السقوف الطويلة لسنبلة الحياة

رغباتنا الراهنة بحاجة محمومة الى تثبيت التألقات الفريدة للرحمة الإلهية على الأشجار الهرمة والمريضة للعالم. ما هي أهدافنا في النهوض المؤلم صوب الفضائل المعرية لأسرار وحدتنا في هذه البرية الغريبة ؟ ينبغي للانسان أن يطرد الألطاف النحيلة للسلوك الاجتماعي، ويناجي النمور في صلاته بأنانية حادة. نحن الآن بحاجة الى انتفاضة فريدة ضد وضعنا البشري وشروطه العجفاء. ينبغي أن نغيّر العادات والاعتقادات من أجل صيانة الزهرة الذهبية لكرامة موتنا. لا فرصة لنا في الخروج من هذا البؤس الذي ينضج في كل لحظة. عبرنا مرات طويلة الحاجز الأخير للسأم، وانزلقت حيواتنا في متاهة من المصائب والعلل. هل يظللّنا غفران الآلهة في تلاصقاتنا المحكمة والموصولة بالهاوية الممتدة عبر اللمعان الأزرق لفجرنا الأسيان؟
في الظلمات المعادية لأشجار ضجرنا وتمايلاته الحادة. في رطوبة العتبات المنهكة لأبواب نومنا الضنين . في الفضاء المسموم لصمت تنهداتنا وجذورها المتقطعة في الظلام. يحطم الأمل المرّ كل دفاعاتنا في الليالي المتهدمة ويطفىء الوشيعة الفقيرة لذكرى موتانا في الغبار وفي النحيب. في نجوم فراشات صرخاتنا الحمراء والسقوف الطويلة لسنبلة الحياة. نصعد مع نفائسنا الى الهاوية في ارتباك عظيم، تاركين خلفنا عطونة أصداء وعيدنا لشمسنا المغبرة وشعلة الغريزة. يحتاج الوضع الانساني الآن، اخلاصكِ أيتها الآلهة. يحتاج شرارة احسانكِ وحنان الرقاد. لماذا لا تستثير صلواتنا المرفرفة في الوحشة المضيّقة للنعمة. البراكين العظيمة لعطفكِ ؟ يحمل الانسان في ليل الحيرة على كاهله وهو يرحل الى أرض العظام. خسته ونفاياته المصففة، ولا ينال الرحمة المشجرة العتيقة للآلهة.
27 / 4 / 2006 مالمو

وردة أحلامكَ ورغيفكَ الشفيف شفافية الاحسان
الى محمد النصّار

يحطُ طائر موتكَ الجميل فوق الأشجار المنتصبة دائماً في الصقيع، وتفسد الذكرى خميرة رغباتكَ حين تضغطها قناديل الصيف. في سعيكَ الحثيث للاحتفاظ بخاتم الشمس، وفي تأملاتكَ تحت أحجار الماضي حول وطأة الأيام. تتمددُ مرايا شواطئكَ المطوقة بنور الموت، وتحترس من الفساد. انحنت فوق حرير ليلكَ الرياح. انحنت سنوات الفقدان والأشواق. أيامكَ المضّيق عليها ما بين الوحدة الصديقة وأشجار كستناء الصمت. متاهة يصعب علينا اختراقها. هل فشلتَ في العثور على صخرة رحيمة تستريح تحت شمسها في هاوية الزمان ؟ في غاليري { الفينيق } وفي حانة { الياسمين } بعمّان كان الكثير من الفتيات يحاولن أن يرضينكَ جنسياً، لكنكَ كنت تتحدث عن باسترناك وتحيا لحظات حداد طويلة لموت دزدمونة. كنت تود لو أن ملاكاً يقاسمكَ صمتكَ وخمرتكَ القوية، وكنت َ تطعم الطيور المهاجرة وردة أحلامكَ ورغيفكَ الشفيف شفافية الاحسان. النبضات المسموعة لتأملاتكَ في الأنفاق المتعددة للامساك بالضروريات. إمحت الآن كلها. هل يدفعني شعورك بالقرف من كل شيء الى التوبة ؟ الحب والحقد. الذهب والعقيق. لا يغيران انطباعاتكَ عن اللغو عديم الرحمة الذي تمنحنا إياه الحياة.
11 / 4 / 2006 مالمو

لا نجمة تضيء ليل موتنا في غيابك ولا نشيج

{ إن تعفُ أو رُمتَ قتلي لا إرادة لي
فالرأس منيَ مَحنيٌ على الباب }
سعدي الشيرازي. { كَلستان } روضة الورد..

لعبد الوهاب البياتي في صبح الخليقة فردوس وأدراج، وله في شبابيك القرون رونق الذهب واشراقة العشاق. هلكَ الفقراء في روضته رحمة ونشوة، ونام الغمام الشيرازي الطلعة على العسل والديباج. مضى الملوك وتهدمت القلاع , وغطست في النسيان سطوة الطغاة، وما لاح لهم أبداً نهار، وظل الطالع السعيد لنجمة موته صائت الأقمار. تنام بلابل انخيدوانا في بستانه عاشقة ومطمئنة، وجادات شيراز الناعسة، نعمة وشفاعة تفيض. في أسفاره الطويلة وشوقه الى الامساك بعشبة ربه المنعشة، كان يريد الفناء في المحارات المضيئة لعدله العظيم ما بين الحشائش العالية للأسرار وصمت السيرينيات في الشواطئ الدامية للحكمة. يا عبد الوهاب البياتي. يا معلم النجم والصيد والإيثار. نحن الآن بحاجة الى المزيد من توضيحاتك للتمائم المخفية في نار التقبيل وفي صلاة المتاهة وأفيائها خفيفة الحمولة. لا نجمة تضيء ليل موتنا في غيابك ولا نشيج، والأدلاء أضاعوا طائرهم في الضحى ونجمتهم الشفيعة، وغابوا في أشجار قطن الصمت والنسيان. الغصن المعقوف لنار حلمك، يخشخش في باب عصر أضعنا مفاتيحه في الترتيب الممل للرغبات. انقطع الآن يا سيدي المطر وتفتحت أنفاسك الوردية فوق الجسور. صيف نسمتك القصيرة وطيران ظلالها العميق فوق المستشفيات النجمية لحيرتنا المعذبة والموصولة بالأبدية، يغرق الجهات كلها ويحول الرغبات في أحلام العشاق الى عشب يتجمد في شفاه الهاوية. وحدها في رماد القرون، تحرس طمأنينة البرق الإلهي روضة وردك الندية العائشة في الشمس وفي قناديل الضمير.
16 / 4 / 2006 مالمو

