من أمستردام دينكه هاوزنخا: بحفاوة دافئة استقبلني زياد حيدر (العمارة 1954) في منزله ومرسمه في أمستردام. هذه هي المرة الأولى التي أزوره فيها لا للتمتع بصحبته بل لإجراء مقابلة معه. quot;عن ماذا سنتحدث؟quot; سألني وهو يملأ لي كأساً من النبيذ. quot;عن الفنّquot; قلت له وأكملت quot;عمـّا تفكّر به، ما تشعر به، ما أنجزته، عن حياتك كفنـّانquot;. أجابني ضاحكاً quot;أوه ، الفنّ! وما الحياة بدون الفنquot; ثمّ يكمل بجدية quot;وما الفنّ بدون الحياة؟quot; وهذا هو جوهر عمله. تخرّج زياد حيدر عام 1976 في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد. إنه فنـّانٌ متميز يستطيع أن يفعل كلّ شيء بريشته. حاز على جوائز عدّة عن أعمال فنية متنوعة من بينها جائزة مهرجان الشبيبة للملصق في برلين عام 1975، ومهرجان الواسطي ببغداد لعامي 1984 و 1985، وجائزة جمعية التشكيليين العراقيين 1991. عـُرضت أعماله في الكثير من مراكز الفنون والمتاحف في العراق، قبرص، الأردنّ، اليابان، سوريا والولايات المتحدة. منذ مجيئه إلى هولندا عام 1996 واصل عرض أعماله في هولندا، بلجيكا، فنلندا، بولندا وغيرها.
عدّل جلسته وتطلّع إلي بجدية، وبحركة متواصلة بأصابعه بدأ بالحديث عن فنـّه quot;الثيمة الأولى في أعمالي هي ما أسميه (التراث اللامرئي) للعراق. أنا لا أرسم نصباً تذكارية ولا فولكلوراً، لا أستخدم في لوحاتي مشاهد من العراق. أنا أرسم عراق الدواخل. باللون والأشكال أترجم ما يعانيه الناس، أترجم ما يحدث في حياة الفرد وحياة الشعب في زمن الحرب والقمع. أعتمد على الإرث المتواصل للتجارب الإنسانية، الإرث الداخلي للناسquot;.
بالألوان والتكوينات المجرّدة يعكس زياد حيدر شعوراً، مزاجاً أو حدثاً يشغله. في الأعوام الماضية اختار الألوان الصافية، الأحمر والأصفر مقابل الأسود والرماديّ. بهدوء وتأنٍ يعكس في لوحاته ذلك التناقض بين الحرب والحبّ، بين قسوة الآلة والحديد ورقة الجسد ونشوة الروح (لوحة بلا عنوان، 2003). لوحات تأخذ المشاهد معها إلى حلبة الصراع الداخلي لدى الإنسان، لدى الشعب، وفي التاريخ.
سألتـُه quot; هل يظلّ التاريخ حاضراً على الدوام لدى الناس، أم إنه يتلاشى في دورة الزمن؟quot; يجيب زياد حيدر quot;التاريخ يخلّف آثاراً وجروحاً لها تأثير مستمر على حياة الناس. آثار التاريخ هذه تشكـّل هوية أي شعب من الشعوب. كلّ حدث يؤدي إلى حراك تاريخي، سياسياً وفكرياً. وهكذا يحدّد التاريخ هوية الإنسان، هوية الفرد والجماعة، وأسلوب النظر والعيش. وهذا سيكون له تأثيره على المستقبل أيضاً. يصحّ هذا الكلام على تجارب الشعوب في كلّ مكان، في أوربا أيضا. كفنـّان بوسعي أن أتحرر من التاريخ الشخصي، بوسعي أن أنظر من بعد، كما ينظر طائرٌ إلى الأرض، ولكن في الوقت ذاته يظل هذا التاريخ هو حكايتي الشخصية، مادّتي التي أشتغل عليها. في لوحاتي الأخيرة هناك شكل مرئي لكنه يبدو كما لو أنه يتلاشى في خلفية اللوحة، إنه يتلاشى في المعاناة، والحرب والايديولوجياquot;.
رافقته إلى مرسمه ليريني لوحاته التي أنجزها بعد زيارته إلى بغداد في شباط 2004. بغداد ما بعد الحرب غيـّرت منظوره، ألوانه وتكويناته. أراني آخر أعماله قائلاً quot; هذه اللوحة تصوّر ما يبقى بعد الحربquot;. سطح اللوحة مقسـّمٌ إلى مربعات مشغولة بتكوينات صغيرة باللونين البني والكريمي: شعب مثخن بالجراح يوحـّده تاريخ مشترك وتجزّئه الايديولوجيات. ملاحظة زياد حيدر العميقة للأحداث الأخيرة في العراق تجدها منعكسة بنقاء ودقة على قماش اللوحة لتجعل الألم يسمو إلى مرتبة الجمال.
* دينكه هاوزنخا:Dineke Huizenga باحثة هولندية متخصصة بتاريخ الفنّ في أيران والعراق، نُشرت المقابلة في مجلة (سورة Soera) التي تعنى بثقافات الشرق الأوسط والعالم العربي في عدد خريف 2004. ترجمها عن الهولندية شعلان شريف.
في رحيل زياد حيدر: أحلام ضائعة وأخرى مؤجلة
رحيل الفنان العراقي زياد حيدر بمرسمه
مقال الفنان زياد حيدر عن معرض اليونسكو الاخير للفنانين العراقيين
التشكيلي العراقي زياد حيدر في تظاهرة ثقافية هامة في أمستردام
ناجي رحيم وصلاح حسن: زياد حيدر
موقع زياد حيدر على شبكة الانترنت
التعليقات