أتخيّلكَ تمضي..
وأمضي..
ويبقى الوقتُ حولكَ
وحولي
غافياً..
وتمرّ الظلال من خلفِكَ
ومنْ خلفي
تغادركَ..
تغادرني..
ثمّ يتناثر المساء رماديّاً
ومن عناقيد غيمة بيضاء
خلّفتْ وراءها خيوطاً
كأوتار عود
كحبّاتِ رمّانةٍ قرمزيّة
أو كجدولٍ من بلّور
تجمع حولك..
وحولي..
وحولنا..
لنشاهد الكون على شاشته
يعبره ويعبرك أو يمرّ
من قربك
ومن قربي..
كأنّي بك الآن تشاهد
وجهي كوجهك
مشدوداً إلى السماء
نحو غابة من نجوم
تتوالد كالكلمات في كتابك
أو كتابي
وفي كتب أخرى عربيّة
مع أنّي أخافُ عليكَ..
وعلى نفسي ونفسك
أن تنسى
جهلاً منّا
من أنّ جباهنا من طينٍ صُنِعتْ
وكانت قد
عُجِنتْ من ترابٍ وثني
عيوننا من مساقط المياه تلوّنت
وقلوبنا من حقول الصعتر والياسمين
تعطّرتْ.. نمتْ.. واستقلّتْ.
أتخيّلكَ تمضي..
كمساءٍ قطبي
وخلفكَ شفق المغيب يذوي
ليلفّكَ الدربُ.. ليلفّه
ويلفّني..
فاستمعْ إلى وقعِ أقدامكَ
تنأى
بعيداً عنه..
عنّي.. أو
عنكَ..
نحو أجفان غابة من الرمل
حيث التوابل والجفاف
والإبل والسراب والجراد.
عندها سيبدو المساء هارباً
منّي.. ومنه
ومنكَ.. أيضاً.
ستغادره كما يغادرك لكن للحقيقة
سيقول بأنّ شيئاً من ظلّك ظلَّ في الشمس
وسيبقى.. جزء منه في الفيء. جزء
من ظلّي..
أو ظلّكَ..
شيء سيطلّ من نافذةِ الكون
وحيداً
كنجمةِ الصبح
لتغدو الكلمات على يديك.. وعلى يديّ
ويديه..
كما لو كانت تنمو في الليل القطبي
كالفطر.. كالبرسيم.. أو
كالأحلام
ثمّ تبحث عنّي أو عمّا هو عندي وما
هو عندك.. عن الحبّ أو
عن معنى الكرامة
أو ما تبقّى منها من أثر
حولي ومن حوله
أو حولكَ
وفي صحارينا التي
مسختْها
أيادٍ همجيّة.
أتخيّلك تمضي أو
يمضي بنا الزمان
لتعود.. يا صديقي.. كغيمة
أو أعود أنا
أو ليعود كلّ منهم على حدة
ليمضي من جديد. جمْع كالإعصار. أو
ليصبح المكان والزمان من حولنا
كوكبين
سابحين
في مجرّةٍ صنعتْها هذه المرّة أناملنا
العربيّة.
هكذا، أتخيّلك تمضي لتعود
أتخيّلكَ غيمة.

أستراليا ـ مالبورن