الانسان المحاصر والوحيد في حقل الشوفان

تتمرأى في ليل الانسان تشابهات العظام، ولا يثبت الايقاع.
هل تفصحُ النجمة عن ظلمتها في البروق البلهاء لحيواتنا المختالة والمقتنصة؟
هل يفصحُ الموت عن أوراق أشجاره المترامية في الشروط القاسية لإجابات الصيف؟
نتقدمُ صوب أرض المعركة وفي ويقين كلٌ منا، العديد من الندبات والمفارقات:
جنرالات بثياب المسيح يهشمون ألأقمار الفقيرة للأشجار في المدينة.
ذئاب جائعة تطاردُ عبر المنحدرات الصخرية أحلام الانسان.
ديونيسوس بأعياده الإلهية العظيمة، يصغي لموعظة الشيطان في المرحاض
ليس للانسان في تعاقب الفصول، سوى دفء أحلام الكلمة والانحدارات المتعددة لحجارة القرون. ليس له سوى مفاتيح الأنهار التي تدفئ فضاءاتها، زوال الساعات وأرض اللاعودة.
ينزلق صمتنا في كل آنٍ، ويدوّي في آبار النسيان عتاد الأحلاف، ويتلاشى الوميض
الحرّ لتنفساتنا في الغسيل الأخير للغبار.
لا عصف ولا اعصار
ولا ومضة ولا ظلام
خمدت في عروق الأرض وأوغلت في صمتها الأقمار
وانطفأت تحت كونكريت الرغبات المشاعل
وها نحن من جيل الى جيل، يستحوذ على تمزقاتنا الخراب
فيا بروق آلهتنا ويا رحمتها التدميرية في الصحراء وفي الخلجان
تقدمي وانسفي طحالب هذا الليل الذي طال، وخلصينا من عفونات الستائر
المتعرجة لأحجارنا المريضة والنائمة في جحور الأرانب وسحب العظام.
هل بوسع الانسان المحاصر والوحيد في حقل الشوفان
أن يطير كما تطير الجبال؟
هل بوسعه أن يجدد ميثاقه مع الطوفان؟
تتمرأى في ليل الانسان تشابهات العظام، ولا يثبت الايقاع.
19 / 4 / 2006 مالمو

يثبت الأمل أصواتنا في ضياء فراديسه العالية
الى كمال سبتي

للموت سلطان
ولنا سلطان.
تبدأ رحلتنا الأخيرة صوب الهاوية تحت الايماضات الكستنائية في الأوراق النحيلة للخريف، لكن في تعرجات الطريق يضيع النهم الانساني، كل الدلالات والارشادات.
يلزمنا الآن التقدير الكامل للوصول الى الهدف والانصات الى أصوات طرائده المتعددة
من أجل الحفاظ على الوديعة التي سنخلفها
من أجل الكرامة الانسانية
من أجل الأنفاق العميقة والموقظة لمصائرنا.
تموت أختنا النملة من دون رغبات أو توترات، في الحقل الشذري لحياتها، وتكرمها قبيلتها، لكن موت الانسان لا يجلب له الرحمة. أشجار الرمان هي من تختار موتها وتبقي على أولئك الذين يتسمون بفضيلة ما. جميلة كل المصائب والآمال المنغلقة في الريشة الثقيلة لحياة الانسان. الأحلام التي نحترس في السير ما بين طرقاتها شديدة الدفء، وباب الوجود الذي نود لو يبقى مفتوحاً في وجوهنا الصقيعية الى ما لانهاية، والطمع في تمدد العمر، والعادات والقوانين اللامتكافئة. بامكاننا الآن أن نصالح كل هذه الأشياء مع ثمار ضمائرنا الأسيانة ونتخاطب بصلابة مع نحّات الأزل، ونكمل الرحلة من دون احساس في الخسارة. انني الآن أتصفح مجلدات قديمة عن عبادات الشمس وعن الغناء عند شعوب طيور السمان، وأدون احساساتي في الموت، لكن تفكيري يظل عالقاً في الذين سيولدون وعندهم رغبات رثة وفقيرة. النجمة المنعكسة في الينبوع وفي مرايا الحديقة، هي صورة الغائب. كل من يموت يبقى ماثلاً هنا في هذه النجمة. يشدنا الماضي ويشدنا المستقبل، وما بينهما يثبت أصواتنا الأمل في ضياء فراديسه العالية. كل عفن في الغصينات الشفيفة للحياة، يمكننا إزالته بشرط أن نتخلى عن ضعفنا الانساني، والعادات غير المحمودة التي نتسم بها دائماً.
22 / 4 / 2006 مالمو

نصيف الناصري شاعر من العراق يقيم في السويد
[email protected]