تفطح المنتديات السايبرية والعديد من الصالونات الثقافية والفكرية السودانية هذه الايام بجدل يترنح بين الموضوعية والهيرطوقية الهلامية، خلاصته ان على المثقفين السودانيين اعادة النظر في اشكالية العلاقة السودانية العربية من كل النواحي السياسية، الاجتماعية، والثقافية... الخ.
دعاة هذه الافكار هم مثقفي (السودان الجديد) الذين ذهبو في خطوة تعتبر هي الاجرا منذ توقيع اتفاقية نيفاشا بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم وشريكه لاحقا الحركة الشعبية لتحرير السودان لاحقا الخطوة تمثلت في قيام جمعية الصداقة الشعبية الاسرائيلية السودانية ومقرها كندا وتضم كمشة من المثقفين السودانيين المقيمين في كندا والولايات المتحدة الامريكية وبرطانيا ودول اوروبية اخرى على خلفية الصمت المطبق من قبل مثقفي العالم العربي حيال ما حدث ويحدث في دارفور خاصة والسودان عامة لذا اعتبرو ان التفكير بصوت مسموع هكذا اطلقو على عمليتهم التطبيعية مع اسرائيل ضرورة ملحة لانقاذ ما يمكن انقاذه من حضارة سودانية ومشهد ثقافي سوداني وقد تناولنا هذه الجمعية سابقا بمقال هنا في ايلاف. دعاة السودان الجديد يتلطون وراء اشكالية التعدد الثقافي والتنوع الثقافي وعلاقة الهامش الثقافي وتمظهراته مع المركز (الخرطوم) من ناحية، وقهر المركز لثقافة الهامش من جهة اخرى والهامش هنا نقصد به اساسا ولايات السودان المترامية الاطراف لاسيما وان السودان تقطنه اكثر من سبعمائة عرقية حسب تعداد الثمانينات، ويدين الاغلبية بالدين الاسلامي وهم سكان الشمال والشرق وغرب السودان بينما يدين اغلبية سكان الجنوب المسيحية والمعتقدات المحلية وهو ما عرفته الدساتير السودانية ب(كريم المعتقدات) سكان الجنوب ووالوسط جبال النوبة لحد ما ليس لديهم اي مانع مع اي تقارب ثقافي سياسي اجتماعي مع اسرائيل والامر في تمدد هذه الايام على خلفية ضرورة التدخل الاجنبي في اقليم دارفور، ومن هنا يرى العديد من مثقفي السودان الجديد مثل الاستاذة تراجي مصطفى والبرفسور عبدالله النعيم وغيرهم ان الذهاب الى تل ابيب وصناعة مشهد ثقافي سوداني اسرائيلي ضرورة حتمية دعاة السودان الجديد منسوبي الحركة الشعبية، البرفسور فرانسيس دينق، ودينغ الور يرون في العديد من كتاباتهم ان الثقافة العربية تم تجيرها عرقيا لمصلحة القبائل السودانية المتحدرة من اصول عربية بمساعدة انظمة الحكم المتعاقبة وبالتالي تم التواطؤ وبشكل ممنهج بين المثقف الشمالي نصير الثقافة العربية سواء كان علمانيا او اسلاميا وبين الحزب والعسكر وصولا الى تصفية ثقافات الهامش السوداني على اسس عرقية بائنة لمن اوتى مثقال حبة من مفهومية مستدلين على اطروحاتهم تلك باحداث الجنوب المندلعة منذ نصف قرن المنتهية في العام 2003م بشكل غير مضمون وايضا احداث دارفور التي حولها النظام الى (دار فر) او (دار فرار) وبالتالي تمت الادانة المسبقة من قبل دعاة السودان الجديد للثقافة العربية سواء كانت معرقنة او مهجنة مع البربرية الوافدة للسودان في القرن الخامس عشر والسادس عشر نقصد مملكة سنار التي ابتدات حامل بجنين التنوع الثقافي الكائن بين عبدالله جماع (بتشديد الميم) العربي وعمارة دنقس الفنجي الافريقي لتنتهي لاحقا الى كهنوت الصوفية الذي تم اختطافه فيما بعد الى ان يصبح بوقا للثقافة العربية لاهل شمال السودان ضد سكان الجنوب انصار الثقافة المسيحية وكريم المعتقدات هكذا يعتقد انصار السودان الجديد في احدي تجلياتهم في نقد السودان القديم.
الدكتور منصور خالد في كتابه (السودان اهوال الحرب وطموحات السلام- قصة بلدين) ذهب الى ابعد من ذلك، ليس لانه وصف الثقافة العربية السودانية بالثقافة المستعربة فحسب بل صب جام غضبه على المسعودي، وابن خلدون، ورفاعة رافع الطهطاوي، وغيرهم، كونهم في فترة من الفترات نقلوا او كتبو شيئا عن السود والسودانيين ولذلك يرى ان الهامش المسيحي وكريم المعتقدات لابد ان تنتصر وفي الخرطوم وتعيش جنبا لجنب ودستوريا مع الثقافة العربية الاسلامية.
الشوارد او الاضاءات التي اتينا على ذكرها اعلاه هي نماذج عابرة من المشهد الثقافي السوداني داخليا اما خارجيا فدعاة السودان الجديد يساءلون ماذا قدم المشهد الثقافي العربي للسودان? ما هي الجهود التي بذلها المثقفون العرب في مصر، ولبنان، واليمن، وغيره من البلدان العربية، لوقف نزيف الدم السوداني-السوداني? وماهي البرامج الوثائقية والندوات والمهرجانات التي اقامها المشهد الثقافي العربي تجاه كوراث السودان منذ ستين سنة? اين منظمات الاغاثة الاسلامية من مجاعات دارفور في الوقت الذي تتسابق فيه منظمات المحافظين الجدد الامريكيين واسرائيل لدارفور? منتهيين الى انه طالما المشهد لثقافي العربي غض النظر عمدا عن السودان تاريخيا وثقافيا واعلاميا... الخ، فعلى دعاة (السودان الجديد) ضرورة التوجه الى الشيطان ذات نفسه لفتح قنوات بديلة وكانت البداية جمعية الصداقة الشعبية الاسرائيلية السودانية والتي من المفترض ان تدشن مكاتبها قريبا في الدول الاوروبية وسط تعاطف ملحوظ من قبل طلاب الجامعات السودانية وتحمسهم لهذه الفكرة، في وقت بدأ المجتمع الدولي التفكير جديا في اتخاذ خطوات عسكرية ضد السودان تمهيدا لتقسيمه الى جزر عرقية ودينية كما يعتقد بعض المحللون، فهل سينتصر دعاة السودان الجدد في حربهم على السودان القديم ويتم تغير الخارطة السودانية اثنيا وثقافيا لواقع جديد ام ان السودان القديم يملك مؤهلات الصمود الذاتية على المستوى الداخلي؟