالها الاحتفال بمرور 200 عام على الاحتلال الفرنسي لمصر.

دودي وهادي
عقد هويدي مقارنة بين مصير دودي الفايد نجل محمد الفايد صاحب متاجر هارودز وبين هادي نصر الله نجل السيد حسن نصر الله، فيقول... أن دودي دخل التاريخ من باب العشق أي عشقه للاميرة ديانا، وهادي دخل التاريخ من باب الشهادة، وأكمل هويدي..فهادي إبن زعيم كبير في عالم الجهاد ولا يقل قدرة عن زعامة محمد الفايد في عالم الثراء..ويستنكر هويدي بشدة بأنه لم ير صدى لاستشهاد هادي نصر الله في مختلف وسائل الاعلام طيلة الاسبوع الذي أعقب مصرعه، بينما كان إسم دودي الفايد على كل لسان وصورته في كل مطبوعة وسيرته وحركاته شاغلاً للمصورين!! إضافة الى ذلك استعرض هويدي القيم التي يمثلها ويزكيها الراحلان -من وجهة نظره بالطبع-.. فقال عرفنا دودي بصورته وهو بثياب البحر وتتدلى من رقبته سلسلة ذهبية، أما صورة هادي.. شاباً كثيف الحاجبين مرتدياً ثياب الميدان، ويكمل هويدي في مقارنته بأن القيم التي تتداعى الى الذهن حين يسمع المرء إسم دودي الفايد هي الوسامة والنعومة والثراء والنساء، بينما القيم التي تتداعى حين يسمع المرء إسم هادي نصر الله الرجولة والتضحية والجهاد والخشونة والشهادة، ويرى هويدي أنه حين رحل دودي أطفأ حلم أبيه في أن يخلفه على عرش مملكة المال والثراء وجاءه الموت على حين غرة فافسد عليه حلمه ودنياه!! أما هادي نصر الله ذهب الى الموت فاتحاً ذراعيه ومشترياً آخرته بدنياه، وعندما رحل فانه أضاء وجدان أمته وأنعش أملها في غد تظله الكرامة والكبرياء، والاول مات وغادر الدنيا قتيلاً بينما الثاني لم يمت وودعنا شهيداً!!! ويكمل.. فلا غرابة في أن يبكي محمد الفايد إبنه وينفطر قلبه حزناً عليه وحسرة ولا عجب في أن يفرح حسن نصر الله ويعد فوز إبنه بالشهادة وساماً يبعث على الاعتزاز والفخار، وأنهى مقاله الغريب هذا بتساؤل: هل هي أزمة إعلام أم أزمة مجتمع؟ ويقول علينا أن نختار ما هو النموذج الذي ننشده لشبابنا هل هو دودي أم هادي؟ وسيظل من غرائب زماننا وأخشى أن أقول من علامات الساعة أن تنتابنا الحيرة ونحن نحاول المفاضلة بين الاثنين!!

أرى أن هويدي أخطأ بعقد مثل هذه المقارنة بين شخصين كل منهما تواجد في سياق مختلف عن الاخر، ولا أدري لماذا على هويدي أن يفاضل بين نموذجين اختارهما هو من نابع أفكاره وتوجهاته وكأن العالم العربي قد خلا من أي نماذج أخرى يقتدي بها شبابنا؟ ومن قال لهويدي بأننا كآباء وأمهات نود أن يكون جميع أبنائنا شهداء؟؟ هل يجب أن يذهب أبناء الامة العربية جميعهم الى الموت فاتحين ذراعيهم للشهادة حتى ينصلح حال الامة العربية!! ومن سيبقى إذن ليبني ويخترع ويكتب ويعلم.. ولينهض بالامة التي تشكو منها في جميع مقالاتك!!! وهل الشهداء يا سيدي فقط هم من ينيرون أمل الامة العربية ويرفعون كرامتها ويعيدون لها كبرياءها!!! وأين نموذج العالم، الشاعر، الاعلامي، الاقتصادي، العامل، الطبيب، المثقف!! وهل يحق لك ككاتب وكمفكر أن تنصب نفسك كقاضي.. بل أكثر كجلاد لتشمت بموت أحدهم قتيلاً!! يا سيدي quot;تعددت الاسباب والموت واحدquot;. وهل موت دودي الفايد يعتبر على حين غرة أما موت هادي نصر الله فلا!! منذ متى لا يأتي الموت على حين غرة!! إلا إذا كان الموت يأتي بعضكم بمقدمة وإستشارة وتنبيه!!! ومنذ متى أصبح انفطار قلب الاب حزناً وحسرة على موت إبنه شماتة أو عقاب!!!

