هاني نديم:تعد الأميرة غادة بنت مساعد من الفنانات اللاتي لهن تواجد هام على الساحة المحلية والعربية بنهجها الفني الملتزم بالإنسانية ومشاكله دون الارتباط بعرق هذا الإنسان أو لونه أو موطنه. وهي على يقين من أن لوحاتها قد تشكل صدمة بصرية للمتلقي، إلا أنها مصرّة على نهجها الإنساني الصادق مهما كانت ردة الفعل إزاءه. quot;إيلافquot; كان لها لقاء مع التشكيلية والكاتبة، غادة بنت مساعد.

س : هل تقصدين بخطابك البصري الصادم أن تديري الرؤوس نحو أعمالك؟ كنوع من الاحتجاج والانتصار للفن؟
ـ إنني حينما أرسم لا أخطط للوحة التي أقف قبالتها، وهذا نابع من اعتقادي بأن من يخطط للأشياء قد ينزلق نحو التكلّف والتصنّع، اللوحة تستفز مكنوناتي وتوعز لي بمعاملة خاصة غاية في الشفافية والمكاشفة، ولا أملك وأنا أقف قبالتها سوى تفريغ مشاعري التي تتملكني دون زيف أو ضغوطات يفرضها عادة التفكير بالمتلقي، الأمر الذي غالباً ما يفسد أصالة اللوحة، عموماً علاقتي بالأشياء من حولي يحكمها الصدق.
س : أين تكمن خصوصية لوحتك ضمن هذا الإنتاج الفني المبالغ به؟
ـ لا يسعدني شيء بمقدار ما يسعدني القبض على ملامح إنسانية في حالة شديدة الخصوصية وذلك لتسجيل تلك اللحظات النادرة والإنسانية. وربما تكمن خصوصيتي في أنني أسجل لحظة شديدة التفلّت والهروب، وهي لحظة الصدمة وردة الفعل، ففي هذه اللحظة بالذات يكون الإنسان في قمة إنسانيته وقمة صدقه، ومن هنا فإنني أرى أن ردة الفعل حتى وإن كانت غير مألوفة فإن صدقها يجعلها جميلة، إن أجمل ما بالإنسان هو أن يكون نفسه، نفسه فقط.
س : تكتبين عمود صحفي تحت مسمى (ياء الياسمين) فيه من اللطائف اللفظية ما يجعلني أقارن بينها وبين لوحاتك وما بها من طروحات حادة وصارخة وغالباً ما تتشح بالقهر والقسوة، هل غادة التشكيلية تختلف عن غادة الكاتبة؟
ـ أنا أرسم بشكلٍ صادق كما أكتب بشكل صادق، الإنسان منا هو عبارة عن جملة كثيفة من المشاعر والتقاطعات المختلفة، النفس البشرية تحتوي على كم هائل من المشاعر المتداخلة الجميلة. فهي الرقيقة والحادة وهي الاعتيادية والغرائبية، وأعتمد على تلك الفطرة الصادقة في علاقتي مع الأشياء. من هنا ـ ربما ـ تظهر رقتي وأنوثتي من خلال ما أكتب وتظهر حدتي من خلال ما أرسم.
س : هل من مدارس فنية تأثرت بها غادة بنت مساعد، وهل يختلف تلقي لوحاتها داخل المملكة عنه في البلدان الأخرى؟

ـ ربما تكون ألواني تشبه ألوان عصر النهضة بألوانها الدافئة، ولكنني لا أشعر بانتمائي إلا للوحتي، والتي مع الجهد والزمن صارت ميزتي وخصوصيتي، إن الذي تراه أنت هنا غريباً أو مدهشاً يراه الآخر في أي مكان غريباً ومدهشاً أيضاً، وهذا ما يؤكد خصوصية عملي، حيث أن معارضي الخارجية شكلّت صدمة بنفس الدرجة التي شكلّتها معارضي الداخلية، ولأنني مرتاحة بتقديم نفسي كما هي، فإن هاجس (استمالة عواطف المتلّقي) إن جاز التعبير، لا يشغلني.

