أقبل ابنُ جني عليها، طوَّقَ جيدها بساعديه، مسح خده بكتفها فتلوى، تمايل، همس نافخاً في روحها: بحياةِ الورد ورحيق الزهر اظهري لي، تبيَّني يا ريم الفلا، يا زهر الرمان، أفصحي عن حسن الخمائل، إرو عطش سني عمري واملأي ليلي بصخب جسدك ولؤلؤ لفظك.
امتَنَعتْ...
اتبعي قلبك واتبعيني فالحقُّ أنا وشرفاتُ الليل بيدي.. ألوانُ المجد بقبضتي، أنتِ الأولى والأخيرة والسيدة والجميلة والبداية والنهاية ولا خليلة ولاحبيبة غيرك. تنَفسَتْ ريح العشق، وتسربَ ثناءُ ابن جني إلى ثقوبِ جسدها المتيقظ أهبةً لليلةِ عيد.
امتَنَعتْ فلم تقطر الحمم بعد...
ركَع، سَجد، مَسَح الأرض بشفتيه واسترق من القمر خيطاً لفَّه حولَ خصرها، مدَّ يديه دعاءً وصلاة كمن يقول رحمتُكِ أوسع، عطاؤك أكبر، أفيضي عليّ بحسنك وسآويك عدنَ قلبي. مدَّ يديه واستكمل دعاءَ الليل والوقتُ يسترسلُ من جنباتِ شرفاتها، بدأ يجهر بهمِّه، ضجر ابن جني حين منحته عينين فقط.
أنا لكِ فقط، فاسردي أمر الحلم وبغتةَ الفرح وسآتيكِ بروح هاجت قبل روحي و.. و.. و.. سَكَتْ، هزَّه ورد صوتها، أسكته الحرف، أخرسه صداه، وقف مبهوتاً، احتواها بنور الفلك، ماج، جُنَّ، صرخ، أيُ همس تملكين يا غادةَ الروح؟ أي رحيق يقطر منك وأي سكر تبعثرين. فغر فاه، لم يملك له وطرا، تحت رأس الفردوس سكن وطلب منها أنْ تزيده سيلاً، أنُ تُغرقَ فاه عسلاً وسيشرب ما تأتي به وما تذر.
أي ليل يا غادة هذا؟
أسكريني بهمس حرفك، اقتليني الآن بلون عينيك وفصح شفتيك وأعطني ما تملكين من جُمَان، يا ربةَ الحجر وإلهةَ الألوان، امنحيني ساعة رؤيا وانكري عليّ دهري بعدها.
خدر الحسناء يميل، يهتز، لم يحن الوقت، لستُ أدري كيف أكون سلاماً لجني، لا لستُ أملك لنفسي نفعاً بعد غدرك والبحر أهوج والرمل يعمي العينين حين تتنفس به الفلاة.
اتبعي قلبك يا غادة...
انسلَّت غادة من خدر الليل، انتفض ابن جني حين هلَّ خلخالها، وحين انحسر النرجسُ من عرش الربةِ المجهولة، تلألأ ليلُ ابن جني ولم يكد يُمسك لقلبه نبضاً. اخرجي، أقبلي...
وحيد، مسكينٌ أنا، أنتظرُ غادة تلمُ ليلي، هيا اقتليني ومن ثَمْ ارحلي.
أقبَلت...
ولى مُدبراً.. و المسكُ على وجهها يناديه، لماذا؟
والله يا غادة لو مثلك ألف امرأة ما قبلتُ بها سكناً، والله يا أنتِ لو كنتُ أعلم ما استنزَفْتُ أبجديتي على رموش عينيك. أقسم بالله أني أحمق وأنكِ لستِ سوى صفحة منسية طواها الزمن بين ثناياه. لا أقبل بكِ ولا تصدقي قولي.. هيا عودي، فقط، ظننتكِ أجمل!
تبعتُ قلبي، أنا الغادةُ المكلومة، فعلمتُ أنه لا قلبَ لي، ولو كان لما اختصرتُ زمني بيد جني ابن جني، فارحل أنتَ أيضاً، لا أنتظرُ منك رجاءً، قُوتُ قلبي سيحين قطافه يوم أنْ تُزهر الرياحين وينسكبُ عسلُ الورد بين عيني وعيني.

أزهار أحمد كاتبة ومترجمة