فالح الحمـراني من موسكو: تشكل قصيدة الغريبة منعطفا حادا في مسيرة ابداع الشاعر الروسي واحد اقطاب المدرسة الرمزية الكسندر بلوك( 1880 ـ 1921). فعقب مرحلة قصائد quot;السيدة الجمليةquot; التي كرسها لحبيبته وزوجته ما بعد لوبوف ديمتريفنا مندلييف، ذلك المثال الذي لاوجود الا في تصورات وخيالات الشاعر انه في السماء، يظهر مثال جديد ارضي انه quot;الغريبةquot; المثال الذي يمثل الكمال ويعارض تفاهة الحياة اليومية ذلك الافق الساحر لعالم جديد.وكتب بلوك القصيدة في 1906 لكنها رافقته لفترة طويلة وكتب بعد سنوات ايضا مسرحية بنفس الاسم، ليصب فيها افكارا فلسلفية وشعرية جديدة وليعمق فكرة وروح قصيدته التي اعتز بها.
ويجري حدث القصيدة وأجواءها في ضواحي بطرسبورغ حيث كان الشاعر يرتاد المطاعم في مرحلة حياته البوهيمية، فيسخر فيها في البداية من تلك الأجواء التافهة حيث السكارى والسام الذي يخيم علي بيوت الاغنياء الريفية، ولانسمع فقط النفور والرفض في بداية quot;الغريبةquot; بل نغمة تراجيدية quot; ودوى بكاء طفلquot; وتسبغ صورة السماء وعقم القمر الليلي المعقوف بعدا كونيا على الاحداث توسع من حدود القصيدة.ان ماساة البطل في ثنائية وعيه وانشطاره، وكأن هذا ياتي نتيجة الوقوع تحت تاثير الخمرة بيد ان من الجلي ان هذه الحالة نتيجة العجز واستحالة الخروج من الدائرة المغلقة لعبثية الوجود ولاجدواه، ولهذا نسمع التهكم المرير من quot;المسخ المخمورquot;.
ويصعد الحلم من الاعماق الخفية للروح .ويتجسد في صورة البطلة : الكائن الغامض، وليس من الواضح تماماا هل انها امراة حقيقية ام رؤية quot;ام ان هذا يراودني في الحلمquot;، وعلى الاغلب انه امتزاج بين المرأى من جهة والمرتقب والهاجس من جهة اخرى. ويرسم الشاعر صورة رومانسية للغريبة. حيث يضفي عليها ابعاد سماوية وكونية ما فوق عالمية وضبابية، quot;بالمعتقدات القديمة والعيون الزرق التي لاقاع ولاقرار لهاquot;. فالغريبة بالنسبة للشاعر رمز الجمال الخالد. ان تفرد البطلة وعدم تشابهها مع كل محيط بها وغربتها والحزن الشاعري الذي تخلقه هلاميتها، يرتقي بالصورة على اليومي التافه.
ان quot;الاسرار الغامضةquot; وquot;شاطئquot; الحياة الاخرى، والافق المسحور نابعة من كنز قلب انسان يبحث عن الجمال لخالد ، ورصده في خضم حياة السام والتفاهات.
تظهر الغريبة الغامضة كل مرة لتخطف كينونته إنها تظهر له وحده وحده يراها لانها عصارة روحة وفكره.تحمل معها أجزاء الطقوس القديمة وأدوات العالم الغامض، فتقرب الشاعر من الحقيقية. انها مثل أغلبية قصائد بلوك في تلك المرحلة مشحونة بعالم quot; صوفيquot; عالم ما وراء الواقع.

الغريـبة
الكسندر بلوك
ترجمة: فالح الحمراني


عند المساء يخيم على المطـاعم الليلية
هواء ساخن ثقيل وأصم
و روح الربيع المُفسد
تتحكم بصياح المخمورين

وفي منأى، على غبار الأزقة
وسأم البيوت الريفية
كعكة هلالية مذهبة قليلا ،على واجهة المخبز
ويدوي بكاء طفل

وفي كل أمسية، خلف حواجز الطرق
يتنزه مع السيدات بين السواقي
ظرفاء محنكون
أمالوا قبعاتهم

و تأز في البحيرة مماسك المجاديف
وتتعالى ولولة النساء
وفي السماء التوى بلا معنى القرص
الذي اعتاد على كل شئ

وفي كل مساء، الصديق الوحيد
منعكس في قدحي
ومثلي وديع أذهلته
الرطوبة اللزجة والغموض


وقريبا من المناضد المجاورة
يترنح خدم مخمورون
ويصرخ السكارى ذوي عيون الأرانب
*ldquo;IN VINO VERITASrdquo;

وفي كل مساء، في ساعة محددة
( أم أن هذا راودني في الحلم وحسب؟)،
يتهادى في النافذة المظلمة
قــد فتاة، تسربل بالحرير

ودائما من دون أصحاب، وحيدة
تشق طريقها ببطء بين السكارى
تضوع بالعطور والضباب
وتجلس عند النافذة

ويذكر بالمُعتقدات القديمة
حريرها الناعم
وقبعتها الموشاة بريش الحداد
ويدها الناحلة بالخواتم


حاصرني هذا التماس الغريب
أُحملق خلف الوشاح الحالك
وارى شاطئا مسحورا
وأفقا مسحورا

عُهدت لي إسرار غامضة
عُهدت لي شمس ما
وغاصت روحي بالمنعرجات
وراحت الخمرة اللزجة تؤلمني

وريش النعامة، المائل على قبعتها
يهتز في دماغي
وعيون زرقاء من دون قاع
تزهر على شاطئ بعيد

في روحي يوجد كنز
عُهٍِِِدَ بمفتاحه بي فقط
أنت على حق أيها المسخ المخمور
أنا اعرف:إن الحقيقة في الخمرة


24 ابريل 1906 . اوزيركي . ( منطقة بيوت ريفية في ضواحي بطرسبورغ كانت مشهورة في 70 و 80 القرن 19 ولكن انحسر الإقبال عليها في بداية القرن العشرين)


*quot;الحقيقية في الخمرةquot;