مقارنة بمنتهى القسوة.. وخالية من أي مشاعر إنسانية... نحن مع الوقت لم نفقد فقط تاريخنا وثقافتنا بل نفقد تسامحنا.... والمصيبة أننا نتبجح دوماً بأننا أهل التسامح...سيدي.... الاصلاح في النفوس أولاً.

أزمة المرجعية
وفي مقال آخر قارن الكاتب فهمي هويدي بين الاصداء القوية التي أحدثها قرار quot;محمد حسنين هيكلquot; بالاعتزال أو الانصراف، وبين الاصداء القوية لتنحي الرئيس quot;جمال عبد الناصرquot; بعد هزيمة 1967، فيقول.. أصداء إعتزال هيكل كانت مسكونة بخوف مكتوم وخوف من أن يٌترك الناس بغير راية أو دليل، فهيكل يعد مرجعاً ينتظر كثيرون كلمته ويهتدون بآرائه، وأحد مصادر الاطمئنان والثقة بالمستقبل!! فهو يرى أن هناك قاسماً مشتركاً يتمثل في ذلك الجزع الذي أصاب الناس وهم يرون قائد المسيرة يلوح بالانصراف والامة غارقة في وحل الهزيمة، ويكمل موضحا بأن هناك أزمة مرجعية في مصر فيقول.. إذا تلفت حولك باحثاً عن المرجع أو الذين يمكن أن نطلق عليهم المعلمين الشيوخ الكبار، فسوف يصدمك حجم الفراغ على ذلك الصعيد وحتى في ميادين الثقافة والصحافة والفن والفقه.
*اذا كان هيكل المرجع الوحيد في مصر الذي كان الكثيرون ينتظرون كلمته ويهتدون بآرائه.. فلماذا لم ينصلح حال مصر كل هذه المدة قبل إنصرافه!! وهل بالفعل بانصرافه خلت مصر من أي مرجعية!! نحن من يمسح تاريخه وثقافته بيده عندما نروج لشخص واحد نؤمن به ولا نريد أن نحيد عنه قيد أنملة...

فضيحة ثقافية
أما الحوار الذي دار حول الاحتفال بمرور 200 عام على الحملة الفرنسية على مصر quot;مصر وفرنسا.. آفاق مشتركةquot; يعتبره الكاتب كارثة بكل المقاييس!! أما الكارثة العظمى بنظره فهي فكرة الاحتفال بحد ذاتها إنطلاقاً من الاجابة المستقرة -على حد تعبيره- في وجدان أي مصري طيلة القرنيين الماضيين!! فيقول إذا سألت أي طالب في المرحلة الاعدادية أو الثانوية درس شيئاً في تاريخ مصر الحديث عن حدث عام 1798 فسيقول لك على الفور إنه الاحتلال الفرنسي لمصر!! ويستنكر الكاتب على بعض المثقفين الذين يرون أو يحللون الاحتلال الفرنسي من وجهة نظر مغايرة أو قراءتهم للتاريخ من وجهة نظر مغايرة.. لانهم ليبراليون أو متنورون ينادون بالعقلانية والموضوعية وبحرية الاجتهاد أو الاعتراف بالرأي الاخر في كل شي.
*سواء اتفقنا او اختلفنا مع الكثير من وجهات النظر التي تتناول مثل هذه الاحداث التاريخية..الا انه ليس بالامر المهم والاهم الذي نقف عنده..ونكرر ونؤكد على طلابنا وشبابنا أن لا ينسوا أن فرنسا احتلت مصر.. من المحبط جداً يا سيدي أننا نراوح طيلة القرنين الماضيين..... والعالم يتقدم من حولنا...
[email protected]