س : كيف تتعاملين مع النقد و(الانتقادات) وأنت تقدمين رؤاك الفنية بمثل هذا الطرح الجريء، والمغاير للسائد والمعروف؟

ـ إن معظم من انتقدني لم يلج لداخل اللوحة ولم يناقشها أكاديمياً، ولكنه وجه اتهامات سطحية من نوع أن لوحاتي لا تخاطب واقعي أو أنها متشائمة وما إلى هنالك من نقد مجاني. إن كل صاحب الفكر الجاد والجريء عليه بتحمل المتاعب التي هي رفيق الجدية الحتمي؛ وعني شخصياً فمن الطبيعي أنني واجهت انتقادات كثيرة كان معظمها ينطلق من منطق غير فني، وعليه فإنها لا تعنيني، وكنت أقدر أنها كانت بمثابة استهجان بين شخصي وكينونتي الاجتماعية وبين ما أقدّم في لوحاتي. عموماً قد يحلو للبعض وصفي بأنني أمشي عكس التيار، وفي هذا شيء من الصحة إن اعتبرنا أن التيار التشكيلي هو مجرد رسم نخلة وخيمة!، فأنا أقدّم ما قد لا ينتمي للبيئة، وأخيراً التشكيل خطاب عالمي تفهمه الشعوب والفن هو اللغة الإنسانية الأبقى.

س : ما الذي تريدينه من فنك، عموماً ؟

ـ إنني أعمل على مفردة الإنسان بمعناها الواسع، البدوي والزنجي والهندي الأحمر والقوقازي وغيره، بحكم تخصصي في فن البورتريه، ولكنني لا أنقل الوجوه كما هي بل أتعداها لما ورائها، وأثبّت بهاء هذي الوجوه في حالات خاصة عندما تشير إلى سمو إنسانيتها؛ قلقةً كانت أم مطمئنة، سعيدة أم حزينة، وقد نتج عن ذلك أنني لا أسمي لوحاتي، إن لحظت ذلك، فالإنسان هو معرضي الدائم والمستمر، وأشعر بأنني كلما رسمت لوحة جديدة، أوغلت نحو جوهر النفس البشرية، فيظهر إحساسي رغماً عني على الوجوه، وحينها تؤثر تلك الملامح بي وأؤثر بها وأسجل في تلك اللحظة الحميمة، كم من الرغبة تحمل وكم من الآلام والفرح. الصدمة تأتي من هنا فأنا أرفض الأقنعة والزيف، ويؤلمني أنه ثمة أشخاص تمشي وهي أشخاص أخرى!، لا تعرف نفسها ومن تكون!! ، لقد اختلطت الأشياء على الناس من كثرة الأقنعة وتمثيل الأدوار واستعمال (الميك أب)؛ تدهشني مقدرة البعض على خداع الآخرين كما تدهشني تلك الهوة السحيقة بين حقيقة الداخل وحقيقة الخارج، وخصوصاُ لدى المبدع الذي يعيش حالة فصام إنساني عجيبة بين وجهه الذي يريه للناس ووجهه الحقيقي. ولأن الإنسان الصرف هو غايتي، فقراءاتي سيكولوجية وأدبية أكثر من غيرها.

س : خارج لوحتك الملتزمة بالإنسانية، ماذا قدمت لها على أرض الواقع وماذا تحدثينا عن نشاطاتك في هذا المجال؟

ـ الكلام عن فعالياتي ومشاركاتي في الجمعيات الخيرية، يحولها إلى نشاط اجتماعي فيه الكثير من الادعّاء، لكنني أبحث دوماً في علاقاتي عن المهمشين والمحرومين لأتفاعل معهم، أقيم ندوات وأدعم الفنانين المتوارين في الصفوف الخلفية؛ المشهور والمكرّس لا يعنيني، أبحث عن الصدق في كل مكان وعن الأشخاص الصادقين لأسجل ما أستطيع من تواصل إنساني على كافة الأصعدة وعلى أكثر من ترجمة.

س : بات من الملاحظ تسابق وسائل الإعلام وتسليطها على المرأة العربية عموماً والسعودية خصوصاً، هل ظاهرة الظهور الإعلامي الكثيف ظاهرة صحية؟

ـ لقد أشرت إلى أن كثرة الظهور تحول الهدف السامي إلى أغراض اجتماعية فيها الكثير من الزيف، وآمل من المرأة السعودية أن تكون على قدر المؤمل منها كما هي دوماً، أصلها ثابت وجذورها متينة ملتصقة بالوطن والخير، وأرى أن تمارس دورها دون النظر إلى الانفتاح الزائف و(البهرجات) التي تأتينا من مصادر لا تريد بنا خيراً؛ كما أنصحها بتغيير مفهوم منافسة الرجل، ذلك المفهوم الذي أصبح هاجس النساء في عصرنا الحالي، فالرجل سيبقى قواماً عليها بما خصه الله وستبقى هي ذلك الكائن الجميل بضعفه وأنوثته.